أبو بكر سالم: لا أطمع في التكريم أو الأوسمة

تاريخ النشر: 14 سبتمبر 2000 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

الفنان اليمني المخضرم أبو بكر سالم واحد من الفنانين الذين قدموا خلاصة تجربة عريضة في معترك الفن والإبداع، فمنذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي وأبو بكر منافس قوي وعنيد لكل الأجيال التي سبقته أو جاءت بعده. 

أبدع في تقديم الأغنية العاطفية والوصفية وكذلك الأغنية الوطنية حيث لم يترك بلداً عربياً إلا وغنى لأمجاده. 

وعلى مستوى الأغنية المكتوبة بالفصحى كان أبو بكر أول من غنى من شعر أبي القاسم الشابي، حين أطرب وأبدع بأغنيته الشهيرة "الصباح الجديد" وعلى مستوى التعاون مع الآخرين كان "أبو أصيل" السباق في إعطاء الحانة لعدد كبير من الفنانين العرب، بداية بنجاح سلام وهيام يونس مرورا بوردة الجزائرية ووليد توفيق وأصيل أبو بكر وعبد المجيد عبد الله وأخيراً أصالة وذكرى. 

وإذا كان أبو سالم بدأ حياته الفنية مشكلا ثنائيا ناجحاً مع الشاعر الراحل أبو بكر المحضار إلا أنه في فترة تألقه ونجاحه في مدينة عدن ارتبط اسمه باسم الشاعر الرومانسي لطفي جعفر أمان الذي قدم له أجمل الروائع العدنية والتي منها "أعيش لك"، خطوة خطوة، كل شيء بيني وبينك، سمعت الشوق" وغيرها.. كما تعاون مع عدد كبير من الشعراء من الكويت والسعودية واليمن والإمارات وغنى من كلماته كثيرون وكان آخر البوم غنائي له بعنوان "الطيف المسافر" وتضمن أغنية "سرقت النوم من عيني" للشاعر الإماراتي أحمد بن ظاهر، إلى جانب أشعار لحسين أبو بكر المحضار والحداد بن حسن الكاف. 

وفي حديث له مع صحيفة "الخليج" الإماراتية تحدث الفنان عن الفترة التي عاشها في بيروت عام 1964 مع الفنان الراحل طلال مداح والذكريات التي يحملها لهذا الفنان فقال: 

ذكرياتي مع الفنان الراحل طلال مداح يغلب عليها طابع الأخوة، أكثر من الزمالة، وتجسدت العلاقة بيننا أكثر حين جمعتنا بيروت في عصرها الذهبي.. وأذكر أن ذلك كان في عام 1963 أو 1964 وكنا لا نفترق إلا فيما ندر ومن وقتها أصبحت تجمعني بهذا الفنان العلاقة الأخوية، ومن ذكرياتي معه أنه كان رحمه الله بشوشاً صاحب نكتة ومواقف طريفة، أما في مجال الفن فقد كان حريصاً في اختيار أعماله، وله الحان رائعة أثرت فينا كما أثرت في غيرنا، وبجملة واحدة أقول أن الساحة الفنية الخليجية والعربية فقدت فناناً نادر وانسانا رقيقا بمشاعره وأحاسيسه. 

 يشاع بين كثير من محبيك أن صوتك قد تأثر مع الزمن؟ وانك صرت تتجه للتلحين أكثر من الغناء؟ 

- بشهادة الكثير أيضاً هناك… من يقول بأن صوتي لم يتأثر مع الزمن، وأضيف بأنني ما زلت قادراً على العطاء، وأعتقد أن آخر البوم لي "الطيف المسافر" يحمل الرد على مثل هذه الأقوال، أما اتجاهي للتلحين فمرده وجود عدد كبير من الأصوات الشابة الناجحة، التي تحتاج إلى من يساندها ويقف معها. ولي تجارب كثيرة مع الفنانين الشباب ومنهم الفنانون عبد الله الرويشد وعبد المجيد عبد الله وراشد الماجد وأصيل أبو بكر ومن الأصوات النسائية أصالة وذكرى وغيرهم. 

 بالمناسبة.. البعض يذكر أن الفنان أصيل حظي باهتمامك الدائم ونال الكثير من ألحانك، هل يعود ذلك إلى كونه ابنك أم لاقتناعك بصوته وقدراته الفنية..؟ 

- أولا الاهتمام والرعاية لا أبخل بهما على كل شاب لديه الموهبة الصادقة والأداء الجميل.. وهناك شواهد كثيرة على ذلك، أما أصيل وهذه حقيقة، فأنا لم أسمع صوته سوى قبل سنة من ظهوره على الساحة الفنية، ولم يغن أمامي إلا بعدما أصبح مقتنعا بصوته وألحانه، واعتقد أنه كان يستشير أصدقاءه الذين شجعوه قبلي، أما أنا فعندما سمعت صوته، قلت له أن الفنان ليس صوتا فحسب وإنما هو إحساس وأداء وتمكن من الأدوات الفنية. 

أصيل وقبل أن يظهر كمطرب على الساحة الفنية ظهر كملحن وقدم لعبد المجيد عبد الله "احبك ليه أنا مادري" كما لحن لعبد الله الرويشد وغيرهما من أصدقائه الفنانين. ولكن بعد ذلك اقتنعت بصوته ولحنت له عدة الحان منها "حطني في عيونك" وأذكر أنني حين كنت ألحنها رأيت الشغف في عيون أصيل وتركت له الحرية في غنائها، ثم بعد ذلك لحنت له "دخلت بحرك وعلى كل حال مقدر ظروفك" وغيرهما من الألحان. 

 الفنان أبو بكر تعرض أكثر من غيره لتحريف أغانيه، أما في الكلام أو اللحن، كيف تنظر لمسألة التحريف وما هو الموقف الذي تتخذه عادة؟ 

- عندما كان المناخ الفني في قمة الوفاء والإخلاص كان التعاون تلقائيا بين الزملاء أنفسهم، وأذكر أن أعمالا كثيرة لي غناها زملاء في إطار التعاون، وعلى سبيل المثال فقد غنى الفنان الراحل طلال مداح أغنية "ذا اللي حصل من بعد" وهيام يونس "يا ساهر الليل حتى السحر وقلي باتوب" ونجاح سلام "من نظرتك يا زين" وفدوى عبيد "يا حبيبي يا خفيف الروح". 

ولكن حين اختفى هذا التعاون بين الفنانين ذهب البعض إلى التحريف مثل ما قام به الفنان خالد الشيخ في أغاني "البشير حبك" و "اشكر لمن منك"، وغنى هاتين الأغنيتين الفنان عبد المجيد عبد الله، بينما غنى خالد الشيخ "على عينك" و "مجروح منك"، وهناك الفنان محمد عمر في أغنية ذائعة الصيت "رمش عينه" والفنان علي عبد الستار في "طاب الهوى" ونبيل شعيل في أغنية "أولادي الأوله منك" وقس على ذلك الكثير. 

 متى تعود الى باب التعاون مع الفنانين ونستعيد معا تجربتك مع المطربة وردة في البوم "سيبوه" والذي قيل انه تجربة لم يكتب لها النجاح؟ 

- في اعتقادي أنها تجربة أخذت حقها كاملا ونجحت بدليل أن المطربة وردة أضافت للونها لونا محليا، من اليمن، وبصوتها وقدراتها استطاعت أن تنطق الكلمة "الحضرمية" بلفظها وإيقاعها، خذ مثلا حين تقول "هكذا الحب له شتى المعاني" حد ذاق حلوة وحد مره وحد ضامي وذا طبع البشر". 

 للفن عند أبو بكر فلسفته، وهو دائما ما يشير إلى أن القضية كبيرة مرتبطة بالإنسان، ما هي قواعد هذه الفلسفة الفنية؟ 

- الفن منذ أن نشأت الأغنية أصبح جزءاً من عملية التنمية، ولذلك يجب أن يواكب التطور الحضاري والتربوي والاجتماعي شعرا وألحانا وبأسلوب أكاديمي له برامجه وقواعده، والمنطقة العربية تزخر بالتراث وهي غنية في مجالات عديدة ولكن كيف نترجم هذا التراث الفني والفلكلوري؟ هذا ما ابحث عنه. 

 يلاحظ انك تجول في كل دروب الغناء والشعر، إلا درب الشعر النبطي، الذي لم تنهل من نهره فهل تركته للفنان محمد عبده لينفرد به وحده؟ 

- الفنان محمد عبده صديق وزميل علاقتي به علاقة قوية أما لماذا لم أغن الشعر النبطي وهو الذي خدم الحركة الفنية في الخليج، فالسبب يعود إلى إيماني بالتخصص وأجد نفسي كثيرا في شعر التفعيلة، أما الشعر النبطي فإن الفنان محمد عبده يجيده أكثر من غيره وقد تدرب عليه طويلاً، حتى أن بعض الفنانين في المنطقة لا يؤدونه بشكل صحيح، وأنا شخصياً لم أخض هذه التجربة إلا من خلال أغنية فائق عبد الجليل "مجروح" وهي تجربة يتيمة. 

 غنيت على أشهر المسارح الأوروبية كيف كان تقبل الآخرين لك؟ 

- الموسيقى لغة موحدة ومفهومة بين شعوب العالم، وهي امتداد لحضارات الشعوب، بل إن الموسيقى هي اللغة التي يجب أن نصل بها إلى الآخرين خاصة أن الموسيقى الشرقية غنية جداً بإيقاعاتها المتنوعة، وعندما غنيت في القاعة الملكية في لندن كنت أدرك أن لغة الموسيقى هي التي ستحرك شجون الحاضرين وأحاسيسهم وهذا ما حصل فعلا.  

كذلك غنيت على مسارح العديد من دول العالم وتجولت في إفريقيا وأميركا وأوروبا وتقريبا الوطن العربي كله، حاملا رسالة الفن، مقدما صورة الغناء العربي. 

 خلال هذه الرحلة الطويلة من العطاء والإبداع ما الذي حققه الفنان أبو بكر سالم؟ وما هي الجوائز التي حصل عليها؟ 

- أولاً أنا فخور جداً بحب وتقدير الناس لي وهذا الحب هو الدافع الكبير لاستمراري في العطاء، وما حصلت عليه في حياتي الفنية من أوسمة أو جوائز لا يرتقي لمستوى حب وصدق هذه الجماهير التي أجدها أمامي أينما ذهبت. 

 ولكنك حصلت على بعض ما يشعرك بأنك قدمت ما تستحق عليه التقدير؟ 

- هناك الاسطوانة الذهبية من اليونان عام 1966 وجائزة عالمية لثالث أفضل صوت في العالم بالنسبة لقرار الصوت والجواب عام 1978، ووسام الثقافة من اليمن، وكثير من الجوائز التي لا تعد ولا تحصى. 

 ما هو رأيك في الأغنية الخليجية عموماً؟ 

- تحدثت كثيراً عن الأغنية الخليجية وقلت أنها فعلاً وصلت إلى مستوى كبير من الانتشار والأغنية الخليجية ليست ابنة اليوم بل هي أغنية عريقة ولها روادها من الفنانين في السعودية والكويت والبحرين، كما كان للأغنية اليمنية شأن كبير في مرحلة سابقة ولا يزال تأثيرها واضحاً، في الكثير من الأعمال الخليجية. 

 الفنان محمد عبده أصبح اليوم واحداً من فناني القمة العربية، وأبو بكر سالم أحد الصروح الكبيرة في الوطن العربي، أين مجال التعاون بينهما؟ 

- الصداقة والزمالة موجودتان بيننا وهما الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه أي تعاون فني، وأتمنى أن نتعاون مستقبلاً في عمل ينال إعجاب الجمهور_(البوابة)