توصل بايرن ميونخ لاتفاقٍ مع جوسيب غوارديولا لتدريب فريقه ابتداءً من الصيف المقبل حتى عام 2016 إنجاز يعوض ما أهدره في نهائي دوري أبطال أوروبا 2012، فهو اتفاق قد يغيّر موازين القوى في أوروبا التي فوجئت أمس بهذا الإعلان.
غوارديولا إلى مانشستر يونايتد، لا هو يتفاوض مع مانشستر سيتي، لا بل سيرضخ لإغراءات تشلسي أو عراقة ميلان.
كل هذه المعادلات سقطت أمس، وفاز العملاق الصامت بايرن ميونخ بواحدٍ من أفضل مدربي العالم بعدما اعتمد سياسة "السارق" مجدداً بعمله في الخفاء ومن دون إحداث أية ضجة.
مرة جديدة يقف بايرن عملاقاً ضارباً لطموحات كبارٍ آخرين، إذ ليست هذه المرة الأولى التي يحقق فيها انتصاراً في مكاتبه الإدارية، فقد سبق له في الأعوام الأخيرة أن أتمّ صفقات على حساب أندية تفوقه تبذيراً في سوق الانتقالات.
ومن هذه الصفقات ضمّه النجم الهولندي آريين روبن وقبله الفرنسي فرانك ريبيري والحارس الدولي مانويل نوير، ثم أخيراً الإسباني خافي مارتينيز.
ولا يقبل بايرن بالفشل حتى في المكاتب، وقد استغنى لهذا السبب عن صاحب فكرة استقدام غوارديولا لمقاطعة بافاريا، أي المدير الرياضي السابق كريستيان نيرلينغر الذي دفع ثمن إهداره فرصة استقطاب سامي خضيرة ومسعود أوزيل والبرتغالي فابيو كوينتراو الذين ذهبوا إلى ريال مدريد.
وجاء ماتياس سامر أفضل لاعب في أوروبا سابقاً مع مهمة واحدة وهي إيجاد البديل المثالي للمدرب الحالي يوب هاينكس المتجه للاعتزال، لينجح مع المحنّكين أولي هونيس وكارل هاينتس رومينيغيه في إقناع "بيب" بتعلم الألمانية.
لكن، لماذا تجاهل غوارديولا العروض الأخرى وقبل بعرض بايرن ميونخ؟ سؤال جدير بالطرح، والجواب عنه يمكن أن يستقيه المرء من التشابه الكبير بين برشلونة وناديه المستقبلي. فما يمكن توضيحه أن "بيب" يحب الشعور بالاستقرار، وهذا ما يوحي به بايرن الذي لا يعرف أحد سره حتى الآن في إقناع نجومه بالبقاء معه ورفض عروضٍ ضخمة من أندية عظيمة.
وهنا يضرب المثل بريبيري الذي حام ريال مدريد ومانشستر يونايتد وتشلسي وغيرهم حوله مراراً، إلا أن شعوره بالراحة أبقاه في ميونخ.
وتطول اللائحة في هذا الإطار، وقد أثمرت الاستراتيجية الإدارية نجاحات لافتة محلياً وأوروبياً، كان آخرها بلوغ بايرن نهائي دوري الأبطال مرتين في ظرف ثلاثة أعوام، رغم أنه لم يبذر في سوق الانتقالات بنفس الحجم الذي صرف فيه خصومه الكثيرين.
وفي بايرن، يعرف غوارديولا أنه سيجد نفس الأرضية التي يمكنه البناء عليها لإصابة النجاحات والإنجازات، تماماً كما فعل في البارسا، إذ عُرف عنه قلة إبرامه لصفقات بمبالغ ضخمة، وهو الأمر الذي ينسجم مع سياسة إدارة بايرن الذي يعد أحد أكثر الأندية استقراراً على الصعيد المالي بفضل أرباحه السنوية.
وفي موازاة هذا الأمر، سيلمس غوارديولا أن بإمكانه العمل وفق فلسفته الخاصة التي تعتمد على الوافدين من الأكاديمية، إذ يعد بايرن رائداً في هذا المجال أيضاً، والدليل أن الرموز الأساسية للتشكيلة الحالية جاءت جميعها من مدرسة الفريق البافاري.
ومن هذا المنطلق، بإمكان غوارديولا أن ينقل الأسلوب الذي فشل في زرعه الهولندي لويس فان غال مدرب البارسا السابق في بايرن بين عامي 2009 و2011، وهو أسلوب الـ "تيكي تاكا" الذي بدأ الهولندي الطائر يوهان كرويف بتلقينه لمدربي البلاوغرانا منذ عام 1988 حتى وصول "بيب" للتدريب عام 2008.
وهذا الأسلوب قابل للترجمة في ميونخ كون الفريق يضم عناصر، وتحديداً في خط الوسط، وصلوا الى قمة مستواهم أو يسيرون في مستوى تصاعدي، أمثال باستيان شفاينشتايغر وتوني كروس ولويز غوستافو، والقادم الجديد مارتينيز الذي حاول غوارديولا جلبه سابقاً الى برشلونة، ثم أوعز لخليفته تيتو فيلانوفا باستقدامه بعد رحيله، قبل أن يحطّ الأخير في بافاريا، في صفقة قيل أن "بيب" كان وراءها، مما اعتبر أول إشارة لقدومه الى بايرن ميونخ.
إذاً، سيجد غوارديولا في بايرن كل ما يتمناه لطرح أفكاره وتنفيذها، وهي مسألة لم يكن ليتمكن من ترجمتها في الأندية الأخرى التي خطبت ودّه، رغم الأموال الموجودة فيها لتأمين كل ما يريد.
في نيسان 2009، كان غوارديولا المخطّط الأول في عملية تدمير بايرن 4-0 على ملعب كامب ناو، ضمن ربع نهائي دوري الأبطال (تعادلا 1-1 إياباً)، في طريقه لقيادة برشلونة إلى اللقب القاري.
وفي الشهر المذكور، قرر بايرن مصيره بيده ووضع عينه على المدرب الشاب، والأكيد أن نتيجة المواجهة المقبلة للطرفين، في حال حصولها، ستكون مغايرة تماماً لأن قواعد اللعبة قد تغيرت بكل بساطة إذ بات المدرب يجلس في المقعد المقابل.
الخاسرون والرابحون
يمكن إحصاء عدد من الخاسرين والرابحين من خلال صفقة انتقال غوارديولا إلى بايرن ميونخ. فأول الخاسرين هو مانشستر يونايتد الذي رأى في الرجل الخليفة المناسب لأليكس فيرغسون، ويأتي بعده مالك تشلسي رومان آبراموفيتش الذي اعتاد الحصول على كل ما يريده، ثم مانشستر سيتي غير المقتنع بمدربه روبرتو مانشيني.
أما أهم الرابحين، فهما إلى جانب بايرن وغوارديولا، كلٌ من مدرب تشلسي الحالي رافاييل بينيتيز الذي قد يبقى في منصبه، وجوزيه مورينيو الذي سيعود المدرب الأكثر طلباً في العالم.
شربل كريم