تحول أولي غونار سولشاير مهاجم مانشستر يونايتد السابق، إلى رقم صعب في معادلة النادي هذا الموسم بعدما راهنت عليه الإدارة الفنية ومنحته الثقة لقيادة “الشياطين الحمر” لثلاثة مواسم.
لكن الوضعية المحرجة ليونايتد هذا الموسم تضع المدرب النرويجي أمام تحدٍ حقيقي يصعب تصديقه خصوصاً أنه استلم المهمة في وضع “كارثي” بعد رحيل المقال جوزيه مورينيو، وفي ظل رهان الفريق على أكثر من صعيد أوله حجز مقعد مؤهل لدوري الأبطال الموسم المقبل.
أحياناً يسمح المجهود الإضافي لبعض اللاعبين “المرابطين” في أنديتهم بالظفر بحقبة مميزة، وقد تدوم طويلاً للكثيرين منهم من أمثال ديدييه دروغبا نجم تشيلسي السابق وفيليب لام القائد المثالي لبايرن ميونيخ، وبالمثل الظاهرة باتريك كلايفرت نجم أياكس، إلى ما بعد اتخاذ قرار اعتزالهم ومغادرتهم المستطيل الأخضر، وخافيير زانيتي قائد إنتر السابق.
والسرّ وراء هذه الاستمرارية، إضافة إلى نجومية هؤلاء وظهورهم بمستويات جيدة، يبدو كامنا في اللاعبين أنفسهم، حيث يختار الكثير منهم إما التدريب وصعود السلم درجة درجة وإما شغل مناصب فنية في إدارة الفريق.
وتبدو المهمّة الأولى الأقرب إلى قلب نجم مانشستر يونابتد السابق سولشاير الذي كان قد صنع اسماً لنفسه كلاعب في صفوف الفريق من خلال قدرته على صنع الفارق عندما يشارك احتياطياً، ويبدو أنه نقل عدوى نجاحاته إلى مجال التدريب حيث صنع الفارق في نتائج الشياطين الحمر بعد أن استلم المهمة قبل ثلاثة أشهر بشكل مؤقت.
لكن نتائج الفريق في المباراتين الأخيرتين زادت من حدة التضييق على المدرب الجديد ووضعته أمام امتحان المراجعة وإعادة ترتيب أوراقه من جديد إذا ما كان عازماً على مقارعة الكبار في الدوري الإنجليزي أو في الظفر بمركز مؤهل لدوري الأبطال الموسم القادم، والأهم من ذلك اللقاء الذي ينتظر الفريق أمام برشلونة في البطولة الأوروبية.
فقط قلة من الأشخاص توقعوا أن يستمر سولشاير إلى ما بعد فترة إعارته من مولده نهاية الموسم الحالي، عندما استلم تدريب مانشستر يونايتد بشكل طارىء في ديسمبر الماضي خلفاً لمورينيو، لكن إدارة النادي أكدت ثقتها فيه ومنحته عقداً لمدة ثلاثة مواسم.
واستدعي مدير يونايتد التنفيذي سولشاير على عجلة من مولده الذي قاده إلى إحراز اللقب المحلي مرتين، علماً وأن تجربته الوحيدة السابقة في الدوري الإنجليزي الممتاز لم تكن مشجعة لأنها انتهت بسقوط فريقه كارديف سيتي إلى مصاف الدرجة الأولى.
يعد النرويجي من أبرز اللاعبين الذين دافعوا عن ألوان يونايتد خلال حقبة المدرب أليكس فيرغسون، إذ سجل 126 هدفاً في 366 مباراة خاضها بقميصه بعد انتقاله إلى أولد ترافورد عام 1996.
نجح سولشاير المبتسم دائماً في إعادة البسمة إلى غرفة الملابس الكئيبة في عهد مورينيو والأهم أن ذلك ترافق مع نتائج إيجابية، حيث نجح في الفوز في 14 مباراة من أصل 19 خاضها كان أبرزها تحقيق “ريمونتادا” في مواجهة باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا.
فبعد خسارة فريقه على ملعب أولد ترافورد بهدفين نظيفين، نجح في قلب الطاولة على منافسه في ملعب بارك دو برانس بنتيجة 3-1 لينتزع بطاقة التأهل إلى ربع النهائي حيث تنتظره مواجهة قوية أمام برشلونة.
ما يزيد من حجم إنجاز المدير الفني الجديد لمانشستر يونايتد ضد سان جيرمان أنه قلب الأمور لصالحه في غياب 10 لاعبين مصابين. كما سجل سولشاير انتصارات لافتة خارج ملعبه أمام توتنهام في الدوري وضد آرسنال وتشيلسي في مسابقة الكأس.
لكن سقوط يونايتد الأخير أمام ولفرهامبتون في افتتاح المرحلة الثالثة والثلاثين من الدوري الإنجليزي بعث بالعديد من الرسائل، أولها إلى سولشاير نفسه بأن عليه مراجعة الكثير من الأمور إذا كان ينوي البقاء بمنصبه.
وقال المدرب في بيان قبل التوقيع على عقد التدريب: “شعرت كأني في بيتي منذ اليوم الأول في هذا النادي المميز. يسعدني أن أكون لاعباً في يونايتد وأن أبدأ مسيرتي التدريبية هنا.
"كانت الأشهر الأخيرة تجربة رائعة وأريد أن أشكر كل المدربين، اللاعبين والجهاز على العمل الذي قمنا به حتى الآن”.
وارتبط سولشاير (46 عاماً) بيونايتد لفترة ناهزت 15 عاماً، كلاعب بين 1996 و2007، وبعدها كمدرب للفريق الرديف، كما خاض تجربتين تدريبيتين مع كارديف سيتي لبضعة أشهر عام 2014، ومولدِه.
وأردف قائلاً: “حلمت دوماً بهذه الوظيفة وأنا أكثر من متحمس لقيادة الفريق لهذه الفترة الطويلة وآمل فيها تحقيق نجاح يستحقه جمهورنا الرائع”.
وأشار الرئيس التنفيذي ليونايتد إد وودوارد: “أكثر من الأداء والنتائج، يجلب أولي تجربة غنية كلاعب ومدرب، مع رغبة في منح اللاعبين الشبان فرصتهم وفهم كبير لثقافة النادي”.
وبعد إقالة مورينيو، وصل سولشاير على سبيل الإعارة حتى نهاية الموسم، واستلم النرويجي الذي أمضى 11 موسماً في ملعب أولد ترافورد كلاعب، الفريق في المركز السادس ضمن الدوري الإنجليزي بفارق 11 نقطة عن الأربعة الآوائل.
وغرد زميل سولشاير السابق الحارس بيتر شمايكل: “تهانينا صديقي، تستحق ذلك تماماً، فلنحرز بعض الألقاب”.
كما رحب زميله السابق غاري نيفيل الذي يعمل راهناً كمحلل: “سعيد لأولي. لم أعتقد أن هذا الأمر سيحصل عندما تم تعيينه. لكن النتائج وروح الفريق في النادي كانت رائعة منذ قدومه ويستحق ذلك. يحتاج الآن إلى الدعم في سوق الانتقالات على صعيد التمويل والموارد الصحيحة”.
وغرد زميل آخر للمدرب الشاب وهو المدافع ريو فيرديناند: “نعم، أولي رسمياً في القيادة…”.
وكان سولشاير ألمح مطلع الشهر الحالي إلى إمكانية بقائه الموسم المقبل، مؤكداً أنه بحث مع إدارة النادي المملوك من عائلة غلايزر الأميركية مستقبل الفريق: “نعم، قمت بذلك. نحن نبحث مستقبل النادي.
“قمنا بذلك قبل أن أفوز بمباراتين أو ثلاث مباريات ويبدأ الحديث عما إذا كان علي البقاء أم لا. عقدي ينتهي في الصيف لكني لا أزال، كما كنت دائماً مع مانشستر يونايتد، أقدم كل ما لدي بنسبة 100 بالمئة”.
وتابع المدرب، الذي استلم مهامه خلفاً لمورينيو المقال على خلفية أسوأ بداية ليونايتد في الدوري المحلي منذ 1990: “علينا التخطيط. حتى وإن لم أعد هنا، علي أن أقدم وجهة نظري بشأن من أريد أن أراه (في الفريق) كمشجع”.
وتُوّج النرويجي مع يونايتد بعشرة ألقاب (إضافة إلى لقبين في درع المجتمع)، بينها الثلاثية الشهيرة (الدوري والكأس ودوري الأبطال) عام 1999، وتعد أبرز محطة له مع الفريق، تسجيل هدف الفوز (2-1) على بايرن ميونيخ في الوقت بدل الضائع من المباراة النهائية لدوري الأبطال في العام المذكور.
واعتزل صاحب الوجه الطفولي عام 2007 بعدما عانى من الإصابات المتكررة، لا سيما في الركبة ولم يلعب إلا قليلاً في السنوات الأربع التي سبقت اعتزاله، واعتبره فيرغسون أفضل مهاجم احتياطي في تاريخ النادي وحتى في العالم.
تولى سولشاير تدريب فريق شبان يونايتد بين 2008 و2010، قبل الإشراف على مولدِه مطلع عام 2011.
وبداية عام 2014، تولى تدريب كارديف سيتي لبضعة أشهر سقط خلالها إلى الدرجة الإنجليزية الأولى، قبل العودة إلى مولدِه في 2015.
وكان مانشستر يونايتد يتخلف عن المركز الرابع بفارق 11 نقطة عندما استلم سولشاير منصبه، لكنه قلص الفارق إلى نقطتين في الوقت الحالي.
وأشاد قائد مانشستر يونايتد السابق غاري نيفيل بتثبيت سولشاير مدربا بقوله “النتائج والعروض كانت أكثر من مدهشة لدرجة المثالية”.
وقال زميله نيفيل، الذي لعب إلى جانبه في الحقبة الذهبية للفريق: “في الشهرين أو الثلاثة الأخيرة، شعرت بالإثارة من خلال ما رأيته للمرة الأولى منذ فترة طويلة، الأجواء في المدرجات عادت إلى سابقها، وكذلك الفرحة على وجوه أنصار الفريق والتفاعل بينهم وبين اللاعبين”.
ويسجل لسولشاير أنه أعاد الثقة إلى أبرز نجوم الفريق الذين كانوا يتخوفون من العقاب بإشراف مورينيو في حال عدم تقديمهم لأفضل مستوياتهم، وعلى رأسهم بول بوغبا وأنتوني مارسيال. حيث قال بوغبا: “إنه فعلا مدرب سعيد وقد أعاد الثقة إلى اللاعبين”.
وأضاف النجم الفرنسي الذي كثرت التكهنات في الفترة الأخيرة بنية انتقاله إلى ريال مدريد: “هذا الأمر منحنا الحرية للعب والاستمتاع بكرة القدم من جديد لأننا ربما افتقدنا إلى ذلك في ظل النتائج التي حققناها في السابق”.
وتحسن يونايتد في كافة الخطوط، فقد أعاد النرويجي التوازن إلى خط الدفاع، كما بات فريقه يقدم عروضاً هجومية رائعة كما لم يتردد في منح الفرصة للاعبين الشبان في أكاديمية النادي وعلى رأسهم مايسون غرينوود وتاهيت تشونغ.
وأبدى سولشاير انفتاحه على إمكانية العمل مع إداري فني يعمل لوقت كامل في أولد ترافورد، مقراً بحقيقة أن المدرب في العصر الحديث لا يمكنه تحمل كافة الأعباء بمفرده.
وقال النرويجي أنه يجري مناقشات مع إد وودوارد نائب الرئيس التنفيذي وجول غليزر الرئيس الشريك للنادي بحثاً عن حل.
وقال سولشاير خلال مؤتمر صحفي قبل لقاء ولفرهامبتون: “تغيرت كرة القدم وهيكل أندية كرة القدم كذلك، هكذا تسير الأمور، لا يمكن للمدرب القيام بما كان يقوم به مدربي (فيرغسون) عندما بدأ على سبيل المثال”.
يبدو هناك ملامح تغيير في الأفق يسير نحوها الفريق الإنجليزي الذي وضع ثقته في مدرب شاب طموح، بعد فترة التراجع التي عرفها مع مورينيو، لكن ما هو مؤكد قياساً بالمقابلتين الأخيرتين للفريق فإن الكثير من الجهد ما زال ينتظر سولشاير خصوصاً وأن جميع المسابقات دخلت المنعطف الأخير.
ويبقى الأمر متروكاً للنرويجي للرد على كل المشككين في قدراته على إخراج مانشستر يونايتد من أزمته مع نهاية الموسم.