مع بدء العد التنازلي لانطلاق بطولة الدوري الإسباني لكرة القدم، يبقى عشاق الليغا متيقنين من أن البطولة انقسمت إلى قسمين، فريال مدريد وبرشلونة يغردان خارج السرب، ويخوضان نزالاً ثنائياً على القمة لا يقوى ثالث على الاقتراب منه.
ومع ذلك يتمسك البعض ببصيص أمل في أن تتغير الآية، وأن يحمل الكأس فريق آخر لا يرتدي ألوان الميرينغي أو البلاوغرانا.
فعلى مدار المواسم الثمانية الأخيرة، كان اللقب منحصراً بين القطبين الغريمين (خمسة للبارسا وثلاثة للريال)، وكان آخر من تجرأ للإطاحة بهما هو فالنسيا في موسم 2003-2004 حين أحرز لقبه المحلي الأخير.
وخلال تلك المواسم الثمانية اتسعت الفجوة بشدة، فكان المركزان الأول والثاني محجوزين لممثلي العاصمة مدريد وإقليم كتالونيا، باستثناء موسم 2007-2008 (ريال مدريد البطل، وفياريال الوصيف). بل وأبعد من ذلك، فعلى مدار المواسم الـ 28 الأخيرة، أي بعد أن ظفر أتلتيك بلباو بلقبي ليغا متتاليتين موسمي (1982-1983 و1983-1984)، احتكر الريال والبرسا 24 لقباً، مع وجود أربع استثناءات، حين توج فالنسيا بالكأس موسمي (2001-2002 و2003-2004)، وديبورتيفو لاكورونيا (1999-2000) وأتلتيكو مدريد (1995-1996).
بالطبع المتعة لا تنقطع عن الدوري الإسباني، حتى لو كانت هوية البطل معروفة مسبقاً، فهناك عدد من أندية الليغا لو قدر لها المشاركة في أي دوري آخر لتمكنوا من المنافسة على لقبه بشكل أكثر سهولة، وعلى رأسها فالنسيا وأتلتيكو مدريد وإشبيلية وأتلتيك بلباو، ولكن حظها العثر أوقعها تحت قبضة أقوى ناديين في العالم، فلو قدر أيضاً لهما أن ينتقلا إلى أي دوري آخر في العالم مهما بلغت قوته، لاحتكرا أيضا المركزين الأول والثاني، لا سيما في حالتهما المذهلة على الصعيدين الفني والاقتصادي.
ولكن مع استحالة تطبيق هذا الاحتمال على أرض الواقع، فإن الأمل يبقى معلقاً على فرسان الرهان: فالنسيا، أتلتيكو مدريد، إشبيلية، أثلتيك بلباو لتحقيق معجزة في الموسم المقبل، إن لم تكن الفوز بالبطولة فالوصول إلى مركز الوصافة.
لا شك أن فالنسيا هو مصدر الإزعاج المستمر للغريمين الأزليين، لكنه ارتضى لنفسه المركز الثالث خلفهم في المواسم الثلاث الأخيرة، وها هو يبدأ مشروعاً جديداً تحت إمرة المدرب الأرجنتيني موريسيو بيليغرينو بهدف الظفر بإحدى البطولات الثلاث التي ينافس عليها، الليغا وكأس الملك ودوري أبطال أوروبا.
واستغنى فالنسيا عن مدربه يوناي إيمري بعد حقبة دامت أربعة مواسم حين تردت النتائج في الرمق الأخير من الموسم الماضي رغم الاحتفاظ بالمركز الثالث المحلي.
وأسندت مهمة قيادة الخفافيش في الموسم الجديد إلى أحد أفراد جيله الذهبي في مطلع الألفية، فخلال ستة مواسم قضاها بيليغرينو بين جنباته، توج بالليغا مرتين، وبكأس الأندية الأوروبية أبطال الكؤوس والسوبر الأوروبي، كما بلغ نهائي دوري أبطال أوروبا مرتين.
ويسعى بيليغرينو لإعادة أمجاد الماضي وقيادة الفريق لمنصات التتويج، بعد أن كان قريباً من نهائيي كأس الملك والدوري الأوروبي الموسم المنقضي، وإنهاء صيام أربعة مواسم عجاف.
واستعد فالنسيا لموسمه الجديد بالتعاقد مع ثلاثة صفقات بارزة، هم فرناندو غاغو لاعب وسط ريال مدريد السابق، والجناح المكسيكي أندريس غواردادو من ديبورتيفو لاكورونيا، والظهير الأيمن البرتغالي الدولي غواو بيريرا، بجانب الناشئ الإسباني جوناثان فييرا.
كما يضاف إليهم المدافع الأرجنتيني الدولي إيفر بانيغا وصانع الألعاب الصاعد سيرخيو كاناليس الذي اشتراه النادي رسمياً من الريال، وكلاهما تغيب لفترة طويلة في الموسم الماضي بسبب الإصابات، لذا سيبدأ الموسم كصفقتين جديدتين.
ويحسب للنادي البرتقالي تمسكه بمناطحة الكبار رغم فقدان أفضل نجومه في كل موسم، فالشخصية التنافسية لم يفقدها الفريق رغم رحيل دافيد فيا ودافيد سيلفا وخوان ماتا وجوردي ألبا على التوالي.
وبالانتقال إلى فرس الرهان الثاني، فإن أتلتيكو مدريد يسعى لمواصلة انتفاضته التي هبت رياحها مع قدوم المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني، حيث انتشل الروخي بلانكوس من نتائج مخيبة مع سلفه العجوز غريغوريو مانزانو، بل وقاده للتتويج بلقب الدوري الأوروبي، وبإمكانه مضاعفة الإنجاز في مباراة السوبر القارية أمام تشلسي الإنجليزي في الـ 31 من الشهر الجاري على ملعب لويس الثاني بموناكو الفرنسية.
ويضع سيميوني نصب عينيه إعادة الفريق المدريدي للمشاركة في دوري أبطال أوروبا، وذلك لن يتأتى إلا بدخول المربع الذهبي في الليغا، وهو هدف لم يحققه أتلتيكو منذ موسم 2008-2009 حين حل رابعاً.
ففي الموسم الماضي استقر عند المركز الخامس، وفي موسم 2010-2011 جاء سابعاً، أما في موسم 2009-2010 فقد حل في المرتبة العاشرة.
ولم يذق أتلتيكو مدريد طعم الفوز بالدوري الإسباني منذ 16 موسماً، وبالتحديد عام 1996، لكنه عوض إخفاقه المحلي بالتتويج بدوري أوروبا مرتين 2010 و2012 وبالسوبر الأوروبي مرة واحدة.
ويعول سيميوني في مشروعه على الهداف الكولومبي البارع راداميل فالكاو الذي أبهر الجميع بماكينة أهدافه التي لم تتوقف خلال موسمه الأول مع أتلتيكو، ليواصل سلسلة نجاحه منذ انتقاله من بورتو البرتغالي، ويكفي أنه جمع بطولتين متتاليتين لدوري أوروبا مع فريقين مختلفين، وفيهما اقتنص لقب الهداف.
وبلغ المعدل التهديفي لفالكاو 36 هدفاً في 49 مباراة رسمية خاضها مع فريق العاصمة الثاني، وقد شكل ثنائياً مميزاً مع المهاجم الإسباني الصاعد أدريان لوبيز.
كما ارتفعت أسهم صانع الألعاب التركي آردا توران الموسم الماضي، وسيجد منافسة مشتعلة مع الناشئ أوليفر توريس بطل أوروبا مع منتخب إسبانيا للشباب، لكن الفريق سيفتقد لجهود لاعب الوسط البرازيلي دييغو ريباس الذي أنهى فترة إعارته وعاد لفولفسبورغ الألماني.
وسمح أتلتيكو مدريد برحيل جناحه الأرجنتيني الدولي إدواردو سالفيو الذي عاد لبنفيكا البرتغالي، فيما انتقل الثنائي لويس بيريا وأنتونيو لوبيز إلى كروز آزول المكسيكي ومايوركا الإسباني على الترتيب، واحترف ألفارو دومينغيز في بوروسيا مونشنغلادباخ الألماني.
واكتفى النادي الأبيض والأحمر بالتعاقد مع لاعب الوسط التركي المخضرم إيمري بلوزوغلو، والظهير الأوروغوياني كريستيان سيبويا والمدافع الأرجنتيني دانيل كاتا دياز لتعزيز صفوفه في الموسم الجديد، كما استعاد الهداف راؤول غارسيا من أوساسونا، أما حراسة المرمى فهي في مأمن بوجود البلجيكي الواعد تيبو كورتوا.
وبتغيير الدفة إلى الجنوب الأندلسي، فإن إشبيلية سيبدأ حقبة جديدة دون أحد رموزه التاريخيين، بعد أن أسدل الهداف المالي المخضرم فريدريك عمر كانوتيه الستار عن مسيرته الحافلة مع الفريق التي امتدت لسبع مواسم، ليبدأ تجربة مختلفة في الصين، على غرار مواطنه سيدو كيتا والإيفواري ديدييه دروغبا.
وجددت إدارة النادي الأندلسي الثقة في المدرب المدريدي ميتشل الذي تولى المهمة في الأسابيع الأخيرة من الموسم الماضي، لتحسين وضع الفريق في الليغا حتى بلغ المركز التاسع، ليفقد فرصة التأهل لإحدى البطولتين الأوروبيتين على عكس ما اعتاد مؤخراً.
ويعاني إشبيلية من أزمة اقتصادية حادة أجبرته على بيع العديد من اللاعبين، حتى أنه لم يتبق من نجوم الجيل الذهبي (2006-2010) سوى جناح منتخب إسبانيا، بطل أوروبا والعالم، خيسوس نافاس، والحارس أندريس بالوب فقط.
ويطمح ميتشل مع ضعف الإمكانيات لتحقيق نتائج إيجابية في وجود نافاس، والهداف ألفارو نيغريدو، وخوسيه أنتونيو رييس، ومانو ديل مورال، والتشيلي غاري ميديل، والكرواتي إيفان راكيتيتش والألماني بيوتر تروشوفسكي.
وتعاقد إشبيلية مع خمسة لاعبين ليسوا من ذوي الأسماء الرنانة، وهم البرازيلي سيسينيو والتشيلي بريان رابيو، وخابي إرباس، وغوفري كوندغوبيا، والهولندي هدويغس مادورو، غير أن الأخير يعاني من خلل بوظائف القلب قد ينهي رحلته بالملاعب، وقد تم اكتشافه بالصدفة أثناء إجراء الكشف الطبي بعد انتقاله من فالنسيا.
وقد يستفيد إشبيلية من تجربة ليفانتي في الموسم الماضي حين استحق لقب الحصان الأسود لليغا بعد مطاردته للكبار والأثرياء رغم ضيق ذات اليد. أما العملاق الباسكي أثلتيك بلباو، فيدخل الموسم الجديد وسط عاصفة من عدم الاستقرار، بعد خلاف المدرب الأرجنتيني القدير مارسيلو بييلسا مع مجلس الإدارة وإعلانه الاستقالة قبل أن يتراجع عن قراره، فضلاً عن إعلان الهداف الأول فرناندو يورينتي رغبته في الرحيل وعدم تمديد عقده، وسط شائعات حول انتقاله ليوفنتوس بطل إيطاليا.
ففي موسمه الأول مع الأسود، حقق بييلسا نتائج مبهرة ممزوجة بأداء جماعي رائع للفريق، فقاده لنهائيي الدوري الأوروبي وكأس الملك، غير أنه خسر من أتلتيكو مدريد وبرشلونة على الترتيب.
لكن استمرار نجاحات المجنون في الموسم الجديد ما يزال محل شك كبير.
وكانت الأمور تبشر بأن ملقة قادم بقوة نحو القمة ليزاحم كبار الليغا، لا سيما بعد قدوم إدارة جديدة في الموسم الماضي، وقد نجحوا في تشكيل فريق قوي تأهل للمرة الأولى في تاريخه إلى ملحق دوري أبطال أوروبا بعد احتلاله المركز الرابع في الدوري تحت قيادة المدرب التشيلي مانويل بيليغريني.
فهل يكون موسم 2012-2013 مخالفا للتوقعات؟ أم تمضي الأمور على نفس حالها في "دوري الدوريين" ببلد أبطال العالم وأوروبا؟