وصفت مواجهة ريال مدريد أمام باريس سان جيرمان في دور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا الأربعاء الماضي بأنها مواجهة بين عملاقين وبأنها تحدي كبير بين النادي الأكثر نجاحاً في تاريخ البطولات الأوروبية من جهة، والنادي الذي كون فريقاً قوياً للغاية وضم أغلى صفقتين في تاريخ كرة القدم.
كما وصفت المواجهة بأنها من نوع خاص بين النجم العظيم كريستيانو رونالدو الذي تقدم في السن، وبين نظيره الشاب نيمار.
في الحقيقة، كان يمكن للمشاهد أن يرى كثيراً من المتعة والمهارة في المباراة، لكن كان هناك شعور أيضاً بأن "كرة القدم الحقيقية" لم تكن موجودة على النحو الأمثل.
صحيح أننا رأينا في هذه المواجهة لمحات فنية ومهارية كبيرة، لكن في الحقيقة لم يكن هناك الكثير من الترابط واللعب الجماعي.
كانت المباراة مليئة بالاعتراضات والتمثيل من أجل خداع حكم اللقاء جيانلوكا روكي واللعب الفردي البعيد تماماً عن العمل الجماعي.
وجاءت الأهداف الأربعة التي شهدها اللقاء نتيجة التراخي في القيام بالواجبات الأساسية من قبل المدافعين، كما جاءت ركلة الجزاء التي أعادت ريال مدريد إلى أجواء المباراة مرة أخرى من ارتباك واضح من قبل لاعب وسط باريس سان جيرمان، جيوفاني لو سيلسو، الذي عرقل نجم وسط ريال مدريد توني كروس.
وكان لاعب سان جيرمان الأرجنتيني البالغ من العمر 21 عاماً يلعب كصانع ألعاب في روساريو سنترال، لكنه شارك في مركز جديد خلف خط الوسط على مدى شهرين منذ إصابة الإيطالي من أصل برازيلي تياغو موتا، في الوقت الذي لا يزال فيه لاسانا ديارا يعمل على استعادة لياقة المباريات.
لكن لو سيلسو لم يكن سبب خسارة أفضل فريق في فرنسا بفارق كبير عن أقرب منافسيه أمام الفريق الذي يحتل المركز الرابع في الدوري الإسباني، وإنما كان أحد أعراض مشكلة أكبر بكثير، وهو ما اعترف به لاعب خط وسط باريس سان جيرمان أدريان رابيو حين قال: "إنه لأمر رائع أن تسجل ثمانية أهداف في مرمى فريق مثل ديجون الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية، لكن مباريات مثل هذه هي التي يتعين عليك الثبات فيها وإحراز الأهداف".
مرة أخرى، أظهر الباريسي ارتباكاً كبيراً عندما يواجه فريقاً يأخذ منه زمام المبادرة.
وبعد البداية الجيدة للنادي الفرنسي، ظل نيمار أنانياً يركض بالكرة بمفرده ويحتفظ بها لفترات طويلة، وكأن الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها بسبب سعره المرتفع والتوقعات التي ينتظرها الجميع منه في العام الذي تقام فيه نهائيات كأس العالم جعلته يلعب بشكل فردي واستعراضي.
وأكمل نيمار 13 مراوغة ناجحة - أكثر بثلاث مرات من المراوغات التي قام بها جميع لاعبي باريس سان جيرمان مجتمعين وأكثر بمرتين من عدد المراوغات التي قام بها أي لاعب في ريال مدريد – لكن عدداً قليلاً من هذه المراوغات كان مفيداً في حقيقة الأمر.
ولم تكتمل أي تمريرة بين نيمار وإيدينسون كافاني خلال المباراة، وهو مؤشر واضح على عدم الفعالية الهجومية لباريس سان جيرمان.
ولم يكن ريال مدريد أفضل حالاً، إذ لم تكتمل أي تمريرة بين كريستيانو رونالدو وكريم بنزيمة أيضاً.
وسيشيد الجميع برونالدو، لأن أي لاعب يسجل هدفين يتلقى إشادة كبيرة دائماً، حتى لو كان أحدهما من ركلة جزاء والآخر جراء اصطدام الكرة بركبته، لكن رونالدو لمس الكرة 30 مرة خلال المباراة، وسدد 10 تسديدات على المرمى، وكان له دور كبير في تحديد النتيجة النهائية.
ويحسب للنجم البرتغالي قدرته الكبيرة على التكيف مع التقدم في السن واستغلال قدراته على النحو الأمثل، لكن في بعض الأحيان يشعر المتابع بأنه غير موجود في المباراة تماماً، رغم سجله التهديفي الرائع بالفعل.
ومع ذلك، يحسب لرونالدو أيضاً عمله الدؤوب وبحثه الدائم عن تسجيل الأهداف مقارنة بالأداء الفردي والاستعراضي من جانب نيمار.
بصورة عامة لم يقدم المهاجم البرازيلي العرض المتوقع منه في معظم فترات المباراة، حيث مال للأداء الفردي والاستعراضي في أحيان كثيرة خاصة خلال الشوط الأول بدلاً من المشاركة في الأداء الجماعي للفريق ليتسبب بشكلٍ ما في هذه النتيجة خاصة بعدما أهدر بنفسه وأضاع على زملائه أكثر من فرصة لهز الشباك.
ولم يحافظ ريال مدريد على نظافة شباكه سوى مرة واحدة فقط في آخر 10 مباريات.
وعانى النادي الملكي من نفس المشاكل الدفاعية الموسم الماضي أيضاً، لكنه كان يحقق نتائج إيجابية بسبب قوته الهجومية.
وربما يتمكن رونالدو مرة أخرى من تسجيل أهداف حاسمة وقيادة الفريق للاحتفاظ بلقب دوري أبطال أوروبا بعد موسم سيء للغاية، لكن تظل الحقيقة هي أن ريال مدريد لا يلعب بشكلٍ جماعي ويفرض سيطرته على الفرق المنافسة، لكنه يعتمد على مجموعة النجوم التي يضمها والحلول الفردية في نهاية المطاف.
أما بالنسبة لباريس سان جيرمان، فيبدو أن النادي يعاني من مأساة لا نهاية لها، ففي ظل رغبته الكبيرة في تحقيق النجاح على المستوى الأوروبي وتدعيم صفوفه بلاعبين بارزين فإنه يتفوق على جميع الأندية الفرنسية بفارقٍ واضح، لكن هذا التفوق الكبير وعدم المنافسة الحقيقية تجعله يبدو ضعيفاً عندما يواجه أندية أقوى في المعترك الأوروبي.
وهناك أيضاً أمر واضح للغاية فيما يتعلق بهذين الناديين، وهو أن أندية النخبة التي أصبحت تركز على التسويق وتحقيق إيرادات تتعاقد مع أفضل لاعبين وتدفع بهم داخل الملعب دون التفكير في كيفية مساعدة هؤلاء اللاعبين على تقديم كرة قدم جماعية فيما بينهم.
ويجب أن نعترف بأن التعاقد مع لاعبين بارزين واستغلال أسمائهم وشهرتهم أسهل بالنسبة لأي مدير فني من محاولة خلق حالة من التجانس والتناغم بين اللاعبين، بالشكل الذي كنا نراه من المدير الفني آريغو ساكي على سبيل المثال.
وربما يكون هذا مستقبل كرة القدم، حيث أصبح الهوس بإنفاق الأموال والتعاقد مع اللاعبين أصحاب الأسماء الكبيرة والرنانة بدلاً من العمل على خلق حالة من العمل الجماعي والتفاهم بين جميع لاعبي الفريق.
من جانبه، تحدث والد نيمار عمن وصفهم بالنسور التي تحوم حول ابنه في إشارة واضحة إلى الانتقادات التي تعرض لها الدولي البرازيلي بعد الأداء المتواضع في هزيمة باريس سان جيرمان الأربعاء.
وكتب والد نيمار عبر حسابه على موقع "إنستغرام" بجوار صوره لابنه: "في الحرب هناك من يعيشون على الانتصارات وهناك من هم مثل النسور يتغذون على جثث المهزومين".
وشدد نيمار الأب وهو وكيل أعمال ابنه أيضاً على أن باريس سان جيرمان يستطيع التأهل لربع النهائي بحال فوزه في مواجهة الإياب في السادس من الشهر القادم في باريس.
وأضاف: "ابني يقاتل منذ كان طفلاً، يقاتل دائماً بنزاهة ويتفادى النسور ويعود قوياً. خسرنا معركة أما بالنسبة للحرب فسنرى لأنها مستمرة طالما نحن على أرض الملعب".
من جهة أخرى، أكد مسؤولو باريس سان جيرمان أن نيمار باقٍ في صفوف الفريق الموسم المقبل رغم الشائعات التي تشير إلى رحيله الوشيك.
وقال أحد المسؤولين عقب خسارة الفريق الفرنسي أمام ريال مدريد: "سيبقى نيمار لاعباً في باريس سان جيرمان الموسم القادم بنسبة مائة في المائة".
وأنفق باريس سان جيرمان هذا الموسم 222 مليون يورو للحصول على خدمات نيمار، ليبرم بذلك الصفقة الأغلى في تاريخ كرة القدم، بيد أنه بعد أشهر قليلة بدأت الشائعات تتواتر حول اقتراب البرازيلي من الرحيل صوب ريال مدريد.