دول الخليج.. اقتصاد يقف على أرض صلبة

تاريخ النشر: 27 سبتمبر 2011 - 02:25 GMT
الاقتصادات الخليجية الرئيسية تواجه الأزمة هذه المرة وهي في موقف مختلف، فالسياسة المالية أكثر توسعا في عديد من الدول
الاقتصادات الخليجية الرئيسية تواجه الأزمة هذه المرة وهي في موقف مختلف، فالسياسة المالية أكثر توسعا في عديد من الدول

أكد وزراء المالية الخليجيون خلال اجتماعهم أوائل الشهر الجاري أن اقتصاداتهم تستطيع التأقلم بشكل مريح مع ركود عالمي يلوح في الأفق. وقد تبين خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة أن تفاؤلهم لم يكن في محله لكنهم يقفون هذه المرة على أرض أكثر صلابة.

ومن المرجح أن يكون النمو مدعوما ببرامج الإنفاق الحكومي الكبيرة التي أطلقت لأسباب سياسية واقتصادية معا. وليس هناك مجال كبير لانفجار فقاعات لأسعار الأصول كما كان الحال في الأزمة الأخيرة قبل ثلاث سنوات. وعلاوة على ذلك فإن الأنظمة المالية أصبحت أقوى من بعض النواحي. وقال فابيو سكاتشيافيلاني كبير الاقتصاديين في الصندوق العماني للاستثمار «دول المنطقة فوجئت» بالأزمة العالمية في 2008-2009. وأضاف «هذه المرة هم مستعدون بشكل أفضل.. تحسنت قدرات إدارة الأزمات».

وضربت أزمة 2008-2009 عصب اقتصادات المنطقة. وهوت أسعار خام برنت 75 بالمائة في ستة أشهر لتصل إلى 36 دولارا للبرميل مما جعل النمو يتداعى. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي في الكويت والإمارات في 2009 ونجت السعودية بصعوبة من الركود لتنمو 0.6 بالمائة فقط في ذلك العام. وهوت أسواق الأسهم أكثر من 50 بالمائة وانهارت أسعار العقارات مما أجبر مجموعة دبي العالمية إحدى الشركات القابضة الرئيسية لحكومة دبي على التعهد بإعادة هيكلة ديون بقيمة 25 مليار دولار. والآن بدأ بعض المستثمرين يتحوطون من خطر تكرار ما حدث في الخليج مع تدهور أفق الاقتصاد العالمي.

وارتفعت تكلفة التأمين على ديون دول خليجية الأسبوع الماضي إذ ارتفعت مبادلات الالتزام مقابل ضمان لإمارة دبي إلى أعلى مستوياتها في ما لا يقل عن ستة أشهر. ومن الواضح أن اقتصادات الخليج بدأت تتباطأ بشكل كبير. فقد سجل مؤشر ساب اتش.اس.بي.سي لمديري المشتريات في السعودية والذي يقيس نشاط قطاعي التصنيع والخدمات أدنى مستوى في 18 شهرا في أغسطس بينما سجل مؤشر الإمارات أدنى مستوى في 15 شهرا. وقالت الشركة المشغلة لمطار دبي الدولي الأحد إن أحجام شحنات البضائع في المطار تراجعت 7.9 بالمائة في أغسطس عن مستواها قبل عام وهو ما يرجع جزئيا إلى حالة عدم اليقين الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا. لكن الاقتصادات الخليجية الرئيسية تواجه الأزمة هذه المرة وهي في موقف مختلف. فالسياسة المالية أكثر توسعا في عديد من الدول إذ أعلنت السعودية في فبراير ومارس أنها ستنفق 130 مليار دولار إضافية - يفترض أن تكون على مدى عدة سنوات - على الإسكان ومكافآت لموظفي الدولة وخلق وظائف ومشروعات أخرى.

وجرى تبني هذه السياسات في الأساس لاحتواء خطر الاضطرابات السياسية أثناء احتجاجات الربيع العربي في أنحاء الشرق الأوسط. لكن اتضح أنها جاءت في وقت ممتاز من الناحية الاقتصادية إذ أن مفعولها يسري مع بدء تباطؤ النمو العالمي. في غضون ذلك صنعت الاقتصادات الخليجية الغنية خلال السنوات القليلة الماضية شبكة أمان مالي غير رسمية للمنطقة إذ تعهدت دول الخليج بمليارات الدولارات لتحسين الإسكان والرعاية الاجتماعية في البحرين وسلطنة عمان وقدمت أبوظبي تمويلا طارئا لدبي. وهذه الشبكة وإن كانت محدودة في الحجم ومرهونة بالأهواء السياسية إلا أنه تم إرساء مبدأ المساعدة المتبادلة الذي كان أقل وضوحا عند بداية الأزمة الأخيرة.

وإذا حدث انهيار جديد في أسعار النفط فإنه سيكون أصعب على دول الخليج أن تنفق ما يلزم للخروج من الأزمة إذ أنه مع نزول الأسعار عن 104 دولارات الأسبوع الماضي تركز الأسواق على المستويات الدنيا التي تحتاجها الدول لضبط ميزانياتها. وبالنسبة للسعودية يرى المحللون أن هذا المستوى ارتفع إلى نحو 90 دولارا بسبب نمو الإنفاق الحكومي. لكن حتى هبوط أسعار النفط لفترة مؤقتة إلى المستوى المسجل في الأزمة الأخيرة لن يسبب كارثة بالضرورة.

ويقول فاروق سوسة كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في سيتي إن الحكومة السعودية يمكن أن تحافظ على الإنفاق إذا قررت ذلك عن طريق السحب من احتياطيات مالية قدرها 280 مليار دولار. ويعادل هذا المبلغ أكثر من إجمالي نفقات الحكومة في عام. وعلاوة على ذلك يمكنها أن تمول جزءا من أي عجز في الميزانية من خلال أسواق رأس المال المحلية. وقال سوسة «إذا قرروا أنهم في حاجة لذلك يمكنهم تمويل العجز لسنوات. هناك سيولة وفيرة على المستوى المحلي». وقال إنه نظرا لأن السعودية تتحكم فعليا في معروض النفط فإنه ليس من المرجح أن يحدث تغير أساسي في التوقعات الاقتصادية طويلة الأجل إلا إذا حدثت صدمة كبيرة في الطلب.

وأضاف أن هذه الصدمة ستكون على الأغلب تغيرا تكنولوجيا إذ أن الركود في العالم المتقدم لن يكون خطيرا إلى هذا الحد. وخلصت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني إلى استنتاج مماثل حين ثبتت تصنيف أبوظبي عند (AA) الأسبوع الماضي.وقال ريتشارد فوكس المحلل لدى فيتش «الأزمة المالية العالمية في 2008- 2009 كانت اختبار تحمل قاسيا لأبوظبي لكنه اختبار لم يلحق ضررا يذكر بميزانيتها العمومية. وأي اختبار مستقبلي لا بد أن تكون عواقبه أشد من ذلك ليستدعي قرارا سلبيا بشأن التصنيف».

ومن الضربات العنيفة التي تعرضت لها منطقة الخليج في خضم الأزمة الأخيرة تهاوي أسعار الأسهم والعقارات مما أسهم في الكشف عن فجوة متسعة في الميزانية العمومية لشركات دبي. وأدى هذا لهروب رؤوس الأموال من بعض الاقتصادات في المنطقة مما ضغط على سيولة البنوك التجارية. ومن المتوقع أن يستغرق إصلاح الميزانيات العمومية لشركات دبي معظم العقد الحالي وستؤدي أزمة مالية جديدة إلى تعقيد العملية وقد تحول بين هذه الشركات وبين إصدار أدوات دين في الأسواق العالمية المضطربة. لكن محللين يعتقدون أن دعم أبوظبي المالي سيساعد على تعويض أي تعذر في الحصول على تمويل من الأسواق وذلك في الأجل المتوسط على الأقل.

ونظرا لأن فقاعات أسعار الأصول في الخليج قد انفجرت بالفعل فإن مخاطر تضرر التدفقات الرأسمالية أصبحت أقل. وهذا يساعد على تفسير تفوق دبي وأسواق أسهم خليجية أخرى على العديد من الأسواق الأخرى خلال الأشهر الماضية مع تدهور الأوضاع العالمية. وأسهم دبي منخفضة 14 بالمائة عن ذروتها هذا العام بينما الأسهم العالمية حسبما يقيسها مؤشر ام.اس.سي.آي لأسهم كل دول العالم منخفضة 23 بالمائة.