شركات النفط العملاقة وطفرة الغاز الطبيعي: نموذج الإدارة المزدوجة

تاريخ النشر: 12 ديسمبر 2010 - 02:37 GMT
Sarraf
Sarraf


من بوز أند كومباني
 
بقلم جورج صرّاف شريك، ورائد قمبرجي شريك

يتوقَّع ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي ما لا يقل عن 100 مليار قدم مكعب يوميا، كما يتوقّع أن ترتفع أسعار الغاز الطبيعي بشكل مطرد من 6 دولارات أميركية لكل مليون وحدة حرارية بريطانية إلى 8 دولارات لكل مليون وحدة بحلول عام 2020. وتأمل شركات النفط الكبرى في كسب المال في قطاع الغاز الطبيعي، ولكن هذا يقتضي منها أن تتعلم إدارة نوعين مختلفين من العمل التجاري تحت سقف واحد. وكانت محاولات سابقة قد فشلت عموما في عملية الإدارة المزدوجة هذه. فهل يمكن أن تنجح فيها شركات النفط الكبرى؟

يتوافر الغاز الطبيعي بكثرة حاليا في جميع أنحاء العالم تقريبا، وذلك بفضل مخزونات جديدة غير تقليدية (تسمى أحيانا احتياطات غير تقليدية) اكتشفت في الولايات المتحدة والصين وأوروبا. وفي الوقت نفسه، جعلت المخاوف بشأن انبعاثات الكربون الغاز الطبيعي، الذي لا يولّد إلا نصف ما يولّده النفط من انبعاثات الكربون، خيارا نظيفا نسبيا بالنسبة إلى بعض أكبر مستخدمي الطاقة في العالم. وفي البعض البلدان، أصبح الغاز اساسيا لتشغيل الشاحنات والحافلات ومحطات توليد الكهرباء، وذلك إلى أن تصبح مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتكنولوجيا البطاريات المتقدمة مجدية من حيث التكلفة. وهنا يقول جورج صراف الشريك في بوز أند كومباني: "تتوقع ادارة معلومات الطاقة الأميركية وصول الأسعار إلى 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بحلول عام 2020، فيما يبلغ سعر التعادل للآبار غير التقليدية 4 إلى 7 دولارات لكل مليون وحدة. وسوف يدفع الطلب المتزايد الأسعار صعودا: وفقا لتوقعات شركة بوز أند كومباني، يفترض أن ينمو الطلب بمعدل سنوي مقداره حوالي 2 إلى 3 في المئة على الصعيد العالمي حتى عام 2020 في موازاة تحسن الاقتصاد العالمي، ومع حلول محطات توليد كهرباء تعمل بالغاز محل محطات الفحم القذرة نسبيا، وكل ذلك فيما نرى تطبيق سياسات جديدة تشجع وتفرض استخدام الغاز الطبيعي للنقل، على غرار مشروع القانون المقترح للطاقة في الولايات المتحدة ".

ولكن مع كون الجغرافيا السياسية للطاقة الخضراء المحيطة بالغاز الطبيعي موثقة جيدا، فإن ثمة ظاهرة أخرى مثيرة للاهتمام تبرز في الساحة: الانتعاش غيرالمتوقع للغاز الطبيعي يؤدي بهدوء إلى تحول أساسي في صناعة النفط والغاز، وهو تحول كان عدد قليل من الشركات مستعدا له لكنه قد حدد المشهد العام لهذه الصناعة في المستقبل". ويضيف رائد قمبرجي الشريك في بوز أند كومباني: "انتعاش الغاز الطبيعي يضع الشركات النفطية الكبرى في مواجهة المستقلين الذين استخدموا بكثافة المخزونات غير التقليدية على مدى السنوات السبع إلى العشر الماضية. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كان يمكن لشركات النفط العملاقة أن تصبح لاعبين كبارا في مجال الغاز غير التقليدي الجديد هذا. للقيام بذلك، سيكون على الشركات وضع نماذج للإدارة المزدوجة تحت سقف واحد - الاول، نموذج الاستكشاف الذي تقوده الشركات، وهو تقليدي ذو مخاطر عالية، والثاني هو عبارة عن عملية ذكية وفعالة ولامركزية. واللافت، أنه في صناعات أخرى (لا سيما شركات الطيران)، فشلت استراتيجيات برأسين كهذه عموما".

نماذج الإدارة المزدوجة

من أجل المنافسة في استغلال موارد غير تقليدية، على شركات النفط الكبرى أن تعتمد نموذج الإدارة المزدوجة الذي يقتضي في جوهره إقتران العمليات التقليدية مع وحدات أعمال منفصلة أكثر مرونة على غرار نماذج عمل شركات الغاز مستقلة، وذلك مع تنظيم أكثر سهولة، وهيكليات إدارية أبسط، والتركيز على على الكفاءة والابتكار. هذه الصفات ضرورية لخفض تكاليف التشغيل، وكذلك للسماح للشركات باعتماد سريع لنماذج عمل جديدة تماما، والاستعانة بمقاولين محليين ومواد محلية، وضمان الحصول على اليد العاملة اللازمة. ويمكن لشركة نفط عملاقة محاولة اكتساب هذه القدرات بطريقتين.

الطريقة الاولى هي الاستحواذ. يقول صراف: " يمكن لشركة نفط كبرى شراء شركة للغاز الطبيعي تملك معرفة راسخة في استغلال الموارد غير التقليدية.  وقد اعتمدت إكسون موبيل هذه المقاربة عندما اشترت اكس تي أو إينرجي مقابل 41 مليار دولار أواخر عام 2009. ويبقى غير محسوم ما إذا كان لدى الشركات الكبيرة ذات العلامات التجارية القدرة على تحمّل المخاطر الاقتصادية الملازمة للتنقيب عن الغاز غير التقليدي. والوقت وحده كفيل بالحكم على مدى نجاح هذا النموذج".

الطريقة الثانية هي التطوير من الداخل. يقول قمبرجي: "يمكن لشركة نفط كبرى أن تختار تطوير خبرتها في مجال الغاز الطبيعي من داخلها، وربما بعد الحصول على القدرات اللازمة لذلك من خلال مشروع مشترك. وكانت شركة رويال شل الهولندية أول شركة نفط كبرى حاولت القيام بذلك، عندما استحوذت على شركة إيست ريسورسز مقابل 4.7 مليارات دولار في أيار/ مايو. لكنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت شل ستنجح ".
 
 نجاح غير مؤكد

أثبت التاريخ أن نجاحات نموذج الإدارة المزدوجة في الصناعة نادرة. والواقع أن نجاح شركات النفط في الاستفادة من إمكانات احتياطات الغاز الطبيعي غير التقليدية يعتمد على حسن تنفيذ الإستراتيجية الأولى. وتتطلب مقاربة الاستحواذ من شركة النفط الحفاظ على نموذج الإدارة اللامركزي المستهدف لقطاع الغاز الطبيعي، في حين تُدرج في العملية بحذر عناصر من قدراتها الخاصة تقدّم قيمة إضافية - مثل سلسلة التوريد المتكاملة للحد من تعقيد عملية الشراء. وينبغي أن يكون الهدف هو تحسين شركة الغاز الطبيعي من دون تدمير ثقافتها، بما يتيح لها الازدهار في بيئة غير تقليدية.

تتطلب المقاربة العضوية الانفتاح على الأفكار الخارجية. ويجب على أي شركة نفط كبرى أن تسعى بجد إلى مفاهيم إدارة جديدة مناسبة لعمليات الغاز غير التقليدية، من خلال المشاركة في مؤتمرات خاصة بهذه الصناعة، والتعاقد مع خبراء واختصاصيين كمستشارين ومدرّسين، ووضع آليات للتدريب الداخلي. وقبل كل شيء، على الإدارة أن تضمن أن العمليات والهيكليات القائمة لا تستبعد هذه الأفكار الجديدة لمجرد كونها مستنبطة في مكان آخر. وإذا كان المشروع المشترك جزءاً من هذا النهج، ستحتاج الشركة الى وضع خطة تسمح لها بأن تستفيد من هذا الترتيب، من خلال إيجاد آليات إدارة رسمية وغير رسمية تشجّع على نقل المعرفة ونشرها.

يمكن لأي من الاستراتيجيتين أن تكون ناجحة إذا وُضعت وأديرت بشكل صحيح، لكن التاريخ يشير إلى أن غالبية شركات النفط العملاقة تجد صعوبة في جعل نماذج الإدارة المزدوجة تتعايش. وعلى الرغم من أن الأمر قد لا يبدو واضحا اليوم، يرجح أن تجد الكثير من هذه الشركات أن العقبات التقنية المرافقة للاحتياطات غير التقليدية بسيطة نسبيا. أما ما هو أصعب بكثير، بل ما هو غير ممكن للبعض، فهو التحدي المتمثل في تغيير السلوك والثقافة.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن