يعتبر قطاع المواصلات العامة والذي يحوي الباصات العمومية وسيارات السرفيس والقطارات الخفيفة والقطارات تحت الأرض (المترو) التي تعمل كهربائيا، واحدا من القطاعات الحيوية التي تسهم في تقدم عجلة التنمية بمفهومها الشامل، نظرا لأهميته في مسألة نقل القوى البشرية العاملة أو المتعلمة أو الدارسة أو غيرها لغايات الوصول بيسر وسهولة وفي الوقت المحدد لمكان العمل أو المؤسسات التعليمية أو الاقتصادية أو غيرها وباستخدام وسيلة مواصلات يمكن الاعتماد عليها، وهو من أبسط حقوق المواطنين في أي دولة، وهو إحدى الوسائل العملية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس. ونحن في الأردن نفتقر إلى ثقافة استخدام وسائل المواصلات العامة للنقل الجماعي لأسباب عديدة منها عدم وجود العديد منها كالقطارات بأنواعها –وان كنا بصدد إنشاء أول قطار للركاب بين عمان والزرقاء- وعدم إمكانية الاعتماد عليها من ناحية الوقت وغير ذلك من الأمور.
ونحن هنا بصدد بيان أوجه التقصير في الخدمة المقدمة ليصار إلى تحسينها وتطويرها أو حتى تعزيزها لتصبح ثقافة يومية معتمدة ومطبقة عند الجميع بغض النظر عن الحالة المادية أو الاجتماعية أو العلمية أو غيرها. والأردن كمعظم الدول النامية الأخرى –وبالرغم من الجهد الذي يبذل من قبل وزارة النقل تحديدا وتشكر عليه- يعاني قطاع المواصلات العامة فيها من عدة عوامل تقلل من عدد الأفراد المستخدمين لوسائل هذا القطاع رغم الدعم المادي المقدّم من الحكومة للقطاع كدعم مباشر لطلبة الجامعات تحديداً. ومن هذه العوامل ضعف إدارة مرافق المواصلات العامة، وعدم الالتزام بمواعيد حركة ثابتة، والعشوائية في توزيع المسارات، وعدم وجود مواقف للانتظار أو عدم التزام السائقين بهذه المواقف، وعدم ثبات أعداد و ترددات المركبات العاملة على الخطوط، وقلة الدراسات المتعلقة بتقييم الخدمة المقدمة أو التخطيط المستقبلي لها فيما يتعلق بتعزيز أعداد المركبات العاملة أو بتعزيز المسارات والخطوط. بالإضافة إلى المشاكل الأخرى التي يعاني منها قطاع النقل العام والمتمثلة في ممارسات بعض السائقين في السرعة والتدخين في الباصات ورفع صوت الراديو والمسجلة وعدم احترام البعض للركاب، واستهتار البعض بأرواح الناس وسلامتهم، وهذه العوامل وغيرها تسهم في تجنب الأفراد لاستخدام المواصلات العامة، وتجعلهم يفضلون اقتناء مركباتهم الخاصة بغض النظر عن أوضاعهم الاقتصادية أو الاجتماعية.
ولقد أظهرت الدراسات في الدول الغربية بأن المواطنين وبنسبة تفوق الثمانين بالمائة يفضلون استخدام المواصلات العامة للتنقل وللعمل والتسوق، وأظهرت الدراسات أيضا أن 70% أو أكثر من المصريين يستخدمون وسائل المواصلات العامة، بيد أن الدراسات أظهرت أن معظم الأردنيين يفضلون امتلاك سيارات خاصة بهم لدرجة أن عدد سياراتنا يفوق المليون ونصف المليون سيارة لستة ملايين مواطن وبواقع سيارة لكل أربع أشخاص، والسبب في ذلك جلي وواضح وهو أن وسائل المواصلات العامة في الغرب متنوعة بدءا من الباص والقطارات الخفيفة وانتهاء بالمترو وغيرها وأنها تتصف بالنظافة الميكانيكية وتدار بطرق تقنية وحديثة لتصل المواقف المخصصة في الوقت المحدد ووفق برنامج زمني معد للمواطنين سلفا وفيها من الالتزام وضبط المواعيد ما فيها، ولذلك يعتمدها المواطنون لترحالهم كوسيلة آمنة ومضبوطة لهذه الغايات، بيد أن ذلك غير موجود البتة في المواصلات العامة عندنا.
وبالطبع فان للخصائص السكانية والاجتماعية والاقتصادية الأثر الكبير في التنبؤ بحجم الطلب على المواصلات العامة. ويشمل ذلك عمر وجنس المستخدم وعدد المركبات المتوفرة لدى الفرد والدخل الشهري للأسرة وعدد أفرادها وعدد أفراد الأسرة الذين تقع أعمارهم فوق 18 عاماً -ومعظمهم من الشباب ويمثلون ما يربو عن 73% من المجتمع- والوظيفة التي يعمل بها الفرد، ويشمل أيضا مكان السكن ومكان العمل، ويشمل خصائص الرحلات التي يقوم بها الفرد مثل وسيلة المواصلات المستخدمة والمسافة بين المنزل و مكان العمل، ومؤشرات نسب تغطية شبكة المواصلات العامة للسكان وللكثافة السكانية وبمسافة مشي على الأقدام للوصول للمواقف بما لا يزيد عن 200 متر، وغيرها من العوامل الأخرى المؤثرة. كما أن مستوى الخدمة المقدم من المواصلات العامة للمواطنين وتقييم هذه الخدمة يعتمد على الوقت اللازم للوصول للموقف وزمن الرحلة وهدفها. إننا بحاجة ماسة لتزويد حافلات النقل العام بالمتطلبات التقنية اللازمة التي تضمن صعود ونزول ذوي الاحتياجات الخاصة للحافلات بسهولة وسلام وبطرق ميسرة لمستخدمي الكراسي المتحركة دون أي مشاكل تذكر. كما أننا بحاجة لتجهيز بنيتنا التحتية للطرق وممرات المشاة لتكون جاهزة لمثل هذه التقنيات. إن عدم إيجاد ثقافة استخدام المواصلات العامة عند فئة الشباب خصوصا يعزز لديهم ممارسات خاطئة بحيث يركزون على شراء السيارات الفارهة والحديثة لتضيف حجما مروريا كبيرا لأزمات المرور التي نعاني منها، إضافة إلى السلوكيات غير المنضبطة عند الكثير منهم كالتشحيط والرعونة أثناء القيادة وغيرها. والمهم في ذلك أن نسبة المتسببين في الحوادث المرورية هي الأكثر بين فئة الشباب.
إن ثقافة استخدام المواصلات العامة تحل كثيرا من مشاكلنا الاجتماعية والنفسية والمادية وأزماتنا المرورية وتزيد من السلامة العامة وتحمي البيئة والصحة العامة من الآثار الضارة التي تسببها الغازات الصادرة عن وسائل المواصلات ويتم ذلك من خلال نقص أعداد السيارات الخصوصية، كما أن المواصلات العامة تقلل الهدر في المال العام والخاص وتؤكد لياقتنا البدنية وممارسة رياضة المشي. وربما نحسن خدمة المواصلات العامة باستخدام البطاقات الذكية والمواقف المحددة والوقت المبرمج والاصطفاف في الطوابير لانتظار وسائل النقل بنظام مطلق لغايات صيانة كرامة الناس!
إننا نتطلع إلي مساهمة فاعلة من المواطنين الكرام للوقوف لجانب خطط وإستراتيجيات وزارة النقل العصرية لتشجيع ثقافة استخدام المواصلات العامة لتحسين الوضع البيئي وضبط أمور السلامة المرورية ورفع مستوى الأمان لدى المواطنين ونشر ثقافة المواصلات العامة واعتبارها وسيلة يمكن الاعتماد عليها ولتخفيض نسب الاختناقات المرورية في مدننا الأردنية وخصوصا العاصمة عمان. وكما نأمل من الحكومة دعم خطط وزارة النقل من خلال توفير الدعم المادي اللازم للبدء بإدخال وسائل نقل حديثه كالقطارات الخفيفة بين المدن الرئيسة في الأردن أو إنشاء أسطول نقل عام ذي اعتمادية عالية يصل لمستوى طموحاتنا لأجل تشجيع الشباب وجميع المواطنين على ثقافة استخدام المواصلات العامة لتعزز فينا مبادئ الانتماء والتشاركية والتعاون والنظام وإدارة الوقت والعديد من القيم الأخرى المعزّزة للانتماء الوطني.
وزير الأشغال العامة والاسكان السابق