بعد مرحلة الأجور تعود مناقشة الموازنة اللبنانية محمّلة بصعوبات وأثقال ومطالب العام 2012

تاريخ النشر: 19 ديسمبر 2011 - 10:36 GMT
إن العودة الى موضوع الموازنة يأتي من نقطة النفقات الاضافية التي ستدخل الموازنة وترهق الخزينة وتزيد عجزها بشكل يتطلب إعادة نظر جدية في قضية الايرادات ومصادر تمويل عجز الموازنة والخزينة
إن العودة الى موضوع الموازنة يأتي من نقطة النفقات الاضافية التي ستدخل الموازنة وترهق الخزينة وتزيد عجزها بشكل يتطلب إعادة نظر جدية في قضية الايرادات ومصادر تمويل عجز الموازنة والخزينة

بمناسبة العودة الى مناقشة مشروع موازنة العام 2012 اعتباراً من الجلسات المقبلة، وبعد الانتهاء من موضوع الاجور ومحاصصة التعيينات، لا بد من التوقف عند الصعوبات المقبلة التي ستواجه الدولة اللبنانية في إمكانية الحصول على التمويل على الصعيدين الداخلي والخارجي نتيجة عوامل كثير منها الداخلي، وهي العائد لسوء أداء الدولة ومناكفات أهل السياسة عموماً من جهة، وأهل الحكومة الواحدة من جهة ثانية.

إضافة الى المؤثرات الخارجية الاقليمية منها، لا سيما الازمة في سوريا، كونها الاكثر تأثيراً على التطورات في لبنان بعد الثورة المصرية وآثارها على القطاعات الاقتصادية والمالية والمصرفية. وفي حال انتهاء موضوع تصحيح الاجور على الصيغة الجديدة المعدلة من مجلس شورى الدولة، فإن العمال يكونون قد خسروا اولاً المفعول الرجعي المستحق منذ نهاية ايلول من العام 2011 وهو تاريخ المباشرة في البحث في غلاء المعيشة عبر الحوار العقيم والخلافي في لجنة المؤشر. كذلك تكون عملية تأخير تقديم المنح المدرسية لإجراء القطاع الخاص تأخرت ثلاثة أشهر عن موعدها المؤقت نتيجة المبارزة السياسية بين أهل الاقتصاد وعلماء الاجتماع.

من هنا فإن العودة الى موضوع الموازنة يأتي من نقطة النفقات الاضافية التي ستدخل الموازنة وترهق الخزينة وتزيد عجزها بشكل يتطلب إعادة نظر جدية في قضية الايرادات ومصادر تمويل عجز الموازنة والخزينة ويعيق خطة وزارة المالية الآيلة في المضي للحد من نمو الدين العام بأكثر من النمو الاقتصادي، وهو ما حصل خلال العام 2011 وسيحصل بالتأكيد خلال العام 2012. من هنا فإن همّ وزارة المالية الاول من خلال التعديلات والملاحظات على مشروع الموازنة ستنصب على التوفيق بين التقيد بتأمين نفقات إضافية بحدود 1100 مليار ليرة منها 1000مليار ليرة لتغطية زيادات الاجور والتقديمات بموجب تصحيح الاجور بالصيغة الراهنة لإجراء القطاع العام، والجزء الآخر يتعلق بتغطية بدلات دعم المازوت بإلغاء الضريبة على القيمة المضافة بما يوازي حوالى 70 مليار ليرة من دون احتساب مستوردات الكهرباء وهي تشكل القسم الأكبر من مستوردات المازوت في السوق المحلي، على اعتبار أن المؤسسة تحول أموالها من «العب للجيبة».

هذه معضلة جديدة في كيفية توصل الحكومة الى تحديد سقف الإنفاق. هذه معضلة إضافية بانتظار الموازنة والخزينة العام المقبل، في إطار التقيد بنسبة العجز، إلا في حال العودة الى مبدأ النفقات الاضافية تحتاج ايرادات اضافية، وهو أمر لا يبدو سهلاً في ظل التناتش الحاصل في المطالبة بزيادة النفقات واستمرار عمليات افتداء الخلافات السياسية بالمال العام من التوظيف الى الدراسات والاستشارات وتنفيعات النفقات الاستثمارية وسط عجز الكهرباء والضمان الاجتماعي، والصناديق والمجالس المثقوبة صناديقها والتي تعيق عملية ضبط النفقات وتعزيز الايرادات.

تكفي الاشارة الى أن استحقاقات ما تبقى من العام 2011 أي الشهر الاخير من السنة يبلغ حوالى 2067 مليار ليرة، في الوقت الذي تتراجع فيه اكتتابات المصارف بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية ويقوم مصرف لبنان بتغطية العجز الاسبوعي، حتى ارتفعت حصة مصرف لبنان في سندات الخزينة بالليرة اللبنانية من 9385 مليار ليرة في ايلول 2010 وهي كانت تشكل 21 في المئة من الدين العام بالليرة، الى حوالى 15690 مليار ليرة في ايلول 2011 بما يوازي 31,6 في المئة من الدين العام بالليرة. هذا الواقع دفع صندوق النقد الى توصية المصرف المركزي بخفض مساهمته في تمويل احتياجات الدولة.

أما استحقاقات العام 2012 بين سندات بالليرة وسندات اليوروبوند فتصل الى أكثر من 13,5 مليار دولار منها حوالى 9,4 مليارات دولار بالليرة اللبنانية وهي سندات داخلية تساهم المصارف ومصرق لبنان بتغطيتها عن طريق تجديد الاكتتابات الاسبوعية. هذا من دون احتساب عجز موازنة العام 2012 نفسها التي تصل الى حوالى 3,5 مليارات دولار بعد إدخال تصحيح الاجور ليكون حجم الاستحقاقات خلال العام 2012 اكثر من 17 مليار دولار تقريباً من دون طوارئ واجتهادات وملاحظات من وزراء ومنظرين لتنفيعات جديدة أو مستحدثة. هذا مع الاشارة الى ان وزارة المالية نفذت إصداراً بقيمة ملياري دولار لتغطية جزء من مستحقات العام 2012 البالغة حوالى 4 مليارات دولار بالعملات الاجنبية وهي لم تقبل سوى 60 في المئة من القيمة لتركيزها على استحقاقات العام 2026 أي الآجال الطويلة والافادة من الفوائد المتدنية. من هنا يمكن التأكيد أن العام 2012 لن يكون أفضل حتى لا نقول إنه سيكون أسوأ من العام 2011 من حيث المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، حيث تجتمع التطورات الاقليمية والاوروبية مع التوترات الداخلية على جعل العام المقبل أصعب اقتصادياً من العام الحالي نتيجة استمرار تراجع المؤشرات الاقتصادية واعتمادها على الحركات والمناسبات الموسمية القصيرة الأجل.

التسليفات المصرفية مؤشر على النشاطات الاقتصادية

وطالما الحديث عن القطاعات الاقتصادية والمالية فلا بد من التطرق الى حركة التسليفات المصرفية للقطاعين العام والخـاص مع توزعها بالنسبة للنشاطات الاقتصادية حيث يغلب طابع الاستــهلاك على الانتاج بفعل تراجع حركة الرساميل والاستثمارات بأكثر من 3,7 مليارات دولار عن العام 2011 بينما يسجل ميزان المدفوعات عجزاً يفوق 2100 مليون دولار وهو كان سجل فائضاً بما يزيد عن ملياري دولار في العام 2010.

على صعيد التسليفات للقطاع العام فقد بلغت حتى نهاية الفصل الثالث من السنة حوالى 29,8 مليار دولار بزيادة حوالى 500 مليون دولار في شــهر ايلول وحــده وهي لم تزد سوى 50 مليــون دولار طوال العام 2010، بما يعني عودة الدولة الى الحــاجة لتــأمين مصــادر تمويــل. وهذا أمر سـيرتفـع مــع تراجع حركة نمو الودائع على الرغم من السيولة العالية لدى القطاع المصرفي.

وبالنسبة لانعكاسات أزمة الديون الأوروبية على المصارف اللبنانية سبق لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن أكد لـ«السفير» رداً على سؤال حول صعوبات المخاطر السيادية وتأثيرها على المصارف ومصادر التمويل على لبنان: «على صعيد الداخل نتكلم عن المخاطر السيادية التي لا تطبق على المصارف في لبنان، لأنه في معدلات بازل -3 هناك ملاءة بنسبة 7 في المئة، ونحن نعمل على أساس بازل -3 بمعدلات ملاءة 12 في المئة، مما يعني هناك كفاية رسملة للقطاع ليكون محصناً بمخاطره، سواء كانت المخاطر السيادية أو مخاطر القطاع الخاص. وقد لاحظنا من حركة التسليفات أن ديون المصارف للقطاع الخاص قاربت 40 مليار دولار مقابل ديون للدولة اللبنانية بحوالى 28 مليارا، ولو أخذنا بالمقاربة التي اعتمدتها موديز فإن سيولة المصارف اللبنانية تفوق الـ30 في المئة. بالنسبة الينا يمكن القول ان الجواب الافضل جاء من الاسواق.

وعلى صعيد ميزان المدفوعات فقد سجل حتى نهاية تشرين الثاني عجزاً قدره مليارا دولار، وذلك نتيجة ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية والنفطية المستوردة، إضافة الى زيادة حركة الاستيراد عامة مقارنة مع العام الماضي.

أما بالنسبة لتسليفات القطاع الخاص والقـطاعات الانتاجية، فقد بلغت حتى الفصل الثالث ما مجموعه حوالى 38,7 مليار دولار موزعة على مختلف القطاعات الفردية والشخـصية والانتاجــية. اللافت في الأمر أن حصة التسليفات الفردية ارتفــعت كثيرا خلال السنوات الاخيرة وهي نمت أكثر بكثير من نمو التسليفات للقــطاعات الاقتــصادية مما يؤشر الى تراجع الاستثــمارات والرساميل ونما الاستهلاك بشكل كبير وملحوظ. وتفيد الاحصاءات بأن عـدد المستفيدين من التسليفات المصرفية في القطاع الخاص يبلغ حوالى 546106 مستفيداً، منها حوالى 426179 مستفيداً من القروض الفردية يشكلون حوالى 78 في المئة من المستــفيدين. في حـين أن حجم القروض التي حـصل عليها هؤلاء تشــكل حــوالى 15,563 الف مليار ليرة أي حوالى 10,3 مليارات دولار من أصل 39 مليار دولار أي ما نسبته 26 في المئة من القروض فقط. إلا ان اللافت ايــضاً أن متوسط القرض للتسليفات الفردية تبلغ قيمــته حوالى 37 مليون ليرة في حين أن المتوسط العام للقرض الواحد لجميع التـسليفات يبلغ حوالى 119 مليون ليرة أعلاها قروض المقاولات والوساطة المالية التي يصل القرض فيها الى حوالى 1400 مليون ليرة أي ما يقارب المليون دولار.

تبقى الاشارة الاساسـية الى أن حــصة الــقروض الزراعية تبقى الاقل افـادة من التسليــفات وهي تشــكل حوالى 617 ملــيار ليرة بما نسبته 0,95 في المئة من القروض لعدد من المستفيدين يفوق الـ4484 مستفيداً بمتوسط قرض قدره حــوالى 138 ملــيون ليرة. أما القروض الصناعية فتشكل حوالى 7369 مليــار لــيرة أي ما نسبته 11,3 في المئة وهي كا نت تشكل في السابق أكثر من 17 في المئة.

يبقى الحديث عن القروض السكنية وحصتها من القروض الفردية وهي بلغت في بداية الفصل الثالث من السنة حوالى 8234,6 مليار ليرة أي ما نسبته حوالى 12,6 في المئة من اجمالي التسليفات. ويستفيد من هذه القروض حوالى 74796 مستفيداً بمتوسط قرض قدره حوالى 110 ملايين ليرة. بمعنى آخر أن حصة القروض السكنية باتت تفوق حجم القروض الزراعية والصناعية معاً. إشارة الى أن القروض السكنية تضاعفت بين نيسان من العام 2010 وشهر آب من العام 2011 بارتفاعها من 4839 مليار ليرة الى حوالى 8234 مليار ليرة، أي بزيادة قدرها حوالى 3395 مليار ليرة أي ما ما يوازي 2,3 مليار دولار لعدد من المستفيدين زاد حوالى 16738 مقترضاً جديداً. أما متوسط القرض فارتفع من 82 مليون ليرة في العام 2010 الى 110 ملايين ليرة في 2011.

 عدنان الحاج