إهدار المال العام في عهد الرئيس السابق حسني مبارك والتسهيلات الكبيرة التي حصل عليها رجال الأعمال من المقربين للنظام السابق، تحتاج إلى مراجعة دقيقة، وفتح باب التحقيق فيها، ومجازاة كل من ساهم في سرقة المليارات وتخريب اقتصاد مصر، وأيضا لابد من فتح الملفات التأمينية، وحساب عشرات المليارات التي خسرها القطاع المصرفي جراء إدماج البنوك الخاسرة في البنوك الوطنية؛ مثل العملية التي تمت لبنكي المهندس والتجاريين اللذين أدمجا في البنك الأهلي، وتحمل ديونهما التي بلغت في بنك المهندس فقط نحو خمسة مليارات جنيه، وعملية دمج بنك مصر؟
إكستريور في بنك مصر، والمحفظة الخاسرة لبنك القاهرة التي تحملها بنك مصر جراء عشرات القروض التي منحها الجهاز المصرفي لرجال أعمال عصر مبارك، ولم يقوموا بسدادها، وأيضا محاسبة من لم يحقق في تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات والخاصة بالبنوك. فمن خلال العلاقة الفاحشة بين رجال السلطة والثروة وقيادات تلك البنوك ظهرت طبقة رجال الأعمال الجدد فجأة على سطح الحياة السياسية والاجتماعية في السنوات العشر الأخيرة؛ لينجحوا في تجريف الثروة المصرفية وتكوين ثروات محصنة، جرى تهريبها إلى الخارج منذ سنوات؛ لدرجة أن أحمد عز استطاع تكوين ثروة تزيد على 50 مليار جنيه في أقل من ثماني سنوات، ومثله أكثر من 1000 ملياردير وعشرات الألوف من المليونيرات الذين استطاعوا تكوين ثروات ضخمة من دون أي جهد.
وحول هذه القضية يقول د. محمد النجار أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة بنها: إن الثورة لم تبدأ بعد أي عملية تطهير، ويبدو أنها تعطلت لنزاعات هنا أو ظروف هنا، على حد قوله، مشيراً إلى وجود العديد من أوجه الفساد داخل الجهاز المصرفي، والتي تقتضي حلاً عاجلاً، وأولها بقاء الأطقم المصرفية التي جاء بها جمال مبارك من هنا وهناك في أماكنها بعد الثورة بذات السياسات المالية وذات الرواتب، مشيراً إلى أنه رغم الدور الكبير الذي قام به محافظ البنك المركزي على مدار السنوات السبع الماضية من وضع ضوابط في الجهاز المصرفي، حتى لا يترك الائتمان «على حل شعره»، بحسب قوله، فإن الفساد سيظل موجوداً في الجهاز المصرفي طالما بقيت مصر تسير في طريق الاقتصاد الحر، ولم تغير طريقها للنهضة باقتصاد مخطط على الطريقة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، يعلم بالضبط ما يريد وكيفية تنفيذه. وأضاف: هذا الفساد سمح بتهريب ما بين 80 إلى 120 مليار دولار من الثورة المصرية إلى الخارج طوال 20 سنة في عهد مبارك؛ لتأتي مصر في المركز الثاني على مستوى الشرق الأوسط في ظاهرة هروب الأموال.
وينتقد د. النجار الأداء المالي للبنك المركزي أثناء الثورة، والذي تدخل لمنع انهيار سعر صرف الجنيه، فأدى إلى انخفاض الاحتياطي من 36,5 مليار دولار إلى 26 مليار دولار خلال 6 أشهر فقط من قيام الثورة، وكان هذا مهماً من ناحية للحفاظ على سعر الجنيه، لكن في الوقت نفسه تسبب في قيام رجال الأعمال بتكوين «حقائب دولارية» من مليارات المركزي، بعد التخلص من الجنيهات والقيام بتهريبها إلى الخارج خلال أسبوع التنحي. ويضيف محمد نور الدين مدير البحوث الاقتصادية بالبنك العربي سابقاً، وصاحب الدراسة الشهيرة حول الشفافية والفساد في البنوك قبل عامين، إلا أنه مع تحول الدولة إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي والسماح لرأس المال المحلي والأجنبي بممارسة النشاط في جميع القطاعات الاقتصادية تقريباً، سادت درجة عالية من الفساد بمختلف أشكاله والمعاملات البنكية لتمويل بعض الصناعات والمشاريع، وتمكن البعض من الاستيلاء على أموال البنوك من دون وجه حق بمساعدة من مسئولين على قمة عدد من البنوك الخاصة أو تسهيل شخصيات عامة لها وزنها وثقلها، وزراء سابقون ورؤساء مجالس إدارات بنوك ونواب لهذه العملية، فظهرت قضايا فساد مصرفية ضخمة، أبرزها أو ما تكشف منها، قضية نواب القروض وقضية بنك مصر؟
إكستريور وقضية بنك المهندس
ويقول الخبير الاقتصادي د. شريف قاسم الأستاذ بأكاديمية السادات: من المعروف أن كل القيادات البنكية من أعلاها إلى أسفلها جرى تسكينها وإعدادها وتدريجها، حتى تكون خط الدفاع المالي والاقتصادي الأول لمشروع التوريث، ولا أحد يعرف سر تأخر عملية التطهير داخل الجهاز المصرفي من جميع هذه العناصر التي عملت لجمال مبارك ولصالح مقعده. مشيراً إلى أنه تم إقصاء الكفاءات المصرفية وإحلالها بعناصر منتمية إلى لجنة السياسيات، بعضها يفتقد الخبرة المصرفية، حيث جاءوا من بنوك عربية وأمريكية أفلست في الخارج، وتم استدعاؤهم للعمل في مصر لخدمة مشروع التوريث فقط، فكيف يتم الإبقاء عليهم بعد الثورة في الوقت ذاته الذي يقوم فيه هؤلاء بتنفيذ سياسة البنك المركزي الذي يديره فاروق العقدة، وتنصب كل ملامحها الأساسية على تجريف مدخرات الطبقة المتوسطة لإقراض عجز الميزانية في شكل أذونات خزانة، لذلك أصبح الاهتمام الرئيسي لجميع البنوك هو تمويل عجز الميزانية والمشاركة في شراء أذونات الخزانة بفائدة من 8% إلى 9%، في حين أن سعر الفائدة على الودائع طوال 5 سنوات مضت لم يتعد 7%، وهو الذي يعتبر أقل من نصف معدل التضخم الذي يصل رسميا إلى 12%، مما يؤدي إلى تآكل أموال المودعين والتي لا يتم تشغيلها في مشاريع حقيقية تحصل على زيادة الإنتاجية والقضاء على البطالة، مؤكداً أنها جريمة مصرفية متكاملة تقتضي التحقيق.
أما سلوى العنتري مدير عام البحوث بالبنك الأهلي سابقاً، فتقول: إنه ينبغي البدء بتطهير الجهاز المصرفي والبنوك فوراً اعتماداً على الحرفية المهنية للقيادات البنكية وأدائها داخل المؤسسة، وكذلك التوجه السياسي لها، والسؤال عن نوعية قراراتها ولصالح من بالضبط تصدر هذه القرارات. وأشارت العنتري إلى أنها تفهم أن التباطؤ في تنفيذ عملية التطهير يرجع إلى حساسية ما يتعلق بالجهاز المصرفي والحاجة الشديدة إلى ضمان الاستقرار المالي، باعتبارها أكبر مقترض وعدم الرغبة في فتح كل الدفاتر مرة واحدة، لكن هذا لا ينبغي أن يستمر طويلاً، والتطهير لا يتمثل في رؤساء البنوك فقط، بل المفروض أن يطول العديد من القيادات في هذه البنوك.
ولابد من فتح مختلف التقارير الرقابية وتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن أداء البنوك خلال السنوات العشر الماضية على الأقل والتحقيق في مصادر تمويل رجال الأعمال الظاهرة، أمثال أحمد عز ورفاقه؛ لمعرفة عما إذا كان هناك فساد في عمليات منح هؤلاء مليارات البنوك المصرية لتمويل مشاريعهم وتكوين ثرواتهم، وحقيقة ما تم تسديده منها والتحقيق في خسارة عشرات المليارات من أموال دافعي الضرائب لتغطية خسائر بعض البنوك، التي تمت تصفيتها أو إدماجها بعدما خرجت أموالها كلها في شكل قروض لم ترد.