انقطاع الحوار الاقتصادي الاجتماعي مع تراجع المؤشرات يوسع الهوة بين أطراف الإنتاج في لبنان

تاريخ النشر: 24 أكتوبر 2011 - 02:53 GMT
ان المؤشـرات الاقتصاديـة والاجتماعية اضافة الى مؤشرات المالية العامة تعكس واقعاً غير مريح لعـدة اعتبارات، اولها انقطاع الحوار الاقتصادي ـ الاجتماعي بين اطراف الانتاج
ان المؤشـرات الاقتصاديـة والاجتماعية اضافة الى مؤشرات المالية العامة تعكس واقعاً غير مريح لعـدة اعتبارات، اولها انقطاع الحوار الاقتصادي ـ الاجتماعي بين اطراف الانتاج

أقرت رئيسة وزراء الدنمارك مؤخراً، زيادة الاجور للعاملين والموظفين بنسب الغلاء، وطلبت في المقابل من الموظفين زيادة عملهم بمعدل 12 الى 15 دقيقة يوميا، أي بما يوازي الساعة اسبوعياً وحوالى 4 ساعات شهرياً. الفارق الاساسي بين لبنان والدنمارك، عدا فارق التطور، هو وجود الاحصاء والرقم، وهو غير موجود في لبنان، والفارق الثاني هو وجود دولة ومؤسسات تتولى العملية الاجتماعية وليس مجموعات وزارية تقوم على المزايدات والتباري في الانجازات والطروحات الاعلامية التي تزيد أعباء المواطن ولا تقدم أي تحسينات ملموسة على صعيد الخدمات والتقديمات.

هذا الاستهلال ليس سوى اشارة للفارق بين لبنان ودول العالم، التي تحترم العامل والانسان من دون تعليق، اضافة الى الفارق بين طبيعة العمل النقابي بين لبنان والدول التي تحمي العمال والموظفين فعلاً. في لبنان ترتدي معركة الاجور طابعاً مختلفاً بين اطراف الصراع، حيث يختلف العمال مع اصحاب العمل حول المؤشرات، ويختلف اصحاب العمل مع الدولة على التدخل في الزيادة والاعباء على القطاعات الانتاجية، مع ارتفاع وتيرة التهديد بالافلاس وصرف العمال، ومع عدم نسيان المطالبة بالتسهيلات الاضافية وتخفيف الاعباء الضريبية وغيرها، اضافة الى الهم الاساسي، وهو ما يتعلق بمبالغ التسوية على تعويضات نهاية الخدمة. اما الدولة فتحمل هم الزيادات في القطاعين العام والخاص وانعكاساتها على الخزينة وعجز الموازنة في ظل موازنة عاجزة اصلاً، وهي، أي الدولة، عاجزة عن السيطرة على التضخم والغلاء وارتفاعات الاسعار.

كما أن الدولة نفسها منقسمة حول الموازنة العامة التي سيتأخر إقرارها اسابيع طويلة، لا سيما بعدما تعددت الطروحات حول النفقات ومصادر الايرادات لتمويل النفقات الاضافية من اجتماعية واستثمارية.

هذا ما ظهر خلال الجلسة الاولى لمناقشة الموازنة في مجلس الوزراء، حيث طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد مداخلات عدة، من الوزراء إعداد ملاحظاتهم وتقديمها خطية الى رئاسة مجلس الوزراء، ليصار الى مناقشتها في جلسات لاحقة، من قبل لجان وزارية تشكل لاحقاً، للبحث في الايرادات والمصادر الضريبية، لتمويل النفقات الاضافية، كما تبحث لجان اخرى في كل نوع من الضريبة وانعكاسها وتمويل تصحيح الاجور وخطط التقديمات الاجتماعية في حال الغاء بعض الضرائب المقترحة. كل هذه الخطوات، اضافة الى موضوع الموازنات السابقة وقطع الحسابات، تعني ان موازنة العام 2012 اذا أقرت خلال ما تبقى من العام الحالي في مجلس الوزراء، فإنها لن تقر بالسرعة نفسها في مجلس النواب مما يعني ان القاعدة الاثني عشرية مستمرة مع موازنة 2012 على اعتبار ان إنجاز حسابات السنوات السابقة يحتاج اشهراً عدة.

تراكم المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية

أخطر ما في الامر أن مصادر الهيئات الاقتصادية بدأت تتحدث عن حالات صرف للعمال والمستخدمين قبل صدور مرسوم الزيادة، حيث تؤكد مصادر في اتحاد غرف التجارة والصناعة وجمعيات التجار أن عدد المصروفين من الخدمة بمجرد صدور قرار تصحيح الاجور المنقوص اصلاً، بلغ حوالى 2500 عامل وموظف، والسؤال كيف سيكون الامر بعد تنفيذ القرار؟ ومن يحمي العامل واستمرارية عمله في لبنان؟ أما المؤشرات الاخرى المسجلة نتيجة الظروف السياسية الداخلية والخلافات من جهة، والتطورات الاقليمية من جهة ثانية فهي سلبية في اكثرها، مما يؤشر الى تزايد صعوبة مصادر التمويل لاحتياجات الدولة وعجز الموازنة خلال العام المقبل. ومن هذه المؤشرات المؤثرة:

1- على صعيد حركة الرساميل الوافدة فقد سجلت تراجعاً حتى بداية ايلول الماضي، بما نسبته حوالى 28,8 في المئة، حيث بلغ حجم هذه الرساميل الوافدة ما مجموعه 8,483 مليارات دولار مقابل حوالى 11,9 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي، أي بتراجع قدره 3,5 مليارات دولار في ثمانية اشهر، وهذا مؤثر على فرص العمل وتزايد البطالة، اضافة الى تراجع القدرات التمويلية لحاجات الاقتصاد وتمويل عجز الموازنة.

2- النقطة الثانية والهامة تتعلق بميزان المدفوعات الذي سجل عجزاً تراكمياً خلال الاشهر الثمانية الاولى من السنة بما مجموعه 1237 مليون دولار، مقابل فائض للفترة ذاتها من العام الماضي قدره حوالى 2754 مليون دولار، وهذا المؤشر الأكثر تعبيراً عن تراجع حركة دخول الاموال الى لبنان.

3- في المقابل هناك نمو في حجم الدين العام بلغ حوالى 6,4 في المئة خلال 8 أشهر، حيث بلغ الدين العام حوالى 53,4 مليار دولار مقابل حوالى 50,1 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي . وهذا يعني ان الخطورة في عودة نمو الدين العام بأكثر من النمو الاقتصادي المقدر واحد في المئة حتى شهر آب، مما يعني عودة وتيرة نمو الدين الى الناتج المحلي.

4- على صعيد الودائع فقد بلغت في بداية الشهر التاسع حوالى 112,9 مليار دولار، بزيادة قدرها حوالى 5,7 مليارات دولار، مقابل زيادة قدرها حوالى 6,9 مليارات دولار للفترة ذاتها من العام 2010 أي بتراجع في نمو الودائع من 7,3 في المئة في العام الماضي الى حوالى 5,4 في العام الحالي. هذا عنصر يعكس تراجع حجم دخول الاموال الى لبنان، نتيجة المؤثرات المختلفة، وهو يفترض ان يشكل عنصر زيادة في دخول الاموال وليس تراجعها، بمعنى أن لبنان لم يستفد من التطورات الاقليمية بجلب الرساميل الخارجة من مناطق التوترات القريبة منها والبعيدة.

5- التسليفات المصرفية بلغت حتى نهاية الشهر الثامن من العام 2011 ما مجموعه حوالى 38,9 مليار دولار، بزيادة قدرها حوالى 3987 مليون دولار مقابل زيادة قدرها حوالى 4861 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية. بمعنى آخر ان نمو التسليفات تراجع من 17,1 في المئة في الاشهر الثمانية الاولى من العام 2010 الى حوالى 11,4 في المئة، وهذا يعكس نوعاً من الركود الاقتصادي والحذر من التطورات السياسية والامنية الحاصلة في لبنان، اضافة الى الوضع في سوريا الذي انعكس تراجعاً على الحركة التجارية في لبنان.

6- مع الاشارة هنا الى أن نمو الصـادرات اللبنانية كان سيسجل نسبة اعلى بكثير من العام الماضي الى اسواق الدول المتـوترة تحديداً، الا انه لم يستـفد كما يجـب من هذا الواقـع بفعل التــخبط الداخلي اللبناني الذي يؤثر على كل القــطاعات. ومع ذلك فإن الصادرات الصناعية اللبنـانية سجـلت تحـسناً حتى نهاية آب بنســبة 6,3 في المئة وكذلك الصادرات الزراعية التي تحسنت بنسبة 12 في المئة وهي بلغت حوالى 131 مليـون دولار مقـابل حـوالى 117 ملـيون دولار للفترة ذاتها من السنة الماضية. أما الصادرات الصناعيـة فقد بلـغت حتى نهاية آب حوالى 2775 مليون دولار مقابل حوالى 2611 مليون دولار.

في المحصلة ان المؤشـرات الاقتصاديـة والاجتماعية اضافة الى مؤشرات المالية العامة تعكس واقعاً غير مريح لعـدة اعتبارات، اولها انقطاع الحوار الاقتصادي ـ الاجتماعي بين اطراف الانتاج وتزايد التباعد بين فريقي العمل في القطاع الخاص، وتزايد التشرذم في الحركـة النقابيـة العـمالية، مما يضعف تحركها وحركتها المطلبية في ظل تكتـل اصحاب العمل للدفاع عن وجهة نظرهم التي تحمي مصالحهم الاقتصادية وتضمن استمرارها وسط غياب شبه مقصود لدور الدولة الاساسي في ادارة الحوار ولو باستعجال إحياء وتفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي من شأنـه ان يلـعب دوراً هـاماً في إحياء الحوار المقطـوع بـين اطـراف العـمل الثلاثة، ويحد من التوتر الذي يتزايد يومـيا، وينـذر العمال بتحمل التبعات كونهم العنصر الاضعف في معادلة الدولة واصحاب العمل والحركة النقابية الضعيفة من حيث الصفة التمثيلية والمؤثرة.

عدنان الحاج

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن