أحداث مصر وتونس تسلط الضوء على المخاطر الناجمة عن انعدام الكفاءة في توزيع الدخل المتاح

تجدون أدناه آخر مقال للسيد غاري دوغان، الرئيس الأول للاستثمارات في الخدمات المصرفية الخاصة ببنك الإمارات دبي الوطني، والذي يوضح فيه أهمية أحداث مصر وتونس في تسليط الضوء على المخاطر الناجمة عن انعدام الكفاءة في توزيع الدخل المتاح، ومما جاء في المقال:
يسلط زوال النظام السابق في تونس والمشكلات المتنامية في مصر الضوء على ما نراه اختلالاً متزايداً في الاقتصاد العالمي، لاسيما وأن التضخم الملحوظ في أسعار السلع يعمق الهوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء في أنحاء عديدة من العالم، حيث يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً حتى قبل أزمة أسعار الغذاء الأخيرة التي شهدتها العديد من البلدان. ومن شأن الزيادة المستمرة لعدد سكان العالم أن تسبب ضغوطاً تصاعدية على أسعار السلع الأساسية، ولن يسهم ذلك سوى في تعزيز مخاطر الاضطرابات السياسية في أجزاء أخرى من العالم. ويتوجب على الاقتصاد العالمي العمل على نحو أكثر كفاءة لإنتاج وتوريد المواد الغذائية. كما يجب الحد من انعدام الكفاءة في مستوى الدخل كيلا تصبح الاضطرابات الاجتماعية والتغييرات السياسية الحادة سمة المرحلة الراهنة.
وتسيطر على المستثمرين حالة قلق مبررة تكشفت ملامحها على خلفية زوال النظام السابق في تونس وفوضى المشكلات المتنامية في مصر واليمن. ولعلنا نتساءل هنا عن أسباب اندلاع هذه الأحداث في الوقت الراهن؟ في الواقع، يمكننا القول إن هذه المشاكل ناجمة في المقام الأول عن افتقار السياسات الحكومية للبلدان آنفة الذكر لأي تغيير إيجابي على مدى عقود من الزمن. ومن منظور أشمل، نحث المستثمرين على توخي الحذر والتحلي بالوعي حيال الاختلالات المتنامية في العالم، والتي من شأنها أن تفضي إلى نوع من السخط السياسي. ولا بد من إدراك حقيقة أن هذه المشاكل ليست مقتصرة فقط على الدول الفقيرة؛ فالولايات المتحدة تواجه ما نراه حالة اضطرابات مؤقتة قد تجعلها عرضة لمشاكل شبيهة على المدى الطويل.
ولا نعتقد أن المشاكل والاضطرابات الحالية في تونس ومصر حدثت من قبيل الصدفة، لا سيما وأنها تزامنت مع تعرض العالم لأكبر موجة زيادة في أسعار الغذاء، والتي أدت إلى انخفاض الدخل الحقيقي للفقراء، وتعاظم الهوّة بين الأغنياء والفقراء. فقد أشار تقرير صادر عن الحكومة البريطانية إلى أن حقبة الأغذية الرخيصة بلغت نهايتها، وذلك مع توقع ارتفاع أسعار المحاصيل الأساسية بنسبة 50 إلى 100% خلال السنوات الأربعين المقبلة. ويشهد الغرب من جهة أخرى ظهور مشاكل عديدة في ما يخص العرض والطلب على الغذاء، خاصة في ظل استنزاف مصادر الغذاء جراء الدعم الحكومي والحواجز التجارية والهدر. ويقدر المحللون أن 30-50% من المواد الغذائية المنتجة تتعرض للهدر أو التلف قبل وصولها للمستهلك.
ويؤكد التقرير أيضاً أن حوالي 925 مليون نسمة يفتقرون للاحتياجات الغذائية الكافية، كما يعاني أكثر من مليار شخص من نقصٍ حاد في وجباتهم اليومية، بينما يستهلك حوالي مليار شخص أغذية بنسبة تفوق احتياجاتهم الضرورية، مما قد يعرضهم في نهاية المطاف إلى بعض المشاكل الصحية كالبدانة. فقد تبين، وبحسب التقارير الصادرة عن مؤسستي "روبرت وود جونسون"، و"تراست فور أمريكا هيلث"، أن حوالي ثلثي الأميركيين يعانون إما من السمنة المفرطة أو البدانة.
وستفضي سياسات التصنيع والزيادة المستمرة لعدد سكان العالم إلى فرض ضغوط تضخمية متصاعدة على أسعار السلع الأساسية، مما سيعزز من احتمال حدوث اضطرابات سياسية جديدة في أجزاء عدة من العالم. وسيبدو ارتفاع أسعار المواد الغذائية جلياً من خلال الزيادة العامة لأسعار السلع الأساسية التي ستزيد بدورها حجم التضخم العالمي.
كذلك، يلمح بعض المحللين إلى أن ارتفاع أسعار السلع ناجم في المقام الأول عن عوامل عرضية تشمل الظروف المناخية التي تؤثر سلباً على المحاصيل الزراعية الأساسية، والمتداولين ممن يتعاملون مع أسواق المشتقات المالية. وفي الحقيقة، أسهمت الزيادة المستمرة لعدد سكان العالم، وتعاظم القوة الاقتصادية للصين، والهند والبرازيل، في ارتفاع حجم الطلب على السلع بشكل مضطرد. ومن المتوقع أن يشهد تعداد سكان العالم مزيداً من النمو، حيث تشير توقعات الأمم المتحدة أن العدد سيرتفع إلى نحو 8.9 مليار نسمة بحلول عام 2050، مقارنة مع 6.9 مليار نسمة حالياً.
ومن الخطأ أن يرى الناس في الاضطرابات السياسية الناجمة عن اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء خطراً في البلدان الناشئة فقط، فالاختلال الأساسي بين الأغنياء والفقراء موجود حتى في أكثر البلدان تقدماً؛ وقد أشارت دراسة صدرت مؤخراً عن "معهد السياسة الاقتصادية" (EPI) إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة إلى أكبر مستوى لها منذ أن بدأ المسح عام 1962. وأوضحت الدراسة أن نسبة الـ 1% الأغنى بين الأسر الأميركية تملك 225 ضعفاً من الأموال التي تملكها الأسر الأمريكية العادية، فيما لم يتجاوز هذا الرقم 125 ضعفاً في عام 1960. وتفاقمت الأزمة المالية فقط لدى اختلال التوازن بين الأغنياء والفقراء عام 2009، حيث بلغ متوسط ثروة الـ 1% الأغنى من الأميركيين 14 مليون دولار منخفضة بنسبة 27% عما كانت عليه عام 2007، بينما شهدت أصول الأسر الأمريكية المتوسطة خلال الفترة الزمنية نفسها هبوطاً بنسبة 41% لتصل إلى 62,600 دولار، وذلك بسبب انخفاض أسعار المنازل. وقد زادت نسبة الأميركيين تحت خط الفقر إلى 6,3% من السكان، وهو أعلى مستوى تشهده السجلات المحفوظة منذ عام 1975.
وفي المرحلة الحالية، تبذل الولايات المتحدة جهوداً حثيثة من أجل تغطية هذه الهوّة عبر إقرار مجموعة من البرامج الحكومية؛ فعلى سبيل المثال، قفزت نسبة الأطفال ممن تغطيهم مظلة التأمين الصحي الحكومي- بما يشمل خدمات المساعدة والرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وبرنامج التأمين الصحي للأطفال- إلى 37%، أو ما يعادل 27.6 مليون، قياساً مع 24% في عام 2000. ويرى العديد من المحللين أن العجز الحكومي الأمريكي يمثل حالة مؤقتة، كما أن كسب ود الأغنياء الأقل حظاً من خلال التحويلات الحكومية للأموال المقترضة لن يكون بمثابة نموذج اقتصادي مستدام يمكن الاعتماد عليه.
ولعل أبرز التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الأمريكية تتمثل في توفير مستويات مقبولة من الرعاية الطبية للجميع ودخلٍ كافٍ للمتقاعدين خلال السنوات المقبلة. وقد تجد الحكومة نفسها مضطرةً لفرض ضريبة على الأغنياء من أجل ضمان المحافظة على مستويات متوسط دخل المواطن، وذلك على خلفية انهيار الأسواق المالية وغياب العدالة في توزيع الدخل المتاح على نحو أكثر كفاءة، وافتقار الناس للمدخرات النقدية.
ومن جانب آخر، تواجه صناديق المعاشات الحكومية في البلاد نقصاً في التمويل؛ حيث يبلغ متوسط حسابات خطة التقاعد 401(k) حوالي 46 ألف دولار فقط، بينما تبلغ القيمة الوسطية للحسابات 12,655 دولاراً، وذلك وفق المعلومات الصادرة عن "معهد أبحاث استحقاقات الموظفين". ومن المتوقع أن تكون هذه المبالغ غير كافية للتكفل بنفقات المواطن الواحد لفترة نصف عقد بعد مرحلة التقاعد.
خلفية عامة
بنك الإمارات دبي الوطني
تأسس بنك الإمارات دبي الوطني، المجموعة المصرفية الرائدة في المنطقة، في 16 أكتوبر 2007 حين أدرجت أسهم بنك الإمارات دبي الوطني في سوق دبي المالي رسميا، ويعتبر بنك الإمارات دبي الوطني نتيجة لعملية الإندماج بين بنك الإمارات و بنك دبي الوطني وأصبح خطة إقليمية لتعزيز القطاع المصرفي والمالي لأنه جمع بين ثاني ورابع أكبر بنكين في دولة الإمارات العربية المتحدة. وشكلت عملية الدمج مجموعة مصرفية قادرة على تقديم قيمة معززة عبر الخدمات المصرفية للشركات والأفراد والإستثمارية والإسلامية في المنطقة.
احتفلت مجموعة بنك الإمارات دبي الوطني في عام 2013 بالذكرى الخمسين لتأسيسها وذلك لتخليد الإنجازات البارزة التي حققتها المجموعة ولإبراز أسسها المالية الراسخة وتاريخها العريق ومستقبلها الواعد.
بنك الإمارات دبي الوطني هو مجموعة مصرفية رائدة في منطقة الشرق الأوسط. كما 31 مارس 2019 بلغ مجموع أصول المجموعة 525.8 مليار درهم (ما يعادل تقريبا 143 مليار دولار أمريكي). وتعتبر المجموعة رائدة في مجال تقديم الخدمات المصرفية الرقمية، ومساهماً رئيسياً في الصناعة المصرفية الرقمية على المستوى العالمي، وسجل البنك تنفيذ أكثر من 90 في المائة من التحويلات المالية والطلبات خارج فروع البنك. وحصد بنك الإمارات دبي الوطني جائزة "مؤسسة العام للخدمات المالية الأكثر ابتكاراً" خلال حفل توزيع جوائز الابتكار العالمية "بي ايه اي" 2017. وتقوم المجموعة بتقديم أعمال مصرفية رائدة للأفراد في الدولة من خلال شبكة فروعها التي تضم 234 فرعاً إضافة إلى 1076 جهاز صراف آلي وجهاز إيداع فوري في الدولة وفي الخارج. كما يمتلك بنك الإمارات دبي الوطني حضوراً قوياً في وسائل التواصل الاجتماعي ولديه عدد كبير من المتابعين، وهو البنك الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي يصنّف ضمن الـ 20 المرتبة الأولى في تصنيف "Power 100" الذي تعدّه "ذا فايننشال براند".