حذر مراقبون في أسواق الاوراق المصرية من تعرض البورصة لأزمة جديدة خلال الاوقات الراهنة، رغم التحسن الذى شهدته خلال فترة الانتخابات البرلمانية؛ بسبب ارتفاع الديون الحكومية باستمرار اعتماد الحكومة على الاستدانة المحلية عن طريق طرح سندات وأذون خزانة لتمويل عجز الموازنة، وما يتبعه من ارتفاع في أسعار الفائدة، مما يجعل إيداع الأموال في البنوك له مكاسب أفضل من البورصة، أو حتى الاستثمار المباشر في المشروعات الإنتاجية، إضافة إلى توقف البنوك عن الإقراض، والاعتماد على شراء أذون الخزانة الحكومية ذات الفائدة العالية.
وطبقاً لإحصاءات البنك المركزي الصادرة في سبتمبر 2011، فإن الدين العام لمصر بلغ 452,1 تريليون جنيه، والديون الخارجية 120 مليار جنيه، بما يعادل أكثر من 19% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، والذي يبلغ 373,1 تريليون جنيه، والمشكلة أصبحت الآن في نمو مستمر وغير متوقف لحجم هذا الدين.
ويؤكد الجميع أن ارتفاع الدين المحلي وتجاوزه حاجز التريليون جنيه، سيؤثر سلبا على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، وهو ما يفسر اتجاه المؤسسات الدولية إلى تخفيض التصنيف الائتماني سواء للحكومة أو للبنوك، ويأتي معظم الدين المحلي من استمرار الحكومة في إصدار سندات وأذون خزانة بصفة أسبوعية لدعم الموازنة العامة للدولة لمواجهة العجز المرتفع، وبمعدل فائدة 13,9% وهي فائدة عالية جدًا، وتعتبر مستويات قياسية لم تبلغها من قبل إلا بشكل مؤقت. وطبقًا لبيانات البنك المركزي المصري، فإن نسبة الدين الخارجي في مصر تصل إلى حوالي 2,51% من الناتج المحلي الإجمالي، تمثل الديون القصيرة الأجل منها، الديون الواجب سدادها في الوقت الحالي ما نسبته 8,8% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكد المركزي أن مديونيات الحكومة ارتفعت لتصل إلى 351 مليار جنيه بزيادة 60 مليار جنيه خلال الفترة من يناير، وحتى نهاية أغسطس الماضي، وجاء على رأس الدائنين البنوك العامة، وارتفعت مديونيات الحكومة للبنوك العامة ممثلة في بنكي الأهلي ومصر إلى 107,3 مليارات جنيه، بعد أن كانت تسجل نحو 76,7 مليار جنيه. ووصلت قدرة مصر على السداد إلى مستوى 40 نقطة في عام 2011، مقارنة بمستوى 60 نقطة في عام 2008. وقال نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار محسن عادل إن «الحدود الآمنة للدين، تعني في أبسط تعريفاتها، النسبة التي تمثلها الديون نفسها، وتكاليف خدماتها أقساط وفوائد من إجمالي الموارد المالية المتاحة للدولة، وهو ما يعني أن الدولة قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات أو الدول الدائنة»، مشيرًا إلى أن «نمو نسبة الدين الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي، موضحًا أن الزيادة في المعدل تحد من القدرة على الاقتراض، مما يقلل من فرص الاستثمار الداخلي التي يأتى تمويلها في الغالب من خلال الاقتراض من المؤسسات الدولية، كما أنه في حالة عجز أى دولة عن سداد أقساط الديون في مواعيدها المحددة فإنه يتم إشهار إفلاسها». وأكد عادل أن الخطورة الحقيقية لهذه المديونيات تكمن في حالة عدم القدرة على سداد أقساط الديون، ومن هنا تكمن أهمية وجود استثمارات محلية ضخمة وعدم الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية فقط، ولابد من زيادة الناتج المحلي من خلال زيادة إنتاجية العمال، وترشيد الإنفاق الحكومي والبحث عن موارد جديدة لتمويل الموازنة العامة للدولة وخفض العجز فيها حتى لا تضطر مصر إلى الاستمرار في الاستدانة من الخارج أو الداخل.
وأضاف أن الموازنات القادمة ستخصص مبالغ أكبر في كل مرة لسداد أقساط وأصول الدين، وبالتالي تنتقص هذه الخدمة مما يتلقاه المواطن من خدمات أخرى، في ظل محدودية موارد الموازنة وعدم دخول أي مصادر جديدة من شأنها تنمية هذه الموارد، مشيرًا إلى أن الخطورة الحقيقية تكمن فيما وصل إليه الدين العام المصري، وخاصة في الفترة الحالية، حيث إن الدولة تستدين لتمويل الإنفاق الجاري، وتطرح سندات وأذون الخزانة حاليًا، ليتم تمويل متطلبات الدعم وتوفير السلع الغذائية ودفع أجور الموظفين في الدولة، أما طريقة تمويل الدين فتسير بين طريقين كليهما خطر، الأول: تسدد الدولة الدين من مصادر ومدخرات حقيقية، والثاني: تقرر الدولة أن تطبع المزيد من أوراق النقد، مما يعني انفجارًا جديدًا في الأسعار، وزيادة في التضخم، الذى تعاني منه مصر أصلاً.
ترشيد الإنفاق
ومن جانبه، دعا المحلل المالي صلاح حيدر، إلى الادخار وترشيد الإنفاق لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، وخاصة وسط التحذيرات من موجة في تضخم الأسعار تفوق أي زيادة بالرواتب إذا لم تدر عجلة الإنتاج في أسرع وقت ممكن. وأشار إلى أن الاستدانة سواء من الداخل أو الخارج ليست حلا، لأنها تكبل الدولة لسنوات كثيرة قادمة وتعوق النمو، وأعتقد أن السياسة النقدية لمصر ستبقى موجهة نحو تجنب زيادة أسعار الفائدة، الأمر الذى سيساعد على استقرار العملة، وفي الوقت نفسه ضمان أن تبقى الضغوط التضخمية تحت السيطرة. وأكد أن ما يحتاج إليه الاقتصاد هو زيادة الإنتاج بما تتطلبه زيادة الإنتاج وزيادة الاستثمارات، وربما يحتاج هذا إلى عدم زيادة كُلفة الاقتراض، كما أن مصر مازالت بحاجة إلى استعادة المستثمرين الأجانب لتخفيف الضغط على البنوك المحلية والمساعدة على تمويل عجزها المالي المتوقع أن يبلغ 10% من الناتج المحلي الإجمالي في ,.2011 في إشارة منه إلى ضرورة اتخاذ سياسات اقتصادية أكثر فاعلية وتأثيرًا على المدى القصير تساعد على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، من خلال عدد من القرارات والإجراءات التحفيزية والتنشيطية للاستثمار.
وأضاف أن الانتخابات ستجلب معها تركيزًا قويًا على تعزيز العدالة الاجتماعية، وهو من شأنه أن يتناغم مع التوقعات الشعبية، لكنه قد يخيب آمال أولئك الذين يأملون في رؤية تسارع في الإصلاحات الاقتصادية، وخاصة أن صانعي القرار في مصر يواجهون الآن تحديًا إضافيًا، يتمثل في أن التوقعات الاقتصادية العالمية السيئة ستؤثر على انتعاش تدفق الاستثمارات والسياح. وأشار حيدر إلى أن الأولوية العاجلة تتمثل في ضمان تمويل كافٍ لحماية الاقتصاد خلال العام المقبل، لكنه يضيف أهمية البدء بطرح أجندة متوسطة المدى، تشمل مثلاً إصلاح نظام الاعانات الحكومية، التي تشكل عبئًا كبيرًا على الميزانية، وأن تضع سياسات لتحقيق نمو أعلى وأكثر شمولاً، يشمل تمويلاً وتنظيمًا أسهل للشركات والمشروعات الصغيرة التي تعاني حاليًا من أجل الحصول على قروض مصرفية.