تزداد حالة التفاؤل في مصر حول مشوار تحسين الأحوال الاقتصادية في البلاد، بعد الكساد الذي لحق بثورة يناير، وما أعقبها من صعوبات على أرض الواقع الاقتصادي، والسعي إلى تعديل الأولويات المجتمعية لصالح عدالة التوزيع مع عدم إغفال النمو، والتحول من قيم الربح السريع والمضاربة السائدة إلى قيم الإنتاج والقيمة المضافة؛ ليكون المنتجون في صدارة المشهد الاقتصادي وليس السماسرة، والخروج من حالة اختيار القيادات الإدارية بسبب عوامل الولاء إلى عوامل الكفاءة، ومن شيوع مؤشرات اقتصادية تجميلية لا يشعر بها أغلب الناس، إلى مؤشرات اقتصادية حقيقية تستند إليها دراسات الجدوى للمشروعات وتمكنها من التوقع المستقبلي لنشاطها بشكل أكثر دقة.
وكان بعض خبراء الاقتصاد قد قدروا تكلفة الفساد التي يمكن توفيرها للموازنة سنويا بنحو عشرة بلايين جنيه بما يساعد على تقليل الإنفاق على المظاهر، والاحتفالات، والسفريات، والسيارات الحكومية الفخمة، والمستشارين وغيرها من المصروفات الحكومية التي أسهمت في زيادة العجز في الموازنة العامة للبلاد.
ويرى اقتصاديون أنه إذا كان الاستثمار في مصر، في بعض القطاعات سيحتاج إلى وقت، فإن هناك مجالات ستجد رواجا أسرع، ومنها القطاع الغذائي والاستهلاكي والدوائي؛ لمقابلة احتياجات السوق الاستهلاكية والتي قوامها تعداد مصر الكلي والذي يبلغ 80 مليون نسمة. كذلك يشير الخبراء إلى ضرورة الإقلال من الاحتكار؛ لتحقيق استفادة أكبر من رجال الأعمال في المجالات التي يتفشى فيها الاحتكار سواء في إنتاج السلع أو استيرادها أو توزيعها.
كما يرى هؤلاء أن ضخامة حجم الاقتصاد غير الرسمي يعد مؤشرا على إمكانية تحول جزء منه إلى اقتصاد رسمي، بما يزيد حجم الناتج المحلى الإجمالي. وفي الإطار ذاته، يعد ضعف العادة المصرفية بالمجتمع المصري من خلال قلة عدد من لديهم حسابات بالبنوك اتساعا في المجال أمام المصارف لزيادة عدد عملائها ونشاطها.
مناخ جديد
ويوصي الخبير الاقتصادي د.حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقا، بضرورة توجيه حوافز الاستثمار للإنتاج وليس للاستثمار المالي، كما هي الحال الآن بإعفاء الأرباح الناتجة عن التعامل بالبورصة أو أرباح صناديق الاستثمار من الضرائب، بينما تخضع المشروعات الإنتاجية للضرائب المتنوعة، مما دفع الكثير من التجار والمحاسبين والمحامين والأطباء إلى ترك أنشطتهم الخدمية والتفرغ للتعامل بالبورصة.
ويطالب بضرورة رفع أيدي جهات الجباية المتعددة عن رقاب المنتجين، وهو ما كان السبب المباشر لفرار مستثمرين من مجال الإنتاج السلعي والخدمي بسبب ذلك التعسف، واتجاه بعضهم لأعمال السمسرة والمضاربة. وعندما يشعر المستثمر المحلي بوجود تغيير حقيقي، وليس شكليا في مناخ الاستثمار سواء من النواحي السياسية أو الاقتصادية أو التمويلية أو التشريعية فسوف يبدأ بالاستثمار، سواء في شكل مشروعات جديدة ولو محدودة القيمة على سبيل تحسن الأمور أو بالتوسع التدريجي في المشروعات القائمة.
وعندما تزداد استثمارات المصريين بالداخل ستجلب أيضا استثمارات من المصريين بالخارج، وسيعقبها استثمارات من الأجانب عندما يدركون أن القانون الطبيعي هو سندهم وليس أبناء المسؤولين لدخول السوق أو الاستمرار فيه، وأن المؤشرات الاقتصادية المعلنة حقيقية وليست مزيفة، سواء عن معدلات التضخم أو عجز الموازنة والتضخم وغيرها لتكون استثماراتهم مبنية على بيانات صحيحة، سواء كانت بيانات حكومية أو بيانات تخص سوق العمل أو عن المنافسين لهم بالسوق.
فيما يقول د.محمد إبراهيم أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية، إن سيادة مناخ جديد يهتم بالمواطن أولا بعد ثورة يناير يساهم في تحقيق الأمن على المستوى المعيشي للمواطن من خلال الحد الأدنى المناسب للأجر، والبدل المناسب عند تعرضه للبطالة، ورفع سقف المستوى الضريبي الحالي على الأجور، بما يقلل من المدفوعات الضريبية وتحسين الخدمات الطبية والتعليمية، كذلك تنعكس إيجابيات ذلك على التوجه الإنتاجي من خلال تشجيع الاستثمار في الزراعة والصناعة على حساب الاستثمار المالي والمضاربة في البورصة، وهو الاستثمار الذي لا يضيف للناتج المحلي الإجمالي شيئا. وقد بلغت قيمة تعاملات البورصة المصرية في السنوات الأخيرة 1.299 تريليون جنيه لم تضف آلة في مصنع.
دعم مالي
وعلى مستوى سوق المال المصرية، ودعمها للمساهمة في تحسين قوام الاقتصاد، يقول المحلل المالي محسن عادل: إن سوق المال المصرية تعاني من أزمة ثقة في الوضع السياسي، ومن انخفاض السيولة المالية التي يجب أن تضخ لتنشيط عمليات التداول.. مؤكدا أن أزمة الثقة ستنخفض بشكل واضح بعد تحديد موعد الانتخابات البرلمانية وبعد إعادة تفعيل قانون الطوارئ للسيطرة على عملية الانفلات، وإعادة السيطرة الأمنية الكاملة للشارع.
ويضيف أن أزمة السيولة المالية ستختفي إذا حدث دعم مالي من الدولة في شكل صناديق استثمار مغلقة طويلة الأجل تدعم السوق وتحمي أصول الدولة التي تعاني أسعارها في الوضع الحالي للبورصة من تدني الأسعار بشكل ينذر بدخول جهات أجنبية تستحوذ عليها وبأسعار متدنية مما يعرض الأصول المصرية للخطر ونقل المكاسب من القيمة المضافة إلى المتعامل الأجنبي.. مشيرا إلى أن دعم الدولة كان يجب أن يبدأ من وقت مبكر الأمر الذي كان من المحتمل أن يمنع خسارة وصلت لـ22 بليونا.
ويؤكد عادل أن هذه الصناديق سيكون لها عائد استثماري كبير عند انتهاء فترة استثمارها بعد عدة سنوات.. مشيرا إلى أن أسواق المال في المنطقة العربية تم إنقاذها من تداعيات الأزمة المالية العالمية الأخيرة بعد دعم الحكومات لها بشكل كبير؛ لإخراجها من أزمتها وإعادة قدراتها على العمل بشكل إيجابي. ويوضح بأن البنوك الحكومية تركن إلى أذون الخزانة التي تعود عليها بعائد لايقل عن 13 %، بينما تبتعد بلا مبرر عن صناديق الاستثمار السيادية رغم تراكم المدخرات فيها.. محذرا من الاستحواذ الأجنبي على الشركات المصرية، وهو ما حدث بعد استحواذ شركة سويدية على أكبر شركات إنتاج الأجهزة المنزلية المصرية ومحاولات أخرى للاستحواذ على شركات العقار.. مؤكدا أنه يثق في أن الجهات الرقابية تتابع عن كثب سوق المال إلا أنها تفتقد لسرعة التحرك؛ لتقليل الخسائر، والمحافظة على أسعار الأصول المصرية مرتفعة.