يُعد العام الماضي من اصعب السنوات اقتصاديا على المستوى الكلي وعلى الفقراء ومحدودي الدخل، وحسب الارقام والاحصاءات الاولية فان معدل التضخم يتجاوز 5.5%، وان معدل البطالة نحو 13.4%، اما الفقر فقد استمر فوق 14% مع زيادة بؤر العوز في محافظات المملكة، وشهدت السوق التجارية تباطؤا ملموسا، وتراجعت المقبوضات السياحية بمعدل 17%، وتحويلات المغتربين بـ 4.5% تقريبا، اما الميزان التجاري فقد سجل عجزا 5.3 مليار دينار في نهاية الربع الثالث من العام الماضي، وسجل الحساب الجاري عجزا مقلقا بلغت نسبته 9.8% من الناتج المحلي الاجمالي، وانخفضت التدفقات النقدية بمعدل 14.4% في النصف الاول، وخسر الاقتصاد الاردني عددا من النقاط ضمن التصنيفات والتقارير الدولية.
ارقام المالية العامة تشير الى ارتفاع المديونية الى مستوى قياسي، وان حجم مشروع الموازنة العامة للعام الحالي 6837 مليون دينار وبعجز يقدر بـ 1027 مليون دينار، وبرنامج رأسمالي مقدر بـ 998 مليون دينار، ومشروع موازنات الوحدات المستقلة البالغ 1819 مليون دينار منها 827 مليون دينار للمشاريع الرأسمالية، اي ان النفقات كبيرة جدا وان كانت قريبة كرقم مطلق من موازنة العام الماضي، وهي لا تتوافق مع الفرضيات المعدة والتي وضعت في مقدمتها الاعتماد على الذات وتضخيم الايرادات المحلية بشكل خاص، الامر سيضع المالية العامة امام تحديات جديدة في ظل ظروف اقتصادية غير مؤاتية، وسيكون اليد الاعلى في اسعاف الموازنة المنح والهبات العربية والخارجية والاقتراض الداخلي في ضوء تخفيض التصنيف الائتماني للعملة الاردنية والديون السيادية التي اعتمدت على الاسواق العالمية.
وفي ضوء هذه المعطيات المالية والاقتصادية الاجتماعية فان مسألة الدعم للسلع الاساسية الى جانب ضبط اسعار المحروقات والطاقة والكهرباء تتطلب رعاية خاصة بما يساهم في اتاحة الفرص للقطاعات الاستثمارية مواصلة النمو او عدم ترتيب تكاليف اضافية على اقل تقدير، وهذا لا يمكن التنبؤ به في ضوء تطورات اسواق الطاقة العالمية، فاذا ارتفعت اسعار النفط لاسباب سياسية وعسكرية تحديدا في منطقة الخليج العربي وسط «تبادل التهديد بين ايران وامريكا» الى مستويات عالية فان الاقتصاد الاردني والاقتصاد العالمي سيواجهان استحقاق نقص المعروض النفطي، وان علينا وضع سيناريوهات بديلة لمواجهة ذلك الذي قد يستمر اشهر.
هناك قناعة بأن الازمة الاقتصادية والصعوبات المالية التي نجتازها تكاد تكون عامة من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب، وازمة منطقة اليورو مثال على ذلك، الا ان الدول الفقيرة وتحديدا التي تشهد تباطؤا في حصة الفرد من الناتج المحلي، وارتفاع الديون والعُجوز المالية تؤثر بقوة على المواطنين وتضعف قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الاساسية السلعية والخدمات، والاردن يقع ضمن هذا التصنيف وتتطلب سلوكا ماليا استثنائيا بعيدا عن التوسع في الانفاق لا سيما الجاري، اما الانجراف وراء الشعبوية في القرارات فقد يوصلنا الى مرحلة لا نستطيع الاستمرار فيها، وهذا ما نخشاه.