المولود ذكر ..!

تاريخ النشر: 12 يونيو 2010 - 01:50 GMT
المولود الذكر ينسجم والثقافة الاجتماعية التي سادت في المجتمعات الزراعية وانتقلت إلى المجتمعات العشائرية
المولود الذكر ينسجم والثقافة الاجتماعية التي سادت في المجتمعات الزراعية وانتقلت إلى المجتمعات العشائرية

البوابة-محمد الفضيلات

تبدو ملامح أم خالد البالغة من العمر 37 عاما شاحبة تشعرك وكأنها تخطت الخمسين من عمرها، ورغم معاناتها مع مرض ألدسك تواصل العمل خادمة في البيوت لتامين إعالة أسرتها المكونة من تسعة أفراد، بعد أن هجرها زوجها قبل ستة أعوام.

ام خالد كانت تزوجت في عمر التاسعة عشرة من رجل يعمل سائقا في شركة مقاولات تقول "عندما أنجبت المولود الأول أنثى كان الأمر عاديا، لكن الاستمرار في إنجاب الإناث جعلني اشعر بالخوف "، خوفها من ان يقوم زوجها بتطليقها أو الزواج عليها لاجل "إنجاب ذكر يحمل اسمه".

مخاوف أم خالد دفعتها لمواصلة الإنجاب بغية الحصول على مولود ذكر، وهو حلم تحقق في النهاية بإنجاب توائم ذكر بعد سبع إناث.

أم خالد، التي طلبت عدم الإفصاح عن اسمها الحقيقي، تؤكد أن الـ 150 ديناراً التي تحصل عليها لقاء عملها الشاق لا تكفي لتلبية متطلبات الأساسية للأسرة وتسديد أجرة البيت المكون من غرفتين ومطبخ وحمام البالغة 50 دينارا حيث تقيم في إحدى ضواحي عمان الشرقية.

ولا تجد ام خالد، التي هجرها زوجها بسبب إنجابها إناثا، حرجا في قبول الصدقات التي تأتيها من عائلات ميسورة وتقول إنها " تساعدني على مواصلة الحياة".

سواء كانت تعلم أم لا، فإن أم خالد ساهمت إلى جوار العديد ممن أنجبن عدد كبير من المواليد في الحفاظ على نسبة خصوبة عالية.

وبحسب نتائج مسح السكان والصحة الأسرية في الأردن لعام 2007 فان معدل الخصوبة لم ينخفض الى المستوى المطلوب حيث بلغ 3.6 طفل للسيدة الواحدة مقارنة مع 3.7 طفل في عام 2002 .

كما يكشف تحليل سكاني نفذه المجلس الأعلى للسكان منتصف العام 2009 ان ارتفاع نسبة المتزوجين في سن متأخرة وانخفاض نسب استخدام وسائل تنظيم الأسرة هي من مسببات تباطؤ الانخفاض في معدل الخصوبة الكلي.

وأشار التحليل إلى إمكانية خفض معدل الخصوبة الكلي من 6ر3 مولودا لكل امرأة إلى 1ر3 عام 2012، من خلال  رفع نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة لتصبح 62بالمئة خلال السنوات الخمس المقبلة بدلا من وضعها الحالي البالغ 1ر57بالمئة.

البحث عن المولود الذكر ينسجم والثقافة الاجتماعية التي سادت في المجتمعات الزراعية وانتقلت إلى المجتمعات العشائرية، بحسب دكتور علم الاجتماع في جامعة الزرقاء الأهلية محمود عطا.

وبحسبه فان المولود الذكر بالنسبة للعائلات في المجتمع الأردني يمثل من الناحية الاجتماعية العزوة والقوة والمنعة، فهو الذي يحمل اسم العائلة ويرعى أخواته الإناث. ومن الناحية الاقتصادية فان الذكر، ورغم دخول المرأة سوق العمل، لا يزال يعتبر الشخص المنتج والقادر على تحمل الأعباء الأسرية.

يقول عطا في ظل سيطرة ثقافة "المولود الذكر" ستبقى المرأة تشعر بالخوف إلى حين إنجابها للذكور، مؤكدا أن تغيير هذه الثقافة الاجتماعية يحتاج لزمن طويل ويتطلب العمل على إبراز دور الأنثى الاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمع.

ورغم ان عدد الإناث في المجتمع الأردني يكاد يقترب من عدد الذكور فان ثقافة "المولود الذكر" لا تزال مسيطرة فقد أشارت  بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2010 ان عدد السكان المقدر في نهاية العام 2009 بلغ 5.98 مليون نسمة منهم 2.90 مليون أنثى و 3.08 مليون ذكر.

يرجع الباحث في القضايا الإسلامية الدكتور حمدي مراد سيطرة هذه الثقافة الى أسباب عشائرية مبرئا الدين منها.

يقول مراد " النظرة المقدسة للذكر والمهينة للأنثى حرام شرعا وتدل على جاهلية حذر منها الإسلام".

لم يشفع لأم خالد إنجابها ذكورا بعد اثني عشر عاماً من الانتظار، وقد تحولت مخاوفها إلى حقيقة بعد أن هجرها زوجها للاقتران بأخرى. 

تقول" بدأ زوجي يتذمر من مصاريف العائلة، وتحولت فرحته بأولاده الذكور إلى نكد متواصل، يشتكي من كبر العائلة، وترك أولاده دون معيل ليتزوج بأخرى".

في الوقت الذي يؤكد فيه شعار اليوم العالمي للسكان للعام 2008 على حق الأزواج في اتخاذ القرارات المتعلقة بتنظيم أسرهم بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية وتمكين المرأة وتعليمها لما له من انعكاسات إيجابية على صحتها وصحة طفلها وعلى المجتمع بشكل عام، تعترف أم خالد بأن قرار الإنجاب لم يكن في إرادتها " كان يجب علي إن أنجب أولادا ( ذكور)".

يؤكد الدكتور حمدي مراد أن "تنظيم الأسرة جائز شرعا في حال توفر ضرورة، على أن تكون الضرورة ناتجة عن أسباب فردية وليست على مستوى المجتمع".

والدكتور محمود عطا يدافع عن حق الأسرة في تنظيم النسل، مشيرا إلى المردود الايجابي لهذا على حياة الأسرة في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ويذهب عطا إلى حد تأييد وضع سقف أعلى للإنجاب داخل كل أسرة والمباعدة بين المواليد. 

 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن