يتميّز التونسيون بحرصهم على المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم الغذائية المتوارثة بالرغم من مرور السنين وتغيّر الأزمنة والأحوال، فينكبّون على حفظها ويسعون إلى تطويرها بحســــــب ما تقتضيه المتـطلبات.
وتحظى هذه العادات الغذائية باهتمام متزايد في شهر رمضان، لكونه شهر يحنّ فيه الشيب والشباب من التونسيين إلى عادات الأجداد وطرقهم في الاحتفاء به، وهو ما يبدو جلياً من خلال الإقبال المتضاعف على إعداد أصناف شتّى من الحلوى باتت بتوالي السنين جزءاً من الهوية الرمضانية للتونسيين.
وتعدّ حلوى «الزلابيا» و«المخارق» الأكثر شهرة على موائد السمر الرمضاني لدى العائلات التونسية لأصالتها وتجذرها في عمق العادات الغذائية التونسية، فلا يمكن الاستغناء عنها في شهر الصوم ولا توضع مائدة إلا وقد زيّنت بعناية فائقة بأحد أطباق «الزلابيا» و«المخارق».
وتعد «الزلابيا» بشكلها الدائري ضمن حلقات صفراء وحمراء مترابطة، أكثر الحلويات الشعبية شهرة في الأسواق التونسية، بل وفي عدد من أسواق دول المغرب العربي على غرار الجزائر وليبيا.
وتصنع هذه الحلوى من عجينة سائلة متجانسة يميل طعمها إلى الحموضة، وتوضع في شكل حلقات مستديرة صغيرة «المشبكات» في الزيت، وحالما تنضج ترفع لتستقطر زيتها قبل أن تغمس في عسل السكر أو في «الشحور» كما يسمّيه التونسيون.
وقبل أن تُعرض، يضع الحلواني بعناية فائقة حلقات «الزلابيا» في مادة ملونة عادة ما تكون حمراء أو صفراء، ما يزيد في جمالها، علماً أن كثيرين يفضّلون لونها الأبيض الطبيعي.
ويروي الحاج شوقي، وهو صاحب محلّ لبيع هذا النوع من الحلوى، أن «السرّ في الزلابيا التونسية يكمن في شطارة أصابع الحلواني التي تعدّها وخاصّة خبرة السنين الطويلة التي تعطي لمنتجاتي طعماً لذيذاً لا يقارن مع بقية التجّار».
ويؤكد أن عدد المترددين يومياً على محلّه يقدر بالمئات من مختلف الشرائح العمرية، ومن جميع جهات البلاد، ساعياً بذلك إلى الترويج لبضاعته سيما في ظلّ منافسة شديدة بين «حوانيت» بيع الزلابيا المتعدّدة، وخاصّة في وسط أسواق المدينة العتيقة.
وبحسب الحاج شوقي، تصبح مهنة صنع الحلويات الشعبية وبيعها في شهر الصوم من بين المهن التقليدية الأكثر ربحاً على خلاف بقية أشهر السنة، حيث يقلّ الإقبال على الحلويات التقليدية لاسيّما مع المنافسة التي نجدها مع بعض الحلويات العصرية.
في الوقت ذاته، من الضروري التأكيد أن حلويات «الزلابيا» لا يمكن تقديمها في السهرات الرمضانية وحيدة دون أن تكون مرفوقة بحلويات «المخارق»، التي لها هي الأخرى طعماً خاصاً وقيمة مميّزة في صنوف الحلويات التونسية.
وتعرف مدينة باجة، في الشمال الغربي من البلاد، بكونها الموطن الأصلي لحلويات «المخارق» والتي انتشرت على مرّ السنين في أعماق المغرب العربي بل ووصلت الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط في دول كفرنسا وإسبانيا.
في عمق هذه المدينة العتيقة، يروي صاحب أقدم محلّ لبيع «المخارق» في باجة بل وفي تونس محمد بالشريفة أن محلّه يعود إلى ما قبل أكثر من 300 عام وقد اختصّ في صناعة «المخارق».
مشــــيراً إلى أصوله الــــتركية وهي «عائــــلة الــــشريف» التي كانت قريــــبة من الباب العالي قــــبل أن تستقر في تونــــس مع قدوم العثـــمانيين في القرن الـ16.
واستطاعت هـــــذه المحلات التي ورثـــــها عن جــــدّه المحافظة على مكانتــــها في الســــوق، وباتت المقــــصد الأوّل لكـــــلّ من يــــزور باجــــة ويبغــــي تذوّق «مخـارقها».
ويظل المحلّ مكتظاً ساعتين قبل موعد الإفطار، فالإقبال قياسي خلال هذا الشهر ما يقضي وجود حوالي عشرة أشخاص يعملون فيها كلّهم من عائلة بالشريفة.
ويشير صاحب المحل إلى وصفة صنع «المخارق» المكونة، على حدّ ذكره، من عجين أساسه السمن الأصلي والطحين الفاخر والبيض الطبيعي، ويقلى في شكل حلقات سميكة في الزيت، ويوضع بعد نضجه في «الشحور» أو عسل السكر.
كما أن عملية بيع «المخارق» تتم في جرّة من الفخار الأحمر الأصيل الذي تختصّ به المدينة، وتوضع فيها حلقات «المخارق» بشكل مرصّف. (عن «الأناضول»)
صانع حلويات تقليدية في تونس (المصدر: الأناضول).
