يترقب لبنان تداعيات صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري بعد تأكيد تضمين القرار مذكرات توقيف في حق اربعة عناصر في حزب الله واستمرار الانقسام السياسي الحاد بين فريق الحزب الشيعي وفريق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
واكد وزير الداخلية اللبناني مروان شربل لوكالة فرانس برس الجمعة ان اسماء المتهمين الاربعة الذين وردت اسماؤهم في مذكرات التوقيف الدولية هي نفسها التي تداولتها الخميس وسائل الاعلام، وهي مصطفى بدر الدين وسليم العياش واسد صبرا وحسين عنيسي.
وينتمي الاربعة الى حزب الله الذي لم يدل بعد باي تعليق على مسالة تسلم لبنان من المحكمة الدولية المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القرار الاتهامي المتضمن اربعة مذكرات توقيف.
وسيحدد الامين العام لحزب الله حسن نصرالله موقف حزبه من القرار الاتهامي السبت الساعة الثامنة والنصف مساء (17,30 ت غ) عبر تلفزيون "المنار".
ومن لاهاي، رحب المدعي العام في المحكمة الدولية الجمعة بالتصديق على القرار الاتهامي وتسليمه الى السلطات اللبنانية، مشيرا الى استمرار التحقيقات في الجريمة والى احتمال تقديمه قرارات اخرى "في اي مرحلة".
ودعت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الجمعة جميع الاطراف في لبنان الى "التعاون" مع المحكمة الخاصة بلبنان. وقالت كلينتون في بيان "ندعو الحكومة اللبنانية الى تنفيذ واجباتها تجاه القانون الدولي ودعم المحكمة الخاصة".
واعتبرت وزيرة الخارجية الاميركية ان القرار الاتهامي "مرحلة مهمة" تقدم للبنان "فرصة الابتعاد عن تاريخه الطويل من العنف السياسي". ودعت كلينتون كذلك "جميع الاطراف الى التشجيع على اجواء سلمية والتعاون مع المحكمة التي تقوم بواجباتها في صورة مهنية وغير مسيسة".
واعلن المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ان "الاجراءات القانونية لتنفيذ مذكرات التوقيف التي تسلمها من وفد المحكمة الدولية اخذت طريقها الى التنفيذ وفقا للاصول منذ امس".
واعلنت الشرطة الدولية (الانتربول) الجمعة انها طلبت من المحكمة الخاصة بلبنان التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في 2005، السماح بنشر معلومات عن المشتبه بهم المطلوبين.
وقالت الانتربول في بيان "حتى الان لم تتلق الشرطة الدولية اي طلب من قبل المحكمة الخاصة بلبنان لنشر مذكرة حمراء (...) او لادخال في قاعدة معطيات الانتربول معلومات عن مطلوبين في جريمة اغتيال رفيق الحريري".
وقالت شرطة الانتربول "لا يمكن للشرطة اعتقال اشخاص خطيرين او منعهم من عبور الحدود (...) استنادا الى معلومات نشرتها وسائل الاعلام"، انها "بحاجة الى اذن سلطات قضائية او حكومية".
وبحسب تلفزيون المؤسسة اللبنانية للارسال، فان "مصطفى بدر الدين هو شقيق زوجة (القيادي في حزب الله) عماد مغنية (الذي اغتيل في 2008 في دمشق)، وعضو المجلس الجهادي وقائد العمليات الخارجية في الحزب. وبحسب المذكرة، هو من خطط واشرف على تنفيذ العملية التي استهدفت رفيق الحريري".
وسليم العياش "هو احد كوادر حزب الله، وبحسب مذكرة التوقيف هو مسؤول الخلية المنفذة للاغتيال ومشارك في التنفيذ".
اما اسد صبرا وحسين عنيسي (من مواليد 1974)، فمتهمان ب"التواصل مع ابو عدس واخفائه في مرحلة لاحقة".
واحمد ابو عدس هو من اتصل بقناة "الجزيرة" بعد اغتيال الحريري في عملية تفجير في 14 شباط/فبراير 2005 لتبني العملية.
ولا يعرف مكان وجود المتهمين الاربعة.
وتساءل الوزير شربل الجمعة "كيف يكون القرار سريا وقد وصلت الاسماء الى وسائل الاعلام قبل ان تصلنا؟"، مشيرا الى ان هذا الامر "افقدنا عنصر المفاجأة" في عملية البحث عن المتهمين وتوقيفهم.
واوضح ان "القوى الامنية ستبدأ عملية جمع المعلومات والبحث عن المتهمين وتحديد اماكن تواجدهم تمهيدا لمحاولة توقيفهم".
وقال ان "المسار القضائي يأخذ مجراه الطبيعي. لكن لا نعلم ما اذا كنا سنخرج منه بسلة فارغة ام ملآنة"، مشيرا الى وجود "بين 15 الف الى عشرين الف مذكرة توقيف في لبنان لم نتمكن من تنفيذها لاننا عاجزون عن ايجاد اصحابها الذين قد يموتون او يسافرون ولا نعرف بهم".
وتوجد في لبنان بؤر امنية عدة بعضها في البقاع (شرق) والشمال لا تدخلها القوى الامنية. كما يصعب على القوى الامنية التدخل في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعتبر معقلا لحزب الله من دون موافقة الحزب، القوة اللبنانية الوحيدة المسلحة الى جانب الدولة.
واعتبر وزير الداخلية ان القرار الاتهامي "هو قرار امني"، داعيا "الى عدم ادخال الامن في السياسة، والى التعامل بروية وحكمة مع القرار مراعاة للوضع الامني، لانه اذا انفجر الوضع، لا يعود هناك قرار اتهامي ولا بلد".
وكانت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي اقرت الخميس بيانها الوزاري الذي ستمثل على اساسه امام البرلمان لنيل الثقة وقد ضمنته فقرة حول المحكمة اسقطت منها عبارة "التزام التعاون" التي كانت موجودة في البيان الوزاري للحكومة السابقة.
ونص البيان الوزاري على ان الحكومة "ستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي انشئت مبدئيا لاحقاق الحق والعدالة وبعيدا عن اي تسييس او انتقام وبما لا ينعكس سلبا على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الاهلي".
وتحدث الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الممثل في الحكومة بثلاثة وزراء عن "توقيت سياسي" و"تزامن مريب حصل لحظة تسليم القرار الاتهامي الى القضاء اللبناني وتسريب الاسماء المعنية الى وسائل الاعلام".
وقال في مؤتمر صحافي عقده الجمعة "ان توجيه الاتهام الى افراد كما حصل، لا يمكن ان يوجه الى جهة او حزب او طائفة، لان ذلك سيكون بمثابة منزلق خطير يضرب ليس السلم الاهلي والوحدة الوطنية فحسب، بل يهدد كل اسس الوحدة الاسلامية من لبنان الى كل المنطقة".
واكد "ان تحقيق العدالة بالنسبة الى رفيق الحريري ورفاقه الشهداء لا يكون بجر البلاد الى التوتر والانقسام ولا يكون بالسقوط في فخ لعبة الامم"، مجددا التأكيد ان "السلم الاهلي فوق كل اعتبار وان الانجرار الى التوتير والسجال الاعلامي يولد العنف الذي بدوره يجر الى العنف وهذا يدخل البلاد في دوامة من الصراعات لا تنتهي".
ودعا كل الاطراف الى الحوار.
وحدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري جلسة عامة للبرلمان تبدأ صباح الثلاثاء المقبل لمناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة.
ورغم اعلان كتلة تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري انها ستحجب الثقة عن الحكومة، يتوقع ان تحصل الحكومة على الثقة، بعد ان انتقلت الاكثرية في البرلمان الى فريق حزب الله اثر خروج جنبلاط مع عدد من اعضاء كتلته في كانون الثاني/يناير الماضي من صفوف قوى 14 آذار التي ابرز اركانها الحريري.
ويصنف جنبلاط نفسه في موقع وسطي الى جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال سليمان. وقد ادى تغيير موقعه السياسي الى تسمية نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة بدلا من سعد الحريري الذي سقطت حكومته في بداية السنة الحالية نتيجة استقالة احد عشر وزيرا منها بينهم عشرة من حزب الله وحلفائه.