اللغة والتاريخ والإرث: العدد الجديد من مجلة الأبحاث
أعلنت كلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميركية في بيروت عن إصدار المجلّد 73 (2025) من مجلة الأبحاث. وتُعد مجلة الأبحاث واحدة من أعرق المجلات الأكاديمية وأكثرها احترامًا في العالم العربي، إذ لطالما شكّلت منبرًا للبحوث الرائدة في مجالات الدراسات العربية والإسلامية وتاريخ اللغة والأدب. ويواصل العدد الجديد هذا الإرث العريق بخطى ثابتة.
يضمّ المجلد الجديد مجموعة متنوّعة من المساهمات تمتد عبر قرون وتخصصات مختلفة. يبدأ القرّاء برحلة إلى لغة الشارع العربي الحديث النابضة بالحياة، حيث يتحوّل الشعر إلى نداء جماهيري من أجل السيادة والتغيير. في مقال بعنوان «عودة الشارع: "المكسب" اللغوي الأيقوني في الحركات الشعبية العربية»، تدرس الكاتبة ريم الشقراوي كيف يعبّر الشعر الاحتجاجي المعاصر عن صوت الحركات الشعبية المطالِبة بالتغيير. ثمّ ينتقل المسار إلى الإرث الفكري المتجدّد للإمام الغزالي. في دراسة بعنوان «آراء الغزالي في علم المنطق بوصفه أداة تعليمية: الشاهد التاريخي والتأثير التربوي»، يبرز سيبستيان غونتر كيف سخّر الإمام الغزالي المنطق الأرسطي كوسيلة للتعلّم، مستخلصًا دلالات تربوية ما زال صداها يتردّد حتى اليوم. وبالإضافة إلى ذلك، يتناول رشيد بلحبيب ورمزي بعلبكي في مقال «لحن العامّة في ضوء معجم الدوحة التاريخي للغة العربية» العلاقة الدقيقة بين ما يُعدّ عربيًا فصيحًا وما يُعتبر لحنًا ضمن معاجم اللغة في حقبة القرون الوسطى.
وتتعمّق دراسات أخرى في نصوص تاريخية ومناظرات لغوية بذات القدر من الصرامة. ففي مقالها بعنوان «رسالة خليفة أموي من أرشيف العراق؟»، تتساءل وداد القاضي حول افتراضات سائدة منذ زمن بشأن رسالة غامضة من العصر الأموي محفوظة في الأرشيف العراقي. وفي السياق نفسه، تعيد روان الحلو النظر في الجدالات حول اللغة العامية في حوض البحر المتوسط خلال القرون الوسطى، مستندةً إلى مصادر معجمية مستحدثة. تحمل دراستها المقارنة الموسّعة عنوان «أنحى الناس من لم يلحن أحداً»: مقارنة بعض ردود ابن هشام اللخمي (ت 501هـ/1107م) على «أوهام» ابن مكي الصقلي (ت 577هـ/1181م) في لحن العامّة على ضوء معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وهي تعيد قراءة الجدل اللغوي في العصر الوسيط حول استعمال اللغة وفكرة الصواب والخطأ في التعبير. وتبرز هذه المقالات الخمس مجتمعةً حيوية كلٍّ من البحث التاريخي والتحليل المعاصر في ميدان الدراسات العربية والإسلامية.
بالإضافة إلى المقالات البحثية الأصلية، يشتمل المجلّد 73 أيضًا على مجموعة من مراجعات الكتب القيّمة التي تتناول إصدارات أكاديمية حديثة. تقدّم الأستاذة الدكتورة إيزابيل تورال قراءة نقدية لكتاب «مرايا متقابلة، شرقًا وغربًا: مقارنات عابرة للثقافات لأدب النصيحة للحكّام (القرن 8–13)» لمؤلّفه إنريكو بوكاتشيني، وهي دراسة تستكشف الأدب السياسي الإرشادي للحكّام في القرون الوسطى من منظور مقارن عابر للثقافات. وفي مراجعة أخرى، يتناول أميدو أولاليكان ساني كتاب «السخاوي: كاتب تراجم القاهرة المملوكية ومعجم النساء الخاص به»، الذي يضمّ دراسات أعدّتها الباحثة ريناتِه ياكوبي (بإشراف وتحرير كيريل دميترييف)، مسلّطًا الضوء على دور المرأة في القاهرة المملوكية. ويقدّم أندرو بيكوك رؤى معمّقة في كتاب «بغداد: منذ بداياتها حتى القرن الرابع عشر» (تحرير ينِس شاينر وإيزابيل تورال). كما يقيّم كين سينيوري كتاب «الإسلام واتجاهات جديدة في الأدب العالمي» (تحرير سارة بن طيّر وكلير غاليان)، مبرزًا موقع الإسلام في الدراسات الأدبية العالمية. ومن خلال هذه المراجعات، تواصل مجلة الأبحاث مواكبة الاهتمامات المتجدّدة للبحث الأكاديمي على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وعلّق البروفسور رمزي بعلبكي، محرّر المجلة، على العدد الجديد قائلًا، "يأتي هذا المجلّد مثالًا يجسّد التزامنا بتعميق البحث اللغوي. فمن خلال إعادة دراسة تاريخ العربية على ضوء مصادر وأساليب جديدة، نسلّط ضوءًا جديدًا على كيفية تطوّر اللغة عبر مختلف العصور والسياقات."
وأكد البروفسور بلال الأرفه لي، المحرّر الآخر للمجلة، على تنوّع محتويات العدد بقوله، "ما يجعل هذا العدد مميزًا هو نطاقه الواسع – من أرشيفات القرون الوسطى إلى الحركات الشعبية المعاصرة. تعكس المقالات والمراجعات اتساع آفاق الدراسات العربية والإسلامية اليوم، كما تجسّد رسالة المجلة في تعزيز الحوار عبر الأزمنة والتخصصات."
ومع صدور المجلّد 73، تؤكد مجلة الأبحاث مجددًا دورها كحجر زاوية في ميادين البحث الأكاديمي في المنطقة وخارجها، مواصلةً إرثًا من التميّز يربط بين الماضي والحاضر.
خلفية عامة
الجامعة الأمريكية في بيروت
الجامعة الأمريكية في بيروت هي جامعة لبنانية خاصة تأسست في 18 نوفمبر 1866، وتقع في منطقة رأس بيروت في العاصمة اللبنانية، وبدأت الكلية العمل بموجب ميثاق منحها إعترافا حصل عليه الدكتور دانيال بليس من ولاية نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية. افتتحت الجامعة أبوابها في 3 ديسمبر عام 1866 لتمارس نشاطها في منزل مستأجر في أحد مناطق بيروت.
تعتمد الجامعة معايير أكاديمية عالية وتلتزم مبادىء التفكير النقدي والنقاش المفتوح والمتنوع. وهي مؤسسة تعليمية مفتوحة لجميع الطلاب دون تمييز في الأعراق أو المعتقد الديني أو الوضع الاقتصادي أو الانتماء السياسي، وهذا ما أرساه مؤسسها الداعية الليبيرالي دانيال بليس.