الدكتورة زينب إبراهيم: إحياء اللغة العربية الفصحى يمكن أن يساهم في توحيد العالم العربي

تشير الدكتورة زينب إبراهيم، أستاذ دراسات اللغة العربية بجامعة كارنيجي ميلون في قطر وعالمة اللغويات الاجتماعية، إلى وجود علاقة ارتباط بين تراجع اللغة العربية الفصحى ورفض الشباب العربي للواقع الذي يعيشونه اليوم كمتلقين أو مستهلكين ليس لهم موطئ قدم في خريطة العالم. وتقول الدكتورة زينب إبراهيم: "ما تتعرض له اللغة العربية الفصحى اليوم لا يختلف عما تتعرض له اللغات الأخرى في جميع أنحاء العالم. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في كون بعض العرب يصرون على التحدث بالإنجليزية كأنهم لا يعرفون العربية، وهذه محاولة إنكار، لأنهم لا يستسيغون هذا الواقع أو يجدون صعوبةً في تقبله".
وتضيف الدكتورة زينب: "باتت اللغة الإنجليزية اليوم تمثل اللغة العالمية أو المعيارية السائدة المتفق على التواصل بها في أي محفل دولي. في المقابل نجد أن الكثير من الأفراد في العالم العربي لا يتحدثون بالإنجليزية. فكون البعض يستخدم الإنجليزية هي ظاهرة معروفة تحدث في العالم كله، ولا تقتصر على اللغة العربية. كما أن الكثير من اللغات الأخرى دخلت عليها كلمات من الإنجليزية، التي يمكن اعتبارها بحق لغة العصر.. فمن الطبيعي أن نجد بعض العرب يستخدمون الإنجليزية مثلا في مكان العمل، بما نسميه استجابة لمتطلبات العمل. فأسلوب تعبيرك يكون أسهل باللغة الإنجليزية، ولكن إذا كنا نعرض أبناءنا للإنجليزية فقط، فيجب أن ندرك أن رسالتنا لهم ستعني أن اللغة الإنجليزية هي الأساس ومن خلالها يكتسبون ثقافة هذه اللغة".
وتتذكر الدكتورة زينب انتشار تدخين الشيشة بين الشباب في التسعينيات مع بداية العولمة، وكانت حينها ظاهرة غريبة للغاية، وهي في جوهرها محاولة من الشباب لتجربة أحد الأشكال الثقافية "بعدها توالت ظواهر أخرى في المجتمع. فعلى الرغم من الصراعات النفسية التي يمر بها الإنسان، فهو في النهاية يدرك هويته العربية، لكننا اليوم صرنا نجد بيوتاً لا تشاهد أي محتوى عربي سواء كان فيلمًا أو مسلسلًا أو حتى أغانٍ باللغة العربية. وهذه ظاهرة خطيرة جداً" حسبما تقول.
تقصي الأسباب
وكانت الدكتورة زينب إبراهيم قد تقصت أسباب ضعف مستوى الطلاب باللغة العربية الفصحى، في إطار بحث شارك فيه ألفا طالب وطالبة بجامعات كل من قطر وجمهورية مصر العربية. وتوصلت إلى أن أحد أسباب بُعد المناهج عن الطلاب هو أن الطالب يشعر بأن مناهج اللغة العربية بعيدة عن حياته وواقعه.
أما السبب الثاني فيتعلق بطريقة تدريس اللغة العربية التي لم تعد تواكب المناهج الحديثة في التدريس. تقول الدكتورة زينب: "الأبحاث والدراسات الإنسانية في مجال التدريس أتت لنا بطرق جديدة في عملية التدريس لكنها غير مُطبَقة في صفوف اللغة العربية". والسبب الثالث، حسبما تقول أستاذة دراسات اللغة العربية بجامعة كارنيجي ميلون في قطر، فهو تركيز أساتذة اللغة على النحو في اللغة العربية، وتوضح ذلك بقولها: "من المؤكد أن النحو جزء أساسي في اللغة العربية، لكنه ليس كل اللغة. ناهيك عن أن التدريس لا يستفيد من استخدام المواد الأصلية، بمعنى أن الطالب لا يستمع إلى برامج أو نشرات الأخبار بالفصحى على سبيل المثال. هذا من الناحية التعليمية، أما ناحية أخرى فتواجهنا مشكلات في الفكر السائد في المجتمعات العربية بأن اللغة العربية غير مُهمة مقارنة بالإنجليزية التي ستفتح الأبواب أمام أبنائهم للحصول على وظائف جيدة، غير أنهم يغفلون في الوقت نفسه أن الكثير من الوظائف المرموقة في الهيئات الحكومية أو وزارة الخارجية تتطلب إجادة اللغة العربية وإتقانها".
وتستذكر الدكتورة زينب إبراهيم الدور الأساسي الذي كانت تؤديه "الكتاتيب" لنشر التعليم في العالم العربي مع بدايات القرن الماضي وما قبله، عندما كان الكُتّاب يقوم على تحفيظ القرآن وكان ذلك يؤدي إلى تقوية الحفظ والذاكرة لدى الطلاب، وينعكس على صحة النطق وسلامة مخارج الحروف. وأشارت إلى أن العديد من الأشخاص الذين تعلموا في الكتاتيب يتمتعون بقدرة رائعة على الحفظ ولديهم نطق ممتاز وسلامة في مخارج الحروف. وأوضحت الدكتورة زينب: "كانت الكتاتيب تركز على تحفيظ القرآن وألفية ابن مالك ونصوص لغوية وإسلامية أخرى، لكن لم يكن هناك أية حوارات أو مناقشات أو قراءات عن الموضوعات والقضايا المعاصرة. وهذا هو ما ينبغي أن نتداركه من خلال تطبيق الدراسات والمناهج التربوية والتعليمية الحديثة لسد الثغرة الحالية بين النصوص العربية ومجالات الحياة، أو ما نسميه بالثقافة المعاصرة في القرن الحادي والعشرين التي تقوم على العلوم وتقنيات التكنولوجيا والاتصالات الرقمية". وبالإضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم، توصي الدكتورة زينب بإضافة مناهج النظريات اللغوية الحديثة التي توسع القدرات الإدراكية من خلال التركيز على مهارات التفكير وتوظيف مهارات اللغة واستخدامها في أكثر من مجال.
إعادة إحياء اللغة
وتعدّد الدكتورة زينب إبراهيم طرق إعادة إحياء اللغة العربية الفُصحى بين أبناء الوطن العربي في الوقت الحالي، أولها الإكثار من البرامج والأفلام والأغاني والمسلسلات التي تستخدم اللغة الفصحى، حيث قالت: "من المهم توسيع نطاق الاستماع للفصحى وممارستها. وقد كانت لدينا تجربة حين كنت أدرّس طلاب الدراسات العليا قبل قدومي إلى قطر، عندما قامت إحدى طالباتي بدراسة على بعض الأطفال، لتجد أنهم باتوا يتحدثون الفصحى لكونهم يشاهدون قناة مخصصة للأطفال تبث مسلسلاتها وبرامجها باللغة العربية الفصحى".
الشيء الآخر هو جعل عملية تعليم اللغة العربية تواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين. وعن ذلك تقول: "ما يحدث في صفوف اللغة الإنجليزية يجب أن يحدث أيضاً عند تدريس اللغة العربية الفصحى. فمثلاً في صفوف تدريس اللغة الإنجليزية يطلبون من الطلاب كتابة مذكراتهم اليومية، الأمر الذي يعني أن تحديث العملية التعليمية في غاية الأهمية. كما يجب أن يتوقف "نعي" اللغة العربية في الصحف والمجلات، وألا يكتب عن اللغة إلا المختصون بعلوم اللسانيات. فاللغة العربية بخير، وواقعنا اللغوي يزاوج ما بين الفصحى والعامية، لهذا يجب أن نستخدم اللهجة للانطلاق نحو الفصحى".
وتعتبر الدكتورة زينب إبراهيم أن اللغة العربية تتمتع بقوة هائلة لقدرتها على توحيد العالم العربي، فتستطيع التواصل مع أي شخص من العالم العربي رغم أن لكل منا لهجته، ووجود اللغة العربية الفصحى يحمي من تحول كل لهجة إلى لغة قائمة بذاتها. كما أن الفصحى أيضا هي لغة الدين الإسلامي، فهي تربط الدول الإسلامية ببعضها البعض.
وعن ذلك تعلق قائلة: "من هنا نجد أن اللغة العربية الفصحى لها قوتان أسياسيتان مهمتان للغاية في العالم. فخلال السنوات العشر الماضية، خرجت نظريات لسانية تنادي بضرورة تعليم اللغة الأم لأبنائنا. واللغة الأم بالنسبة لنا نحن العرب هي اللهجة. فلو طبقنا مثل هذه النظريات لحدثت نتائج غير محمودة. لهذا من المهم أن نكون مدركين لأهمية الفصحى. ولكن، للأسف، فإن أكبر المشاركين في هدم اللغة الفصحى هم العرب أنفسهم. فمثلاً عندما تحدثنا عن طرق ومناهج التدريس، نجد أننا نبعد أبناءنا عن لغتهم. وقد كتبت مقالاً حول "علاقة الحب والخوف" عند الطالب العربي، فهو يحب الفصحى ويدرك أهميتها من الناحية السياسة والدينية، لكنه في الوقت نفسه يخاف منها. فيحب أن نزيل هذا الخوف، ليشعر الطالب أنه متمكن من أدواته باللغة الفصحى. وبهذا سيتغلب حبه للفصحى على الخوف، فعندما يتكلم أبناؤنا الفصحى بيسر سنكون قد هزمنا هذا الخوف ورفعنا من قدرة الشعوب العربية على التحدث باللغة الفصحى".
خلفية عامة
جامعة كارنيجي ميلون
على مدى ما يزيد عن قرن من الزمن، ظلَّت جامعة كارنيجي ميلون تُلهِم إبداعات تُغَيِّر العالم. كما أن جامعة كارنيجي ميلون، التي تصنّف دوماً بين أفضل وأرقى الجامعات في العالم، تقدم مجموعة من البرامج الأكاديمية لما يزيد عن 12,000 طالب، 90,000 خريج و50,000 جامعة وهيئة تدريسية يتوزعون على فروعها الجامعية في مختلف دول العالم.
تقدم جامعة كارنيجي ميلون قطـر برامجها التعليمية الجامعية ذات المستوى المرموق في العلوم البيولوجيّة، إدارة الأعمال، علم الأحياء الحاسوبي، علوم الحاسوب و أنظمة المعلومات. جامعة كارنيجي ميلون جِدُّ ملتزمة بالرّؤية الوطنية لدولة قطر 2030 من خلال تنمية الشعب، المجتمع، الإقتصاد و البيئة.