15 مليار دولار الفجوة الغذائية في العالم العربي

تاريخ النشر: 08 سبتمبر 2005 - 06:42 GMT

أكدت إحصائيات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية للعام الماضي ان الفجوة الغذائية في العالم العربي وصلت إلى حوالي 15 مليار دولار، تمثل فجوة القمح وحدها أكثر من 40 بالمائة حيث لا تتجاوز نسبة الاكتفاء الذاتي منه 50 بالمائة في الوطن العربي.وتعتبر مصر أكبر مستورد عربي للحبوب، تليها السعودية والجزائر وليبيا وتونس واليمن والعراق والمغرب وموريتانيا، يأتي ذلك في وقت تملك فيه السودان المعروفة بسلة الغذاء في الوطن العربي 30 مليون فدان صالحة للزراعة، لا يستغل منها سوى 16 بالمائة فقط رغم توفر المياه.

وانعكس هذا الوضع على رغيف الخبز في الوطن العربي، وباتت مسألة توفيره أمرا تحسب له الحكومات الف حساب الى درجة قد تجعلها تغير بعض مواقفها السياسية اتقاء لغضب الدول الموردة للقمح . وتأخذ أزمة رغيف الخبز شقين: الأول، وهو توفير دقيق القمح في ظل الاعتماد على الاستيراد، والثاني وهو أسلوب التعامل مع الدقيق لإنتاج الخبز لتأثير أسلوب التعامل على زيادة الكمية المستوردة ومن ثم تفاقم الأزمة.ويؤكد خبراء ان المشكلة الأساسية للقمح تكمن في أن الدول العربية لا تشجع مزارعيها على إنتاجه سواء من ناحية الاسعار العادلة اوالدعم المطلوب لمساعدتها،وهذا ما يطلق عليه السياسة السعرية للدولة ، ففي مصر يفضل الفلاح أن يزرع البرسيم على حساب القمح لأنه مع البرسيم في ظل تعدد حصاده أكثر من مرة يحصل على عوائد مادية أفضل.كما ان صوامع تخزين القمح تتسبب في فقد كمية كبيرة منه، وذلك لأن بناءها تقليدي، بما يسمح بفقد كمية كبيرة من القمح ؛ بسبب الحشرات التي تتسلل إلى الصوامع.أما عن الشق الآخر، ويتمثل بالتعامل مع القمح متمثلا في رغيف الخبز، فلا تزال الدول العربية مصرة على دعم رغيف الخبز نفسه، وهو ما يجعل هذا الدعم يذهب إلى غير مستحقيه،والمفروض أن تقوم الدول العربية بتحويل دعم الرغيف إلى أموال تمنح لمن ترى الدولة أنهم فعلا يستحقون الدعم.

وفي هذا السياق استطاعت سورية تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، بل أصبح مع مرور السنوات يفيض الانتاج عن استهلاكها المحلي، حيث وصل الإنتاج السوري إلى 4 ملايين طن، ويعود ذلك لنجاحها في زيادة إنتاجية الفدان من 1400 كجم إلى 2700 كجم.كما يتلقى الفلاح السوري كل الدعم من حكومته لزراعة القمح وذلك من خلال رفع ثمن شراء القمح من الفلاح إلى 240 دولارا لطن القمح الديورم، و220 دولارا للقمح الطري، وهو أعلى من سعر الاستيراد، وقد تحقق ذلك رغم ارتفاع عدد السكان من 16 مليون نسمة عام 2001 إلى 20 مليون نسمة عام 2004.

وتشير الدراسة التي قام بها المختصون إلى ان التجربة السورية مرت بثلاث مراحل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، بدأت المرحلة الأولى قبل عام 1988، حيث كان الإنتاج يكفي استهلاك سوريا عدة أشهر، ومن ثم يتم الاعتماد على الاستيراد، وذلك لغياب مشاريع الري واستصلاح الأراضي وتدني إنتاجية الأصناف المزروعة وارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم تشجيع الفلاح على الإنتاج خلال تلك الفترة.أما المرحلة الثانية، فكانت خلال الفترة من 1988 إلى 1994 وخلالها تم الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، حيث نفذت مشاريع استصلاح الأراضي والري، وتمت زراعة الأصناف ذات الإنتاجية العالية وتم تعديل السياسة السعرية للقمح، حيث كانت الحكومة تشتري من الفلاح القمح وبه 40بالمائة شوائب تشجيعا له مما كان له أثر على انخفاض نسبة العجز لتصل إلى 10بالمائة الآن.وبدأت سوريا مرحلة ثالثة ما بعد عام 1994، وهي بدء مرحلة التصدير بعد تأمين مخزون إستراتيجي، وتأمين فائض متاح للتصدير لتأمين مورد من النقد الأجنبي، ففي عام 2001 تم تصدير 235 ألف طن، ثم تضاعف هذا الرقم أكثر من مرة في عام 2003 ليصل إلى 806 آلاف طن، وذلك حسب ما ذكرته صحيفة اليوم السعودية.

ونجحت الجزائر في التعامل مع القمح رغم أنها لا تزال إحدى الدول الرئيسية المستوردة للقمح بعد مصر، حيث اعتمدت في هذا الإطار على تحويل الدعم الذي تدعم به معظم الدول العربية رغيف الخبز من دعم للرغيف نفسه متمثلا في صورة تخفيض سعر أجولة القمح التي تباع للمخابز مع فرض تسعيرة إجبارية للرغيف إلى دعم مادي يُمنح أموالا لغير القادرين لمساعدتهم على شراء رغيف الخبز بسعره العادي الذي تفرضه مقتضيات السوق.وبذلك تضمن الدولة أن يذهب الدعم إلى مستحقيه من ذوي الدخول المحدودة. كما تضمن أن حالة الرغيف سوف تصبح أكثر جودة؛ لأن السعر العادي للرغيف سيجعل صاحب المخبز يتقن في صناعته، فليس هناك حاجة للتحايل في الوزن وغيره لتحقيق الربح الامر الذي يؤدي الى الخلاص من ظاهرة الفاقد في رغيف الخبز .

ويرى مراقبون ضرورة وجود استراتيجية متكاملة للدول العربية لتشجيع الإنتاج المحلي للقمح وزيادة الاهتمام بالأبحاث العلمية في هذا المجال، إضافةً الى دعم المزارع وتشجيعه على زراعة القمح برفع سعر الطن وتنمية مصادر الأعلاف للحيوانات، حتى لا تشارك الإنسان في استهلاك الحبوب حيث تستهلك الحيوانات في العالم العربي 60 مليون طن من الحبوب سنويا.ومطلوب النظر في سياسة الدول لدعم رغيف الخبز، حتى لا يتسرب الخبز ليكون غذاء للحيوانات، مع ضرورة التركيز على مشروع قومي عربي لبناء مخازن وصوامع كمشروع للتخزين الإستراتيجي للحبوب.

© 2005 تقرير مينا(www.menareport.com)