تغير وجهة النظر حيال أسواق النفط

تاريخ النشر: 20 فبراير 2013 - 11:37 GMT
إن الفرق الأكبر بين نهاية العام الماضي واليوم هو التحول في وجهة نظر المضاربين حيال حالة أسواق النفط العالمية
إن الفرق الأكبر بين نهاية العام الماضي واليوم هو التحول في وجهة نظر المضاربين حيال حالة أسواق النفط العالمية

الاستقرار النسبي في أسعار النفط كان السمة الغالبة على أسواق النفط العالمية خلال الفترة الماضية، حيث إن المخاطر الجيوسياسية المتزايدة وارتفاع تكاليف الإنتاج وضعت حدا أدنى لأسعار النفط بحدود 90 - 100 دولار للبرميل الواحد، في حين أن ازدهار الإنتاج من الصخر الزيتي ضعف النمو الاقتصادي، وسياسات الإنتاج لكبار المنتجين وضعت سقفا للأسعار بحدود 110- 115 دولارا للبرميل الواحد. تداول خام برنت خارج هذا النطاق كان محدودا، حيث استقرت أسعار النفط في هذا النطاق لمدة سنتين تقريبا حتى الآن، فيما عدا الزيادة المطردة في الأسعار التي شهدتها أسواق النفط خلال الربع الأول من عام 2012. لكن هذا الاتجاه قد تغير أخيرا، حيث تجاوز سعر خام برنت حاجز 118 دولارا للبرميل الواحد، السؤال هنا: هل كان هناك موجب لمثل هذا الارتفاع؟ في الواقع لم يكن هناك عنوان واحد تسبب في هذا الارتفاع الأخير، على عكس الفصل الأول من العام الماضي عندما كان الارتفاع في الأسعار مدفوعا بالمخاطر الجيوسياسية نتيجة تصاعد التوتر بين الدول الغربية وإيران بخصوص برنامجها النووي، واحتمالية تعطل الإمدادات من مضيق هرمز.

إن الفرق الأكبر بين نهاية العام الماضي واليوم هو التحول في وجهة نظر المضاربين حيال حالة أسواق النفط العالمية، حيث إن النظرة التي كانت سائدة في حينها كانت تنازلية. الحجج المعتادة كانت مهيمنة على المشهد بما في ذلك التعافي الموسمي لإنتاج النفط من بحر الشمال، ضعف في نمو الاقتصاد العالمي، ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة ودول منظمة أوبك تنتج ما يقرب من مليوني برميل في اليوم فوق حصتها المتفق عليها - الخلاصة كانت وجهة النظر تشير إلى أن الأسواق متخمة في النفط في وقت المصافي العالمية تتهيأ لدخول موسم الصيانة. إضافة إلى ذلك، جميع التوقعات في حينها كانت تشير إلى خفض تقديرات نمو الطلب على النفط ورفع تقديرات العرض، ما أدى إلى خفض تقديرات الطلب على نفط منظمة أوبك. على سبيل المثال، تقرير وكالة الطاقة الدولية لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) لاحظ أن تقديرات الطلب على النفط للربع الرابع من عام 2012 قد تم تخفيضها بنحو 850 ألف برميل في اليوم منذ يونيو (حزيران) على خلفية نمو الاقتصاد أقل مما كان متوقعا.

من ناحية العرض، ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي، زيادة الإمدادات من السعودية والعراق، ووصول الإنتاج الروسي إلى مستويات قياسية ساعد أيضا على تعويض الانقطاعات والحد من خسائر العرض في أماكن أخرى في العالم. على خلفية خفض تقديرات الطلب ورفع العرض، تم تخفيض الطلب على نفط منظمة أوبك للربع الرابع من عام 2012 بنحو 500 ألف برميل في اليوم، حسب التقرير نفسه. كما لاحظ التقرير تراجع الأسعار الآجلة للنفط إلى أدنى مستوياتها في أربعة أشهر في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) وأوائل تشرين الثاني (نوفمبر) وسط تصاعد التشاؤم بشأن التوقعات الاقتصادية العالمية. في الوقت الحاضر، أسواق النفط الفعلية لا تختلف كثيرا عما كانت عليه في وقت مبكر من هذا العام، لكن المضاربين تنبهوا الآن فقط إلى المتغيرات التي طرأت على الأسواق العالمية في نهاية العام الماضي. حيث لاحظوا الانخفاض الحاد في إنتاج دول منظمة أوبك، خصوصا السعودية، استمرار انقطاعات الإمدادات من بعض المنتجين من خارج "أوبك" على الرغم من استمرار نمو الإمدادات من الولايات المتحدة، وتحسن الطلب على النفط في بعض الدول، مثل الصين. لاحظ المضاربون أيضا أن المخزون النفطي لم يرتفع، على عكس التوقعات الأولية. في الوقت الحاضر، هناك بعض التقديرات تشير إلى احتمالية ارتفاع أسعار برنت فوق حاجز 120 دولارا للبرميل، مثل هذه التقديرات لم يكن أحد يتحدث عنها قبل بضعة أسابيع. هذا التغيير في النظرة إلى الأسواق أمر مهم، حيث إن بعض التغييرات التي طرأت على الأسواق حدثت قبل بضعة أشهر، لكن الآن فقط بدأت تؤخذ في الاعتبار في توقعات أسواق النفط. على سبيل المثال، خلال الربع الرابع من العام الماضي، بدلا من ارتفاع مخزونات النفط، تشير التقديرات إلى انخفاضها في الواقع، حيث إن الانتعاش في الطلب الصيني دفع الطلب العالمي على النفط إلى مستوى قياسي. بالاستعانة مرة أخرى بتقرير وكالة الطاقة الدولية، نلاحظ أن الارتفاع في المخزون النفطي المقدر للربع الرابع في تشرين ثاني (نوفمبر) (بافتراض متوسط إنتاج دول أوبك 31.5 مليون برميل في اليوم) قد انخفض من 1.5 مليون برميل إلى 0.1 مليون برميل في اليوم في تقريرها لكانون الثاني (يناير) 2013. يعود السبب في ذلك بالدرجة الأساس إلى انخفاض إنتاج دول أوبك إلى نحو 30.6 مليون برميل في اليوم، إلى نمو الطلب على النفط للربع الرابع أعلى بكثير مما كان متوقعا. مع اعتماد هذه التنقيحات التصاعدية في الطلب على النفط للربع الرابع من العام الماضي ضمن البيانات الإحصائية، فقط الآن تمت ملاحظة الانتعاش النسبي للطلب. ينطبق الشيء نفسه على انخفاض الإمدادات، التي بدأت منذ كانون الأول (ديسمبر)، لكن في الآونة الأخيرة فقط جذبت اهتمام الأسواق.

من الصعب جدا معرفة الأسباب الكامنة وراء التحول في وجهة نظر المضاربين حيال حالة أسواق النفط العالمية، لكن يعتقد أن التحسن الكبير في المؤشرات الاقتصادية ساعد على تغيير النظرة السلبية التي هيمنت في السابق على جميع مجالات التحسن في النمو العالمي. على سبيل المثال: الحل الجزئي لأزمة الانحدار المالي في الولايات المتحدة، تحسن عدد كبير من المؤشرات الاقتصادية الصينية، وتوقف انحدار الاقتصاد الأوروبي، ساهموا في إعطاء صورة أكثر إشراقا للتوقعات القاتمة نسبيا التي كانت سائدة. من الجدير بالذكر هنا أن ليس جميع البيانات الصادرة خلال الشهر الماضي كانت إيجابية. النمو الاقتصادي الأمريكي تراجع بصورة مفاجئة في الربع الرابع بنحو 0.1 في المائة، في حين أن الاقتصاد البريطاني تراجع أيضا مرة أخرى إلى النمو السلبي. لكن هذه المؤشرات السلبية لم تؤثر بصورة كبيرة في الزخم الإيجابي السائد، هذا التوجه يسلط الضوء مرة أخرى على مدى قوة التحول في وجهة النظر حيال حالة أسواق النفط العالمية. إن المعوق الرئيس لهذا الزخم الإيجابي السائد قد يتأتى من تجدد المخاوف بشأن حالة الاقتصاد الأمريكي كما حصل في نهاية الأسبوع الماضي عندما انخفض المؤشر الصناعي وأثّر سلبا في أسعار خام غرب تكساس الوسيط، الموعد النهائي للاتفاق على خفض الإنفاق قد يرفع أيضا المخاوف من تجدد الانقسامات بين الجمهوريين والديمقراطيين. لكن، في الوقت الحالي، تحسن النمو في آسيا والولايات المتحدة حتى في أوروبا يحافظ على الزخم الإيجابي في وجهة النظر حيال حالة أسواق النفط العالمية، وأزال واحدة من أهم المثبطات لأسعار النفط، خصوصا بالنسبة لخام برنت.