يعمل الكثيرون في مرحلة الشباب والدراسة في إطار مجموعة من الافتراضات، ليكتشفوا فيما بعد أنها مجرد “كذبة كبيرة”!
تتلخص هذه الافتراضات بكونها تفيد أنه بجب عليك أن تدرس بجد في مدرستك لتحصل على أعلى الدرجات، وتدرس في أفضل الجامعات لتتمكن لاحقاً من الحصول على وظيفة جيدة، في شركة جيدة، وعندها سيعجب بك أهلك وأصدقاؤك لتعيش سعيداً إلى الأبد!!!
فكأن كل شيء يقاس بمقياس وحيد، وكـأن هناك قانون ينص على أن التخرج بالمرتبة الأولى سيعطيك مستقبل أفضل من التخرج بالمرتبة الثانية، أو الثالثة، أو أن العمل في شركة كبرى سيجعلك أسعد مما ستكون عليه في حال عملت لحساب شركة صغيرة، لتعيش في وهم مفاده أنك كلما صعدت ذلك السلم ستكون أكثر سعادةً، فالجميع قد قرر مسبقاُ كيف يبدو النجاح أو الفشل، وعلى هذا الأساس سيتم الحكم على مدى نجاحك ممن حولك.
الحقيقة أن هؤلاء الناس الذين يدفعوك وراء هذه الكذبة هم ليسوا إلا أناس يهتمون بمصلحتك، فهم والديك الذين يريدون لك وظيفة مستقبلية ممتازة، أو معلميك في المدرسة أو الجامعة الذيم يتمنون لك أفضل الفرص في المستقبل، أو الشركات الكبيرة التي تحاول خلق بيئة عمل منافسة ليتمكنوا من انتقاء موظفيهم على أفضل شكل.
لكنك ستضطر أن تقطع شوطاً كبيراً قبل أن تعرف أن “كل شخص هو حالة مختلفة”، فتجد أن الناس غالباً تتخطى كل تلك المعتقدات الخاطئة بعد سنين طويلة من العمل، بينما يميل الناس الأصغر سناً وخاصة خريجي الجامعة الجدد لتصديق هذه الكذبة، فتجدهم على سبيل المثال يسعون جاهدين للعمل في أكبر الشركات فور تخرجهم، ظناً منهم أنه الخيار الأفضل، بينما قد يناسبهم العمل في شركات صغيرة أخرى، بشكل أفضل بكثير.
وفي النتيجة قد تصادف الكثير من الناس الذين يعملون في أفضل وأكبر الشركات، وتراهم يفكرون بشكل مستمر في ترك عملهم أو استبداله بعمل آخر!
قد تسأل نفسك عن الأسباب التي قد تدفعهم لذلك، وفي الواقع هناك قائمة طويلة في الأسباب التي قد تدفع البعض لترك عملهم لدى شركات كبرى ذات سمعة جيدة، والتي قد يحلم الكثيرون بالعمل لديها، لنستعرض أهمها:
_ قد لا يعجبهم النظام الداخلي في العمل، أو قد يزعجهم صعوبة إحراز تأثير واضح لإثبات أنفسهم في الشركات الكبيرة، بينما قد يشعرون بتأثير عملهم بشكل أكبر عند الانضمام إلى شركة أصغر.
_ لديهم أفكار وخطط لتأسيس مشروع خاص بهم، ويسعون للبدء بتنفيذه.
_ يطمحون للعمل في تقنية معينة قد تكون جديدة، وغير مدرجة في الشركات الكبرى بعد، ويريدون الانضمام الى شركة أقل شهرة وتركز في هذا المجال.
_ البعض يدرك أن عليه أن يسافر ويجرب ويغامر في فترة شبابه، قبل أن يستقر في عمل ما، وببساطة قد يمل البعض من العمل في الشركة نفسها مع نفس الأشخاص وبرغبون في تجربة عمل جديد لإضافة بعض التنوع لحياتهم..
_ قد يكتشف البعض أنهم يميلون للعمل في مجالات مختلفة عما درسوا أو عملوا سابقاً، فيرغب البعض منهم بالانتقال للعمل في مجال اخر كالطبخ، أو الكتابة، او للعمل مع منظمات غير ربحية مثلاً.
أما بالنسبة لأولئك الذين كانوا يعرفون تماماً لماذا انضموا للعمل مع الشركات الكبرى، ولديهم أهداف مهنية واضحة ومحددة، هؤلاء سيتركون عملهم هذا بعد حين لأنه لم يعد يلبي تلك الأهداف، فلربما كبرت أحلامهم وزاد طموحهم ، ويريدون شيئا أكبر للانتقال إليه.
أما اذا كانوا قد انضموا فقط تبعاُ لتصديقهم لـ”الكذبة الكبيرة” التي بدأنا بالحديث عنها، فإن ذلك ممكن أن يودي بهم إلى الوقوع في أزمة شخصية تتلخص في كونهم انضموا للعمل في هذه الشركة كنوع من التباهي، أو ما ندعوه بـ”البرستيج”، بسبب ضغوط من الأسرة أو المجتمع والذي يروج للعمل في الشركات الكبرى، كشركات الاتصالات، أو شركات التأمين، أو النفط، والبنوك.
هؤلاء سيجدون أنفسهم غير سعداء في العمل الذي يعتبره الجميع بأنه “الأفضل”، وأنهم لم يجدوا أنفسهم وسعادتهم حتى فيما يعتبره الجميع “العمل الأفضل”، وهنا ستبدأ أزمتهم مع أنفسهم، والمشكلة الأكبر هي عندما يجد هؤلاء أنفسهم عاجزين عن ترك عملهم أو الانتقال الى أعمال أخرى، مما قد يتركهم محبطين، ناقمين، مشلولين !
مما يوصلنا لنتيجة، أن العمل في الشركات الكبرى قد يكون عظيماُ، لكنه قد يكون كارثياً لمن يختار العمل لديهم للأسباب الخاطئة، أو لمن يختار العمل لديهم لمدة طويلة لأسباب تتعلق بالقصور الذاتي، وعدم امتلاك الشجاعة للتغيير.
ولا شك أن الناس الذين ليسوا على يقين مما يريدونه ، وأين تكمن مصالحهم، هم الأكثر عرضة لذلك، فينتهي بهم الأمر بأخذ العظة من الأسرة والأصدقاء ، و المدرسين، لأنهم ببساطة لا يملكون بوصلة داخلية للاسترشاد بها
كل شخص بيننا مختلف عن الآخر، و كلنا نتغير بين شهر وآخر، ومن سنة إلى أخرى، وبمجرد أن ندرك أنه لا يوجد ما هو بالـ”أفضل” من أي شيء ، فإنه يصبح من الأسهل بكثير البحث عن ما هو ” خير لنا” ، واتخاذ القرارات المهنية وفقاً لمعاييرنا الخاصة، بدون الاعتماد على الحكم التقليدية التي تصف لنا كيف يجب أن يبدو النجاح!.
اقرأ أيضاً:
حياة ريادة الأعمال ماذا تتطلب؟
كيف تتعامل مع المتعاقدين الفريلانس؟