واشنطن لبيروت: لن نمسّ قطاع المصارف

تاريخ النشر: 09 مايو 2013 - 01:41 GMT
نوّهت الرسالة الأميركية بسلوك المصارف اللبنانية الذي «يتسم باحترام معايير العقوبات الدولية»
نوّهت الرسالة الأميركية بسلوك المصارف اللبنانية الذي «يتسم باحترام معايير العقوبات الدولية»

علمت «الأخبار» أن وزارة الخارجية الأميركية أرسلت إلى بيروت رسالة تؤكد أن واشنطن لن تمسّ القطاع المصرفي اللبناني. وجاءت الرسالة لإيضاح خلفيات إصدار الوزارة الشهر الماضي بيانها الذي اتهم شركتي رميتي وحلاوي للصيرفة بتبييض الأموال في لبنان.

وكشف المصدر أن الخارجية الأميركية كانت قد بادرت إلى إبلاغ بيروت بنيّة وزارة الخزانة الأميركية إصدار البيان المذكور قبل إعلانه بساعات. وبحسب المصدر، فإن الرسالة الأميركية نوّهت بسلوك المصارف اللبنانية الذي «يتسم باحترام معايير العقوبات الدولية». وشددت في الوقت عينه «على أهمية أن تظل المصارف حذرة في هذا المجال، وأن تبدي المزيد من التعامل بدقة مع القواعد المصرفية الدولية».

وجاء في الرسالة أن وزارة الخزانة الأميركية تعمدت أن يوجه بيانها الاتهام إلى شركات صيرفة، لا إلى مصارف، لئلا يفسر وكأنه يستهدف القطاع المصرفي اللبناني. وهذه الطريقة في صوغ الاتهام نادرة في تاريخ العمل بالقانون الأميركي الذي يوجه في العادة اتهاماته إلى مصارف، لا إلى شركات. وبدا لافتاً في الرسالة إشارتها إلى أن واشنطن تتوقع أن تحاول جهات معينة الإفادة من هذا البيان على نحو يخدم مصالحها السياسية، ما جعل وزارة الخزانة تتجاوز قواعد العمل القانونية المتبعة. الملف المالي للحزب مفتوح من جهة ثانية، توقفت مصادر متابعة لهذه القضية عند ما أورده بيان الخزانة الأميركية من أن شركتي الصيرفة (رميتي وحلاوي) كانتا مرتبطتين بالبنك الكندي اللبناني، وأنهما أعادتا إحياء الشبكات التي كانتا تديرانها. ويشير ذلك إلى أن من بين الخلفيات التي حدت وزارة الخزانة إلى إصدار بيانها، إنشاء ربط بين شركتي رميتي وحلاوي وبين شركتين أخريين للصيرفة، هما شركة حسن عياش للصيرفة وشركة أليسا للصيرفة، اللتان كانت الوزارة قد سلطت الضوء عليهما سابقاً بوصفهما مرتبطتين بقضية البنك اللبناني الكندي.

وتخلص المصادر إلى أن بيان الوزارة أراد توجيه رسالتين. الأولى تأكيد أن «شركتي حلاوي ورميتي تتابعان عمل الشبكات السالفة التي فُكِّكت وكانت تعمل لحساب حزب الله، ما يعني أن الحزب يغيّر واجهاته المالية، ما يستتبع استمرار المطاردة الأميركية لنشاطه المالي في لبنان وخارجه». أما الرسالة الثانية، فهي أنّ الخزانة الأميركية ترى أن ملف البنك الكندي اللبناني لا يزال مفتوحاً، وسيكون محل متابعة مشدَّدة في الفترة المقبلة، وأن خطوة إقفال البنك لا تعني أن ملف متابعة نشاط حزب الله المالي قد أقفل.

وبمعنى إجمالي، إنّ الرسائل الآنفة التي ينطوي عليها بيان الخزانة الأميركية، إضافة إلى رسالة الخارجية الأميركية لبيروت التي تؤكد تحييد المصارف اللبنانية في معركتها ضد ما تسميه «نشاط حزب الله المالي»، لها تفسير واحد، هو إشعار الدولة اللبنانية بأن عليها التزام جانب الحياد إزاء حملة التضييق التي ستصعّدها أجهزة مكافحة تبييض الأموال الأميركية ضد الانتشار الاغترابي الشيعي اللبناني في العالم، وخصوصاً في أفريقيا، تحت عنوان مكافحة نشاط حزب الله المالي.

والسؤال الملحّ هو كيف يمكن في ظل غياب معايير واضحة، التمييز بين الأموال التي يرسلها الاغتراب اللبناني إلى عوائله في لبنان، وحقيقة أن هذه الأموال مرسلة إلى حزب الله مواربة، حسبما تدعي الخزانة الأميركية؟ واستدراكاً: هل ستسمح الدولة اللبنانية بإرساء قاعدة دولية يصبح بموجبها اعتبار انتماء المغتربين اللبنانيين إلى الطائفة الشيعية كافياً لاتهام أي تحريك لأموالهم من أفريقيا إلى لبنان بأنه نشاط لتبييض الأموال؟ أين ندية المعايير؟ وتلفت المصادر عينها إلى أن امتداح الرسالة الأميركية القطاع المصرفي اللبناني، يأتي بعد تطور مهم في «تنظيم العلاقة» بين رقابة الخزانة الأميركية ومصرف لبنان لوضع آلية لمراقبة أداء المصارف اللبنانية. ويتمثل مضمون الاتفاق بتوكيل المصرف المركزي مكتباً للمحاماة في واشنطن ليكون وسيطاً بين لبنان والخزانة الأميركية، لضمان ألّا تخرق المصارف اللبنانية العقوبات الأميركية على سوريا وإيران وكل الأنشطة المالية ذات الصلة، ومواءمة العمل المصرفي اللبناني مع قانون أميركي يدخل حيز التنفيذ في شهر حزيران المقبل، وينص على إجبار كل المصارف والشركات المالية الأجنبية على إخطار الخزانة الأميركية بأسماء عملائها من المواطنين الأميركيين أو بكل زبون لدى هذه الشركات والمصارف يشتبه في حيازته الجنسية الأميركية أو بطاقة الإقامة في أميركا. كذلك يطلب من المصارف الأجنبية خارج الولايات المتحدة اقتطاع 30 بالمئة لمصلحة الخزانة الأميركية من الأرصدة الموجودة لديها لزبائن يشتبه بأن لديهم جنسية أميركية، وذلك كضمان لعدم تهربهم من الضرائب.

لكن في مقابل هذه المعايير المتشددة التي يطبقها لبنان لمصلحة الولايات المتحدة، لا تطالب الدولة اللبنانية الخزانة الأميركية بوضع معايير عادلة تضمن حماية أموال مغتربيها في أفريقيا، وعدم الإساءة إلى سلاسة عملية وصول إعاناتهم المالية إلى ذويهم في الوطن، علماً بأن هذه إلاعانات هي أحد تقاليد الاقتصاد اللبناني من عهود قديمة، وهي تؤدي دوراً مهماً في جسر هوة العوز في لبنان.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن