في الوقت الذي يجاهد فيه النظام السوري ووسائل إعلامه للظهور بمظهر الاقتصاد «القوي» و«المتماسك»، وأن أحداث الاحتجاج التي استمرت لأكثر من عام ونيف، لم توهن من عزيمته أو تضعف من اقتصاده، رغم انهيار العملة المحلية، وعودتها في الأسبوع الماضي لتسجيل مكاسب ضئيلة في مقابل العملات الأجنبية الأخرى، جاء تقرير رسمي عن ارتفاع معدلات الفقر وأعداد الفقراء ليبين حجم التقهقر الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه المواطن السوري، والذي تم نشره، وفق بعض المحللين الاقتصاديين السوريين، لتبيان أن العقوبات الاقتصادية التي تفرض على النظام والحكومة السورية، لا تطال إلا المواطن السوري البسيط!
فقد أكد تقرير اقتصادي صادر عن الاتحاد المهني لنقابات عمال الكهرباء والصناعات المعدنية أن «نسبة الفقراء وصلت إلى 41 في المائة من عدد السكان، وأن الخطة الخمسية العاشرة هدفت إلى خلق 625 ألف فرصة عمل جديدة للنصف الأول من عمرها لكنها لم توفر سوى 277 ألف فرصة».
الحكومة السورية بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في سوريا، كانت قد أعدت مؤخرًا تقريراً حمل عنوان «الفقر في سوريا 1996-2004» أظهر أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى في سوريا تصل إلى 30 % «2052 ليرة سورية شهريًا»، في حين تصل نسبة خط الفقر الأدنى إلى 11 % «1458 ليرة شهريًا»، فيما لم تتمكن الحكومة في خطتها الخمسية العاشرة «2006- 2010» من تخفيض هذه النسبة، بحسب خبراء.
ودعا التقرير إلى «الاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة والورشات والحرف والمشاغل التي تشغل الجزء الأكبر من اليد العاملة، وتحفيز ما كان منها في اقتصاد الظل على التحول إلى الاقتصاد الرسمي والقانوني، وحصر نشاطات الشركات الاستثمارية الكبرى والقابضة بالمشاريع الأساسية ذات التكاليف الاستثمارية المرتفعة لا في المطاعم والمنتجعات».
كما طالب التقرير بضرورة «استعادة دور الدولة الرعائي الداعم للفئات الفقيرة ووضع سياسة ثابتة للأجور تقوم على سلم متحرك يتناسب مع غلاء المعيشة والحفاظ على المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة، والحد من تفشي البطالة وخاصة بين الشباب من خلال زيادة استثمارات الحكومة في قطاعها العام والتعاون مع القطاع الخاص لتوفير فرص عمل جديدة».
وأكد التقرير على «حق المواطن السوري في الحصول على عمل يحقق له دخلاً يمكنه من التمتع بحياته والعيش بكرامة وليس بحد الكفاف كما يسعى إليه الكثيرون اليوم»، موضحًا أن «معدلات النمو المستهدفة يجب وضعها لهذا الهدف والعمل على تحقيقه، وأن تأتي السياسات الاقتصادية والاجتماعية لخدمته وتنفيذه بأقرب وقت ممكن».
واشترط الاتحاد في تقريره أن «تأخذ هذه السياسات بالحسبان مجموعة من النقاط أهمها، استخلاص الدروس الأولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستفادة من الأزمة التي تشهدها سوريا، وإجراء مراجعة شاملة وشفافة لنتائج السياسات الاقتصادية الانفتاحية التي اتبعت منذ العام 2000 بشكل عام وتلك التي نفذت ابتداء من عام 2005 بشكل خاص، والرجوع إلى المبادئ الأساسية في مفهوم التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم على شمولية التنمية وعدالة التوزيع».
كما اشترط «إعادة النظر بسياسات الانفتاح والتحرير وهذا لا يعني العودة إلى غلق الأبواب بل الانفتاح على الاقتصاد الإقليمي والدولي بقدر ما يحقق الفائدة لصناعتنا الوطنية وإنتاجنا الزراعي، إضافة إلى الحفاظ على ملكية الدولة وإدارتها للمرافق الحيوية والاستراتيجية كالمرافئ والمطارات وقطاعات الكهرباء والمياه.

تصل نسبة خط الفقر الأدنى إلى 11 % «1458 ليرة شهريًا»