بدأ نحو 2500 مسؤول اقتصادي وسياسي أمس في دافوس أربعة أيام من النقاشات حول مستقبل العالم في ظل التوتر في أوكرانيا والشكوك التي تلقي بثقلها على اقتصاد عالمي متباطئ.
وكما يحصل في كل سنة منذ أكثر من 40 عاما، يلتقي أقوى رجال ونساء العالم في منتجع دافوس الذي تحول إلى قلعة محصنة، ومحور النقاشات الرئيسي هو الاقتصاد.
وبحسب "الفرنسية"، فقد خفض صندوق النقد الدولي بـ 0.3 نقاط توقعاته للنمو العالمي في 2015 (+3.15 في المائة) وفي 2016 (+3.7 في المائة) فيما يسجل الاقتصاد الصيني تباطؤا ويسود الارتياب منطقة اليورو ولا سيما بسبب الانتخابات اليونانية المرتقبة الأحد المقبل التي يمكن أن تشهد فوز حزب سيريزا المناهض لسياسات التقشف.
وتؤرق مسألة التوظيف الاقتصادات العالمية خاصة بعدما أعلنت منظمة العمل الدولية في جنيف أن البطالة لا تزال ترتفع على الرغم من مرور ست سنوات على بداية الأزمة المالية العالمية.
وقالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة إن عدد العاطلين عن العمل بلغ نحو 201 مليون شخص في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي، وتوقعت زيادة العدد بمقدار ثلاثة ملايين هذا العام وبمقدار ثمانية ملايين في السنوات الأربع التالية.
وأشار جاي رايدر المدير العام لمنظمة العمل الدولية إلى أن هذا يعني أن أزمة الوظائف لم تنته بعد، لذا فليس هناك أي مجال للتهاون، وأن 61 مليون شخص فقدوا وظائفهم منذ عام 2008. وعلى الرغم من تحسن الوضع في الولايات المتحدة واليابان وبعض الدول الأوروبية، إلا أن سوق العمل لا يزال محدودا في مناطق أخرى، بما في ذلك جنوب أوروبا، وفقا لتقرير التوقعات السنوية لمنظمة العمل الدولية.وتم نشر هذا التقرير قبيل اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يحضره ساسة ورؤساء وكالات تابعة للأمم المتحدة ومحافظو بنوك مركزية وكبار رجال الأعمال.
ويمكن أن يعلن البنك المركزي الأوروبي اليوم برنامج إعادة شراء أسهم لدعم الاقتصاد في منطقة اليورو، وهو ما سيكون أيضا على طاولة المناقشات، وينتظر مشاركة عدة رؤساء دول أو حكومات في هذا اللقاء الخامس والأربعين للمنتدى الاقتصادي العالمي مثل ماتيو رينزي رئيس الوزراء الإيطالي، ونظيره الصيني لي كه تشيانج.
وسيحضر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أيضا وكذلك حكام المصارف المركزية ورؤساء أكبر المجموعات في العالم من أجل توسيع شبكة علاقاتهم وبحث الشؤون الاقتصادية. وأكد ماتيو رينزي رئيس الوزراء الإيطالي أن الاتحاد الأوروبي بحاجة ماسة إلى استراتيجية لتحفيز النمو، وذلك قبل يوم واحد من اجتماع البنك المركزي الأوروبي من المتوقع أن يقرر فيه ما إذا كان سيطلق برنامجا موسعا لشراء السندات بهدف تعزيز الاقتصاد في منطقة اليورو.
وأضاف أن البنك بالتعاون مع المفوضية الأوروبية يمكن أن يساعد أوروبا في إيصال رسالة جديدة بتوجهها الاقتصادي، مشيراً إلى أنه خلال قمة مجموعة العشرين في أستراليا في تشرين الثاني (نوفمبر) تحدث جميع القادة الموجودين تقريبا عن الحاجة إلى الاستثمار في نمو بلدانهم إلا أوروبا.
وأضاف أن النقطة المهمة الحقيقية والرئيسية لأوروبا المستقبل هي إيجاد صورة لمستقبل يركز على القدرة على الاستثمار في الأجيال الجديدة وليس الإبقاء على النهج التقليدي بأن المستقبل يمثل مشكلة.
ويبدو أن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي عازم على استغلال اجتماع اليوم لإطلاق برنامج قد يتضمن تخصيص البنك أكثر من 500 مليار يورو (578 مليار دولار) لشراء سندات من دول منطقة اليورو، وتهدف الخطة إلى تحفيز النمو الاقتصادي ومنع حدوث انكماش في منطقة اليورو التي تضم 19 دولة.
أكثر من 2500 شخصية تحضر منتدى دافوس لهذا العام.
ويخشى منتقدو القرار داخل المجلس الحاكم للبنك، وعلى رأسهم ألمانيا، من أن الخطة قد تؤدي إلى تخفيف الضغط على دول مثقلة بالديون مثل اليونان. وبحسب استطلاع، فإن كبرى المؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي ورؤساء الشركات الذين استطلعت آراؤهم شركة "برايس ووتر كوبرز" هم أقل تفاؤلا من السابق بخصوص عام 2015.
وتخلى أغلب كبار مسؤولي الشركات الأوروبية عن الأمل في التعافي الاقتصادي خلال العام الحالي بحسب المسح الذي أجرته مؤسسة "برايس ووتر هاوس كوبرز" (بي. دبليو. سي) الاستشارية.
وأظهر المسح الذي نشرت نتائجه قبل انطلاق أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري أن 16 في المائة فقط من كبار المديرين في أوروبا توقعوا ظهور مؤشرات على تعافي الاقتصاد خلال 2015.
وفي حين جاءت الثقة باقتصادات أوروبا منخفضة، فإن الجزء الأكبر من التفاؤل يأتي حاليا من منطقة آسيا والمحيط الهادئ حيث يتوقع 45 في المائة من المديرين تطور اقتصادي إيجابي هناك.
وبلغت النسبة في أمريكا الشمالية 37 في المائة ممن شملهم المسح، وكان اتجاه المديرين الألمان استثناء بالنسبة لباقي المديرين في أوروبا حيث قال ثلث المديرين في ألمانيا إنهم يثقون في الاقتصاد العالمي، وكانت النسبة المقابلة في العام الماضي 40 في المائة. وشمل المسح السنوي الذي تجريه المؤسسة الاستشارية خلال العام الحالي 1300 مديرا من 77 دولة، وبشكل عام توقع 37 في المائة ممن شملهم المسح تعافي الاقتصاد خلال العام الحالي في حين قال نحو 20 في المائة من المديرين إن الظروف الاقتصادية تتدهور وهي ضعف النسبة مقارنة بالعام الماضي.
وقال نوربرت فينكل يوهان رئيس مؤسسة "بي. دبليو. سي ألمانيا" إنه إضافة إلى المخاوف بشأن التغييرات التحولية الناتجة عن التقنيات الجديدة والتقلب في النمو، هناك الأزمات الجيوسياسية وهجمات قراصنة المعلومات.
في الوقت نفسه فإن الكثيرين من المديرين يرون فرصا متزايدة في الاقتصاد الرقمي حيث تقول مؤسسة "بي. دبليو. سي" إن "العصر الرقمي بدأ". ويقوم كثير من الشركات حاليا بإعادة هيكلة عملياته في ضوء سرعة التحولات التي تسببها التكنولوجيا الجديدة في قطاعات وأسواق بالكامل، وأظهر المسح، أن 81 في المائة ممن شملهم يعتقدون أن تكنولوجيا المحمول هي القضية الأكثر أهمية على المدى المتوسط، في حين أن جمع البيانات وتحليلها وأمن شبكات المعلومات والتواصل الاجتماعي والحوسبة السحابية هي موضوعات ذات أولوية كبيرة.
وذكر فينكل يوهان أنه بعد فترة من المناقشات حول مزايا التكنولوجيا الرقمية، أصبحت الصورة أوضح بدرجة كبيرة، وهناك عدد متزايد من الشركات الآن أصبحت قادرة على تحديد أرقام ملموسة للقيمة المضافة التي توفرها التكنولوجيا الجديدة في مجالات تطبيق متعددة.
وعلى الصعيد الأوروبي سجلت روسيا أكبر تراجع في ثقة المديرين بالاقتصاد نتيجة العقوبات الغربية على موسكو بسبب الأزمة في أوكرانيا، وفي حين كان المديرون الروس هو الأكثر ثقة بالاقتصاد العالمي العام الماضي، أصبحوا الأشد تشاؤما في العام الحالي.
وعلى صعيد ملف الطاقة، فمن المتوقع أن يتمحور حول أسعار النفط المنخفضة جدا ما يطرح مشكلة للدول المنتجة، لكن الأثر كان إيجابيا بشكل طفيف على الاقتصاد العالمي بحسب ناريمان بهرافش المختص الاقتصادي في مؤسسة "آي إتش إس".
وأضاف بهرافش أن موضوعي الإرهاب والجيوسياسة سيطغيان على لقاء هذه السنة، والاثنان يشكلان تهديدات جدية للاستقرار السياسي في أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذه السنة ستسعى الوفود للحصول على تطمينات حيال موضوعين، أولهما أن الحكومات الوطنية ستتخذ التحركات اللازمة للحد من مخاطر الإرهاب وثانيهما التأكد من أن جهودا كافية تبذل للحفاظ على نمو الاقتصاد العالمي.