تستقبل مدينة بون الألمانية يومي الخميس (غدا) والجمعة الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين، التي تعد المناسبة الأولى التي يلتقي خلالها مسؤولون بارزون لأقوى 20 اقتصادا على مستوى العالم بشكل «جماعي» عقب تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب مهامه الشهر الماضي.node/938122
وتتألف المجموعة من كل من الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، وبريطانيا، والولايات المتحدة، مع مشاركة كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ورئاسة الاتحاد الأوروبي.
وبعد أقل من شهر من تنصيبه، فإن أكثر من ربع هذه المجموعة، ممثلة في الصين واليابان وكندا والمكسيك وألمانيا وأستراليا، قد نالتها لكمات انتقادية مباشرة من ترمب، فيما يخص الحمائية والاتفاقيات التجارية وحروب العملات، بينما تترقب الدول الباقية مواقف ترمب «سريعة التغير» من أجل الحكم على مستقبل العلاقات التجارية.
وكانت أستراليا وكندا والمكسيك من بين الدول التي تعرضت لأثر سلبي مباشر عند إعلان ترمب إلغاء موافقة الولايات المتحدة على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي.
فيما تعاني المكسيك من ضغوط أميركية لوقف هجرة عمالتها الرخيصة إلى أميركا، ووقف بناء المصانع الأميركية على أراضيها، ورغبة ترمب في تحميلها نفقات بناء جدار عازل بين الدولتين. أما الصين واليابان وألمانيا، فيتهمها ترمب جميعا بممارسة حرب عملات عبر تخفيض عمدي لقيمة اليوان والين واليورو من أجل خلق منافسة سلعية غير عادلة.
إضافة إلى اتهام الصين على وجه الخصوص بالاستفادة بشكل أكبر من علميات إغراق الأسواق ببضائعها.
ويعول كثير من المراقبين على اجتماعات مجموعة العشرين لإذابة الجليد القائم بين هذه الأطراف وإدارة ترمب، خاصة أن الوجود الجماعي للاقتصادات القوية قد يسفر عن تقديم صيغ جديدة ترضي مختلف الأطراف بشكل أكبر، ما يسهم في نشاط لحركة التجارة العالمية والنمو الاقتصادي بشكل عام.
وبعد زيارة بدت ودية للغاية إلى أميركا، قال رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أمس إنه اتفق مع الرئيس ترمب على ترك مناقشة القضايا المتعلقة بسعر العملة للمسؤولين الماليين في البلدين، مما قد يشير إلى رغبة ترمب في تخفيف حدة انتقاداته بتلاعب اليابان في قيمة العملة لتحظى بمزايا تجارية.
وفي بيان مشترك عقب لقاء القمة بين الاثنين في مطلع الأسبوع في واشنطن، أكد آبي وترمب التزامهما بتبني سياسات مالية ونقدية وهيكلية لتعزيز الطلب المحلي والعالمي.
وقال آبي إن البيان يؤكد أن إدارة ترمب تقر بفاعلية سياساته التي تجمع بين التحفيز النقدي والتوسع المالي والإصلاحات الهيكلية، والتي بدأها قبل أربع سنوات لتنشيط ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وهذه الأجواء ربما تكون إيجابية للغاية لاقتصاد البلدين.
وقال آبي أمام البرلمان: «عندما كنت مع الرئيس بمفردنا في البيت الأبيض، قلت له إنه من غير الملائم لنا كزعماء أن نناقش قضايا سعر الصرف مباشرة. ومن الأفضل أن يناقش قضايا العملة وزير المالية ووزير الخزانة لكل من البلدين».
وعلى الأرجح سيجري تبني أي قرارات بشأن السياسة الاقتصادية خلال الحوار الاقتصادي الثنائي الذي يقوده نائب الرئيس الأميركي مايك بنس ونائب رئيس الوزراء الياباني تارو آسو.
كما يتوقع كثير من الخبراء أن تسهم لقاءات المسؤولين خلال اجتماعات مجموعة العشرين في مزيد من التقريب بوجهات النظر.
من جهة أخرى، أعلنت الصين أمس أن وزير خارجيتها وانغ يي سيحضر اجتماعات مجموعة العشرين هذا الأسبوع، ما يمكن أن يشكل مناسبة لعقد لقاء بينه وبين نظيره الأميركي الجديد ريكس تيلرسون.
ومع تصاعد التوتر الأسبوع الماضي في العلاقات الصينية الأميركية بسبب تايوان، بدا وكأن وانغ لن يحضر الاجتماع، معللا ذلك بارتباطه بمناسبة أخرى في بكين. لكن بعد الإعلان عن اتصال هاتفي ودي بين ترمب ونظيره الصيني تشي جينبينغ، وجد وانغ
وبشكل فجائي وقتا لحضور اجتماع بون، كما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ في مؤتمر صحافي دوري.
ويعتبر اجتماع بون اللقاء الأعلى مستوى بين الصين وإدارة ترمب، التي أغاظت بكين بعد إعلان ترمب في ديسمبر (كانون الأول) أنه غير ملزم حكما بـ«مبدأ الصين الواحدة»، في نقض لموقف أميركي ثابت منذ عقد يقر بأن تايوان ليست جزءا منفصلا عن الصين.
لكن ترمب أعاد الجمعة التأكيد على الالتزام الأميركي بـ«الصين الواحدة» خلال اتصال مع الرئيس جينبينغ، وصف بأنه «دافئ جدا». وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية إن بكين تأمل بأن يرسل اجتماع مجموعة العشرين «إشارات إيجابية في دعم التعددية، وخلق اقتصاد عالمي مبتكر ومترابط ومفتوح وجامع».
وعلى صعيد ذي صلة، طالب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو مساء الاثنين باستمرارية حرية التجارة بين بلاده والولايات المتحدة، عقب لقاء ترمب، الذي يسعى لإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا).
وقال ترودو إن أي تغييرات على (نافتا)، والتي يعمل بها منذ عام 1994 بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك، تشكل «مصدر قلق حقيقي لكثير من الكنديين لأننا نعلم أن اقتصادنا يعتمد اعتمادا كبيرا على الروابط والعلاقات بيننا وبين الولايات المتحدة».
وتابع أن التجارة بين الولايات المتحدة وكندا، الذي تبلغ قيمتها نحو ملياري دولار يوميا، تسهم في توفير الملايين من «الوظائف الجيدة للكنديين»، وأضاف أن «هناك أيضا وظائف جيدة، وملايين من فرص العمل في الولايات المتحدة تعتمد على تلك العلاقات التي تربط بلدينا».
وأشار إلى أن المحادثات التجارية في المستقبل مع واشنطن يجب أن تتم مع الوضع في الاعتبار «هذا التدفق الحر للسلع والخدمات، وعلينا أن نكون على بينة من التكامل بين اقتصاداتنا، وهو أمر إيجابي للغاية لبلدينا». وذلك في وقت تذهب فيه أكثر من 75 في المائة من الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة عام2016.
وقال ترمب، الذي تسببت مواقفه الملتهبة بشأن الهجرة والتجارة في إلغاء زيارة الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو للبيت الأبيض في الشهر الماضي، إن الولايات المتحدة لديها «علاقات تجارية بارزة جدا مع كندا... وسوف نقوم بتعديلها... سنفعل بعض الأشياء التي ستعود بالفائدة على كل من بلدينا. إنه موقف أقل حدة بكثير مما حدث على الحدود الجنوبية». وتابع ترمب أن التجارة مع المكسيك «لسنوات كثيرة لم تكن عادلة بالنسبة للولايات المتحدة»، لكنه تعهد أنه «بالعمل مع المكسيك - سنجعلها صفقة عادلة لكلا الطرفين».
وفي مقابل الرسائل الودودة من إدارة ترمب للغاضبين، بعث الاتحاد الأوروبي برسالة أكثر حدة إلى واشنطن أمس، حيث أكد نائب رئيس المفوضية الأوروبية يركي كتاينن أن الاتحاد الأوروبي سيرد في حال اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات حمائية، ذلك في مقابلة نشرتها صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وقال الفنلندي كتاينن: «إذا تحركت أي جهة بما يناقض مصالحنا أو يخالف القواعد التجارية الدولية؛ فلدينا آلياتنا الخاصة للرد»، مضيفا أن الاتحاد يفضل تجنب حرب تجارية مع الولايات المتحدة قد تشكل «كارثة» للاقتصاد العالمي، لكنه سيرد في حال أقام الأميركيون حواجز حمائية.