لبنان في أول خطواته نحو نفط أعماقه البحرية... بعدما حرّر جولة التراخيص

تاريخ النشر: 13 فبراير 2013 - 08:07 GMT
تتفاقم حاليا الخلافات والحملات في إسرائيل تخوفا من هذه الأخطار على السواحل
تتفاقم حاليا الخلافات والحملات في إسرائيل تخوفا من هذه الأخطار على السواحل

مع اطلاق دورة التراخيص الأولى بعد اقرارها من مجلس الوزراء اخيرا، يبدأ لبنان رحلة الالف ميل على طريق التنقيب عن النفط في المياه الاقليمية. لكن، لن يتمكن لبنان عبر الشركات العالمية التي سيستقطبها من تحديد الكميات الحقيقية للموارد الساحلية من النفط والغاز قبل بدء بعمليات التنقيب، علما انه قد يواجه "فجوات قاحلة" تشبه ما اكتشفته اسرائيل في قعر بحرها تجاه الساحل.اذا، يمكن القول ان لبنان باشر منذ جلسة مجلس الوزراء اول من امس، الاجراءات العملية للتنقيب عن النفط، مع تحديد المعايير امام الشركات العالمية للمشاركة في المناقصة التي ستطلقها قريبا وزارة الطاقة.

وفي ابرز الشروط، ان تكون قيمة موجودات الشركة 10 مليارات دولار وصاحبة تجربة (حفر باعماق تفوق 1500 متر) اضافة الى اشتراط بلوغ قيمة موجودات الشركتين الشريكتين للشركة المشغلة 500 مليون دولار (كونسورسيوم من 3 شركات وفق القانون: شركة مشغلة وشركتان شريكتان). تستعد وزارة الطاقة لاطلاق المناقصة العالمية قريبا في ظل قاعدة معلومات تفيد وفق التخمينات الاولية بان المخزون حيال الساحل الجنوبي للبنان تقدّر بنحو 25 تريليون قدم مكعّب من الغاز الطبيعي، وهي تفوق ما اكتُشف في سوريا وقبرص معا، علما ان المسوحات الزلزالية الثلاثية البعد تبيّن إحتمال وجود نفط سائل. ورغم عدم انجاز استكشاف قعر المياه الشمالية، كشف الوزير جبران باسيل عن فرص جيدة وكبيرة بوجود موارد نفطية قد تفوق ما استكُشف جنوبا. وللمقارنة فقط، تتجاوز الكميات الموجودة في روسيا 120 تريليون قدم مكعب، وفق الاستاذ الزائر في جامعة "كمبردج" البريطانية الدكتور يسار ناصر.رغم ذلك، يدعو الخبير في علم الطاقة وسياسة المرافق العامة جورج ساسين الى مقاربة هذا التفاؤل بقليل من الحذر، مؤكدا ضرورة ان يعي اللبنانيون والسياسيّون ان الكميّات "لن تصبح مؤكدة إلا بعد إطلاق عملية الإستكشاف والتنقيب. فخلافا للتوقعات، فوجئت إسرائيل في عمليات التنقيب، بفجوات قاحلة قبل استكشافها للنفط والغاز"، فيما يؤكد ناصر ضرورة التمييز بين الانواع المختلفة للغاز، كالعادي او المحفور في الصخور او في الفجوات الطبيعية، "مما يتطلب قدرات استخراج وتكاليف خاصة بكل نوع منها". الى ذلك، ثمة محاور ومراحل يجب تجاوزها بدقة، ولا سيما منها مسألة الشفافية التي تتطلبها الشركات العالمية التي ستشارك في عمليات الاستكشاف والاستخراج. لكن، كيف ستوّفر الهيئة الناظمة للنفط الشفافية، وهي التي كانت موضع تحفظ لدى تعيينها؟ يتوقع ساسين بدء عمليات التنقيب والإستكشاف في ال2014 وخصوصا بعد تعيين الهيئة الناظمة التي تشمل مهماتها، تهيئة التفاصيل للشروع بإطلاق مناقصة التنقيب في الأشهر المقبلة. "لكن، هل مهمة الهيئة محدودة ومحصورة بإصدار رخص التنقيب بأسرع وقت؟ وهل تشمل وضع تخطيط طويل الأمد للتنبه الى المخاطر الوجودية التي قد تنتج عند البدء بالتنقيب؟ وما الإجراءات الآيلة للسيطرة على الفساد الذي قد يستشري في إدارة القطاع؟ وكيف نحمي بحرنا وشواطئنا من مخاطر انسكاب النفط والتلوث؟".

ورأى ضرورة طرح تلك التساؤلات تجنبا لحصول كارثة، "اذ لا نريد ان نتحوّل الى النموذج النيجيري، حيث يستخدم السياسيون الفاسدون الثروة النفطية للمحافظة على سلطتهم، اما عبر الإنفاق على الحملات الإنتخابية او عبر تمويل الميليشيات. فاذا كانت الشفافية في تنفيذ العمليات وادارتها هي الضمانة لتفادي هذه المشكلات، فكيف ستوفرها الهيئة الناظمة وهي التي تمّ تعيينها على نحو غير شفّاف؟". واكد ضرورة لحظ مخاطر التلوث غير المحسوبة والمحدقة بقطاع الخدمات في الإقتصاد المحلي.ووفقاً لناصر، فان مراجعة الخبرات العالمية في هذا المجال تؤكد ضرورة انشاء صندوق سيادي يعود اليه كامل عائدات النفط للاستثمار المجدي داخل البلد وخارجها، مشيرا الى ان نروج على سبيل المثال، استطاعت ان تجمع نحو 650 مليار دولار في صندوقها السيادي تحوطاً الى حين انتهاء مخزون الطاقة عندها.المشكلات البيئيةنظرا الى أخطار التلوث المتصلة بموضوع التنقيب، تبرز مسألة مهمة يفترض ان تحتل الأولوية لدى الهيئة الناظمة، وتتمثل في الحماية من خطر انسكاب النفط في المياه اللبنانية. ويستوجب هذا عدم إصدار رخص التنقيب قبل وضع أنظمة تقنية وفنية دقيقة وصارمة ترمي الى حماية آبار التنقيب ضد هذه الاخطار، وتاليا حماية المياه الإقليمية والساحل اللبناني والسواحل المجاورة من تلوث خطير.ويرى ساسين ان أخطار التلوث البحري الضخم نتيجة اي عطل محتمل في التجهيزات قائمة فعلياً، على مثال كارثة تسرّب النفط في خليج المكسيك على الساحل الاميركي منذ سنتين، وكذلك بالنسبة الى إسرائيل حاليا. "فقد واجهت "نوبل إينيرجي"، وهي إحدى الشركات المنقبة في المياه الإسرائيلية، صعوبات في وقف تسرّب في موقع "لفياتان2 " بسبب عطل في التجهيزات.

وتتفاقم حاليا الخلافات والحملات في إسرائيل تخوفا من هذه الأخطار على السواحل". لذلك، ينبّه ويدعو الى التحوّط لتلك الاخطار باكرا ودرسها في اطار لجان نيابية وضمن الحكومة، تجنبا لتعرض لبنان لها مستقبلا لأخطار مما سيؤدي الى دفع تعويضات تنظيف التلوث وسقوط ضحايا أو لإجراءات قانونية محتملة من الدول التي يمكن ان تتضرر من التلوث. "ويمكن ان تتعدى الاضرار الخسائر البيئية، لتقضي على القطاع السياحي والثروة السمكية والنقل البحري، وربما على محطات انتاج الطاقة على طول الشاطئ اللبناني". ودعا سياسيي الهيئة الناظمة لمراجعة الأنظمة بدقة كما في الولايات المتحدة وبريطانيا ونروج واسوج التي اختبرت كوارث في مواقع التنقيب وأنجزت حلولاً تتضمن وضع معايير تقنيّة صارمة على شركات التنقيب الدوليّة. كذلك، حض على إنشاء سلطة مراقبة مستقلة لمتابعة التطبيقات القانونية والضوابط الفنية، وضرورة ان تلحظ الشركات خططا طارئة لاحتواء تسرب النفط والغاز، وان تضع كفالات ماليّة لضمان إعادة إصلاح الأضرار المحتملة وتأهيل البيئة.

لقد تمّ تعيين الهيئة الناظمة للنفط بغية تنفيذ مهمة محددة، لكن يجب ألا يمنع ذلك في رأي ساسين من تأليف"هيئة حكومية تتمتع بالصلاحيات القانونية اللازمة لمقاربة عملية التنقيب بأفق اوسع لادراج التخطيط الطويل الامد في دفاتر الشروط، احتياطاً وتفاديا للكوارث". واذ يقرّ باحقية استخراج موارد النفط والغاز وتطويرها في اسرع وقت، يؤكد ضرورة اعتماد الحذر والمسؤولية.دورة التنقيب انطلقت بدءا من جولة التراخيص. فهل يأخذ لبنان بالخبرات العالمية ويتفادى ما امكن مشكلات طارئة على الطريق نحو اعماق المياه؟

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن