في الماضي، كان المدراء الجدد يمتلكون غالباً رفاهية اكتساب خبراتهم الأساسية في مجال إدارة الاجتماعات مع الفرق التقليدية التي كانت عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين يعملون في قاعة واحدة كبيرة مع بعضهم البعض، ويجتمعون في غرف الاجتماعات للتباحث فيما يحاولون إنجازه وكيفية تحقيق ذلك. لكنّ المؤسف في الأمر، هو أن بيئة العمل العالمية اليوم باتت وبصورة متزايدة لا توفّر دوماً هذا النوع من الرفاهية.
والعديد من المدراء الذين يشغلون مناصبهم للمرّة الأولى يجدون أنفسهم وقد أوكلت إليهم مهمّة قيادة فريق مؤلف من مرؤوسين مشتتين ومنتشرين في مناطق متباعدة مكانياً.
إنّ عملية إدارة فريق مؤلف من أفراد موزّعين ومشتّتين يمكن أن تولّد شعوراً طاغياً ومربكاً، بما أن ذلك يتطلّب التعامل مع أنماط مختلفة من المسافات: الجغرافية، والزمانية، والثقافية، واللغوية، والشكلية (أي العدد النسبي لأعضاء الفريق في كل موقع من المواقع). فكلّ جانب من هذه الجوانب يؤثّر على ديناميكية العلاقة ضمن الفريق، وبالتالي فإنّه يترك أثراً على الفعالية والأداء أيضاً.
ورغم أنّ هذه المهمّة تبدو صعبة ومثبطة للهمم، إلا أنّ البشرى تكمن في أنّ هناك الكثير من الأبحاث ومن الممارسات الفضلى المتزايدة على الدوام حول كيفية زيادة فرصك في النجاح في التعامل مع هذه المسألة. ولكن بادئ ذي بدء، من الأهمية بمكان فهم أي الجوانب من ديناميكيات عمل الفريق تتأثر ببعد المسافات، وأيّها لا تتأثّر ببعد المسافات.
التأثير الناجم عن بُعد المسافات
على الرغم من أنّ جميع الأنواع المختلفة للمسافات المذكورة أعلاه يؤثّر علينا، إلا أن تأثيرها يتجلّى بصورة أساسية من خلال آليتين رئيسيتين ألا وهما: الهوية المشتركة والسياق المشترك. وبالتالي فإنّ فهم هذين العنصرين سيساعدك في وضع خطّة ذات استهداف أوضح من أجل الإدارة عن بعد.
أولاً، المسافة تؤثر في الطريقة التي تشعر بها تجاه الناس. فالتعامل مع أنواع المسافات المذكورة أعلاه (وهي غالباً ما تُجمع معاً وتوصف بأنها “مكانية”) يولّد إحساساً بـ”المسافة الاجتماعية” – أي الإحساس بغياب الهوية المشتركة، أو امتلاك شعور “نحنُ – وَ – هُم”.
وغياب الهوية المشتركة له تأثير أقوى بكثير على ديناميكية عمل الفريق من تأثير أي نوع من الأنواع الأخرى للمسافة، إذا ما أخذنا كلّ واحد منها بصورة فردية.
ففي دراسة ميدانية تجريبية قمت بها أنا ومايكل أوليراي، على سبيل المثال، أظهرنا بأنّ الهوية غير المشتركة الناجمة عن المسافة الاجتماعية أدّت إلى زيادة مشاكل التنسيق وقللت من المعرفة الجماعية للمجموعة التي تأخذ شكل ما يُسمّى الذاكرة التبادلية (Transactive Memory).
فعندما تعمل الفرق بمستويات مرتفعة من الذاكرة التفاعلية، فإنها تعلم أي جزء من الفريق يحتفظ بأي نوع من المعلومات، وكيف يمكن الوصول إلى هذه المعلومات. على سبيل المثال، إذا كان الجميع يعلمون بأن هيكتور هو شخص موهوب في وضع التوقعات، فإن الفريق سيوفّر وقتاً إذا ما افترض بأن هيكتور هو المسؤول عن أي معلومات جديدة بخصوص وضع التوقعات. ولكن عندما تتعرّض الذاكرة التبادلية للضعف أو التلف، فإن كفاءة المجموعة تتأثر وتنخفض.
وبصورة مشابهة، توصّلت دراسة أجريت مع باميلا هيند إلى أن هذا الشعور القائم على “نحنُ – وَ – هُم” زاد بقدر كبير من مستويات النزاع ضمن الفرق العالمية المتخصصة بالأبحاث والتطوير في واحدة من الشركات النفطية الواقعة في المراتب الخمسة الأولى على قائمة (Fortune 500) لكبريات الشركات في العالم.
ثانياً، المسافة تؤثر على ما تعرفه عن الناس. وتشير كاثرين كرامتون إلى هذا المفهوم باسم “مشكلة المعرفة المتبادلة”، وهو ببساطة يعني بأنك لا تعرف ما يعرفونه – والعكس صحيح. فلماذا يُعتبر هذا الأمر هامّاً؟ لأن الإحساس المشترك بسياق الأمور، أي الفهم المشترك ليس فقط لما تفعلونه وإنما كيف تفعلونه ولماذا تفعلونه، هو محرّك أساسي لقدرتكم على التنسيق والتعاون. والفريق الذي يمتلك أعضاؤه فهماً مشتركاً يُعتبر أكثر كفاءة.
وهو لا يضيع وقته في ضمان سير جميع الأعضاء في الاتجاه ذاته، كما أنّه يعاني من قدر أقل من المشاكل المرتبطة بحالات سوء الفهم. وفي المثال المذكور أعلاه عن فريق الأبحاث التطوير في الشركة النفطية، اكتشفنا بأن السياق المشترك كان بالتحديد محرّكاً قوياً للنزاعات التي نشبت على المهام، أو لعدم الاتفاق على العمل الذي يجري إنجازه.
وإذا ما أخذنا هذين العاملين معاً، فذلك يعني بأنك عندما تجري تقويماً للآثار التي تتركها المسافة على فريقك، فإنّك بحاجة إلى أن تبقي في ذهنك أمرين اثنين: الأول هو شعورك تجاه زملائك البعيدين، والثاني هو ما تعرفه عنهم.
ورغم أن المعلومة التالية قد تفاجئكم، إلا أن المسافة لا تغيّر من القواعد الأساسية للّعبة. فالفريق الافتراضي، المؤلف من أفراد متباعدين مكانياً، هو أولاً وقبل كل شيء فريق. فمجرّد أن أعضاء فريقك موزعون لا يعني بأنّك يجب أن تتخلّى عن الحكمة الشائعة بخصوص الطريقة التي تعمل بها أكثر الفرق فعالية. وأنت يجب أن تسلّح نفسك بنموذج جيّد لفعالية الفرق وأن تستعمله لكي تقوّم الديناميكيات والعمليات السائدة في الفريق ولكي تحسّنها. فالنموذج سيوفّر لك هيكلية واضحة وسيساعدك في تنظيم جهودك عندما تتولّى الإدارة للمرّة الأولى. وهذا الأمر مهم تحديداً بالنسبة للأشخاص الذين يواجهون تعقيدات إضافية يفرضها بُعدُ المسافات.
التعامل مع التأثيرات الناجمة عن بُعد المسافات
أولاً، يجب إعطاء الأولوية للأمور ذات الأولوية: والقاعدة الأولى هي أنّك لا يجب أن تُصاب بالهلع أو الذعر. وتذكّر بأنّ الفرق العالمية الافتراضية الموزّعة في أماكن مختلفة مؤلفة من بشر حالها حال أي فريق آخر.
وكلّما كنت أنت وأفراد فريقك قادرين على تذكّر هذه الحقيقة بشكل أكبر، كلّما أصبحت نتائجكم أفضل. وبوصفك أنت المدير، شجّع الجميع على أن يشاركوا في عملية تقديم الآراء: فكّر كيف كنت ستتصرّف فيما لو تبادلت الأدوار مع مرؤوسيك. فهذه طريقة بسيطة لتذكير أعضاء فريقك بأنّ التعاون ليس ضرباً من السحر، وإنّما يحتاج إلى بعض الجهد.
ثانياً، تذكّر الأساسيات. سلّح نفسك بنموذج مُختبر جيداً عن فعالية الفرق واستعمله ليساعدك في ترتيب أفكارك. ولاشكّ في أنّ هناك العديد من الأمثلة عن هذه النماذج. وبالنسبة لي أنا، فإنّ نموذج جي. ريتشارد هاكمان لفعالية الفرق هو نقطة بداية ممتازة. فهو يستند إلى كميات هائلة من العمليات البحثية الصارمة التي طبّقت على طيف واسع من الفرق.
وهذا النموذج يشدّد على أهمية هدف الفريق. وتُظهرُ أبحاثي الشخصية التي تستند إلى عمل هاكمان (وهي أبحاث مدعّمة ببراهين جمعت في الصفوف الدراسية التي ضمّت مدراء تنفيذيين) بأنّك إذا فعلت شيئاً واحداً فقط، ألا وهو ضمان أن يكون هدف الفريق واضحاً، ومفعماً بالتحديات الإيجابية، ومترابطاً منطقياً، ومشتركاً بين أعضائه، فإنّ ذلك سيضمن الحصول على أكبر المكاسب. وهذا الأمر يصح سواء كان مرؤوسوك جالسين في القاعة المجاورة أو منتشرين حول العالم.
في نهاية المطاف، إدراكك للعملية التي يعمل فريقك وفقها أهم من النموذج المحدّد الذي تختاره. خذ ذلك النموذج واستعمله لتقويم أدائك السابق، وتحديد وضعك الحالي، وتحديد الاتجاه الذي تسير فيه.
ثالثاً، فكّر في (وتحدّث عن) كيفية التغلّب على الآثار السلبية التي يمكن لغياب الهوية المشتركة والسياق المشترك أن يتركها.
ولكي تساعد فريقك في التغلّب على ذهنية “نحنُ – وَ- هُم”، حاول أن تعزّز ما هو “مشترك”: أي الغاية التي يسعى الفريق إلى تحقيقها. فكلّ الفرق، على اختلاف أنواعها، مُصمّمة لتحقيق شيء معيّن، وإذا كان الفريق جيّد التصميم، فإنّ أعضاءه يعتمدون على بعضهم البعض لتحقيق هدفهم. حاول أن تذكّر فريقك بأنكم جميعاً تعملون لتحقيق الغاية ذاتها، وبأنّكم تحتاجون بعضكم البعض للوصول إلى تلك الغاية. وفعل ذلك منذ البداية، وكذلك أثناء سير المشروع، سيساعد في بناء إحساس قوي بالهوية المشتركة.
إنّ الفهم المشترك يتأتّى من تقاسم المعلومات. فأفراد الفريق الذين يعملون من مسافات بعيدة يحتاجون إلى بذل جهد ليفهموا ما هو حاصل في السياق المحلي لكل شخص. والمهم في الأمر هو أن ذلك لا يقتصر على المعلومات التي تخصّ العمل الذي يجري إنجازه، وإنما يشمل أيضاً معلومات حول البيئة التي يعمل الناس فيها (مثل التغيّرات البنيوية، والسياسات المطبّقة في المكتب، بل وحتّى المناسبات والأحداث الشخصية). فكلّ هذه الأمور تؤثر على نفسية زملائك المشتتين مكانياً، وبالتالي، فإنّها تؤثر على الطريقة التي يتفاعلون بها معك ومع بقية أعضاء الفريق.
وإليك الملاحظة الأخيرة التالية: من السهل الاقتصار في التركيز إما على المعلومات أو على ديناميكيات التفاعل الشخصي مع إهمال الأخرى، لكنّ ذلك يقود إلى رسم صورة غير مكتملة المعالم.
وأنت بحاجة إلى دراسة تأثيرات كلا الأمرين وكيف يعزّز واحدهما الآخر. وأنا أشجّع مدراء الفرق على الدوام بأن يجروا عمليات تدقيق مُبرمجة مسبقاً ودورية ليس فقط لقياس مدى التقدّم المحرز باتجاه تحقيق هدف الفريق، وإنما لمناقشة سياق الفريق (ما الذي يعرفه) وهويته (من هو).
اقرأ أيضاً: