على مدار عقود، كان السفر مهمة شاقة على ملايين الفلسطينيين، إذ اضطروا لقطع ثلاث أو أربع محطات قبل بدء رحلاتهم إلى الوجهات المقصودة، وهي معاناة تقدم لها إسرائيل "بديلاً" اليوم، من خلال توفير رحلات جوية دورية للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية من خلال مطار رامون الإسرائيلي، وهي خطوة أثارت اعتراضات أردنية كبيرة.
في شهر يوليو/تموز الماضي، وخلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل والضفة الغربية، قدمت إسرائيل مقترحاً تسمح من خلاله للفلسطينيين بالسفر جواً خارج البلاد، باستخدام مطار رامون الدولي في إسرائيل، بدلاً من اضطرارهم إلى عبور جسر الملك حسين إلى الأردن ليتمكنوا من السفر عبر مطار الملكة علياء الدولي.
لم يبدأ تطبيق الخطة الفعلي سوى خلال الأيام الماضية، إذ حملت أولى الرحلات عدداً من الفلسطينيين من مطار رامون إلى قبرص.
في حين تضمنت الخطة الإسرائيلية شروطاً على الفلسطينيين، أبرزها قيامهم بسحب ادّعائهم القضائي ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما آثار جدلاً كبيراً بين الفلسطينيين وبين الأردنيين على حدّ سواء.
بالنسبة للفلسطينيين المعارضين للاستفادة من "العرض" الإسرائيلي، فإن الأمر يتعلق بجهد إسرائيلي اقتصادي خالص، كونه محاولة لإعادة إحياء مشروع المطار الذي تم افتتاحه عام 2019 ولم يحقق أي نجاح يذكر من ذلك الحين. كذلك يعارض بعض الفلسطينيين هذه الخطوة لاعتبارات سياسية، كأن تستخدم إسرائيل هذه الخطوة لتبرهن على تقديمها "تسهيلات" للفلسطينيين الذي يعيشون تحت حكمها العسكري ولنفي أي اتهامات بالحدّ من حرية الفلسطينيين في الحركة.
على الجانب الآخر، قارن بعض الفلسطينيين بين تكلفة السفر عن طريق الأردن وتلك عن طريق مطار رامون الإسرائيلي في في صحراء النقب، وكانت النتيجة فارقاً كبيراً لصالح الرحلة إلى رامون.
For the first time, #Palestinians from West Bank fly to #Cyprus using Ramon Airport in #Eilat in southern #Israel, part of a pilot program by Israeli government that will allow West Bank residents to easily access international flights in future. https://t.co/4fuPeMdksL pic.twitter.com/bIiN6Arf5e
— Ahmed Quraishi (@_AhmedQuraishi) August 22, 2022
على الجانب الأردني، تحرم الرحلات الفلسطينية عبر مطار رامون الأردن من قرابة ربع مليون مسافر فلسطيني يدخلون الأردن سنوياً عبر جسر الملك حسين المعروف كذلك باسم جسر اللنبي، ما يعني توقف مصروفاتهم في الأردن، بدءاً من العبور عن الجسر واستخدام سيارات الأجرة الأردنية أو الإقامة في فنادق البلاد قبل مغادرتها مرة أخرى.
يخشى الأردنيون أن الخطوة الإسرائيلية الجديدة بالسماح للفلسطينيين بالسفر عبر مطار رامون ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الأردني. بحسب تقديرات أفادت بها صحيفة Jordan Times الأردنية، فإن الأردن يتوقع انخفاض عدد الزوار الفلسطينيين بنسبة تتراوح بين 55% و 65% إذا ما استمرت الرحلات عبر مطار رامون.
بدأ القلق الأردني من مطار رامون قبل سنوات عديدة، عندما بدأت إسرائيل في بنائه في جنوب صحراء النقب، خصوصاً الخشية من أن يؤثر تشغيل المطار الدولي القريب من البحر الأحمر على حركة السياحة في المدن الأردنية الجنوبية، بالأخص مدينتي العقبة والبتراء.
يقع مطار رامون الإسرائيلي على بعد 10 كيلومترات عن مطار الملك حسين الدولي في مدينة العقبة الأردنية، ما يعني إتاحة الفرصة أمام قطاع السياحة الإسرائيلي لجذب السياح من مختلف مناطق العالم للإقامة فيها قبل القيام برحلات برية قصيرة لزيارة البتراء، وإعادة السياح إلى إسرائيل بعد ساعات، وهو ما يعني تدميراً تدريجياً للقطاع السياحي والفنادق في الأردن، وهي التي تعد واحدة من أهم مصادر دعم الاقتصاد في البلاد.