بثقة لا تستند للواقع النقدي والمصرفي، يطرح تجار وعدد من المسؤولين في القطاعين العام والخاص سؤالا مفاده: الدينار الى اين وهل يستطيع الصمود امام العملات؟ ومبعث هذا التوجس والريبة ناجم عن تحذيرات الحكومات الواحدة تلو الاخرى، في ضوء ارتفاع عجز الموازنة والدين العام، وعدم مواكبة المنح والمساعدات الخارجية لاحتياجاتنا، وهذه الاسئلة مفهومة عندما يطرحها العامة بالرغم من عدم امتلاكهم اموالا سائلة، هذه الاسئلة مشابهة للوضع المالي والنقدي الذي ساد عقب ازمة الدينار للعام 1989، وتحديدا خلال النصف الاول من عقد التسعينات الماضي وكان يطرح السؤال نفسة، هل سينخفض الدينار امام العملات الرئيسة؟
وباعتبار المزاج الشعبي العام يهوى تلقف مثل هذه الاسئلة والاشاعات بسرعة البرق، قام البنك المركزي آنذاك باتخاذ قرار استراتيجي يستند الى ارادة سياسية بتثبيت سعر صرف الدينار الاردني امام الدولار الامريكي عند مستويات منطقية (710- 708) فلسات للدولار الامريكي، واتخذ البنك المركزي سياسات شجاعة باستخدام ادوات الدين العام لتعزيز الاستقرار النقدي، وزيادة الجاذبية للدينار كوعاء ادخاري، وساهمت هذه السياسة في دعم الدينار والاقتصاد الكلي رغم الكلف التي لا مناص منها في حينه، وادت السياسة النقدية في تعظيم الاحتياطي الجاهز من العملات الاجنبية الذي بلغ قبل اكثر من عام 12.24 مليار دولار، كل ذلك بالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد الاردني بسبب تداعيات الازمة المالية العالمية والربيع العربي الذي يجتاح المنطقة.
وقبل التطرق الى الاسباب الكامنة وراء انخفاض الاحتياطي الجاهز من العملات الاجنبية لدى «المركزي» من الضرورة بمكان تحديد مصادر الاردن من العملات الاجنبية وهي الصادرات التي تنمو بنسبة مريحة بالرغم ما يدور حولنا اقليميا ودوليا، وتحويلات المغتربين، والمقبوضات السياحية، والاستثمارات الاجنبية الجديدة، والمنح والمساعدات العربية والاجنبية بما في ذلك القروض الميسرة، ومقبوضاتنا من قطاعي التعليم العالي والصحة اللذين يدران دخلا جيدا بالعملات الاجنبية، وحصيلة هذه البنود جيدة وتحتاج الى ادارة حكيمة لتعظيمها وعدم التساهل في انفاقها او تبديدها.
وفي الجانب الآخر، فان انفاق العملات الصعبة يتم بتمويل الصادرات بخاصة النفط وهو اكبر رقم يهدد الرصيد الجاهز من العملات الاجنبية، وتحويلات صافي ارباح قطاعات رئيسة وهي البنوك والاتصالات والتعدين لارتفاع نسبة الملكية العربية والاجنبية في رؤوس اموالها، والسياحة الى الخارج، والتهريب، وتحويلات العاملين الوافدين الذين يتزايد عددهم بمتوالية غير مبررة ولا تقدم قيمة مضافة كبيرة في الاقتصاد، وهذه البنود تهدد العملات الاجنبية في النظام المالي والجهاز المصرفي الاردني.
صحيح اننا في وضع غير طبيعي وان الحاجة تتطلب اتخاذ قرارات عاجلة بدءا من تعديلات قانون ضريبة وضبط سوق العمل وتنظيمه، ووضع عقبات غير جمركية على المستوردات من غير المواد الاولية والسلع الغذائية، واقرار نظم من شأنها عرقلة نزف العملات الاجنبية، واولا واخيرا، فان الرصيد الجاهز ما زال آمنا؛ فالدينار ثابت رغم التحديات.