ظاهرة الرشوة تتفاقم في القطاع العام المغربي

تاريخ النشر: 02 مايو 2005 - 07:56 GMT

موضوع “المال العام المنهوب” وسبل استرجاعه، و”مقاومة الرشوة”، وتعزيز مقومات الحياة العامة، تبقى جميعها قضايا مثيرة للجدل في الساحتين السياسية والاعلامية في المغرب.وكان المراقبون اعتبروا انشاء “هيئة الانصاف والمصالحة” خطوة جريئة في اطار مواجهة مخلفات عهد الستينات والسبعينات، الذي استمرت تداعياته حتى بداية التسعينات من القرن الماضي، والذي لم تكن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان استثناءات فيه، كما تؤكد الجهات المختصة.ولما كانت معالجة هذا الملف عند الكثير من الفاعلين السياسيين والحقوقيين لا تتوقف عند حدود المعالجة الحقوقية، فيما يخص السلامة الجسدية، على اعتبار أن “الملف الحقوقي لا يقبل التجزئة”؛ فقد طرحت في بداية عهد العاهل المغربي محمد السادس، ما يسمى ب “تخليق الحياة العامة”، أي اعادة صياغتها، ومحاربة الرشوة، والمساءلة عن الثروات المكتسبة، وغيرها من الشعارات التي اقتضت تأسيس مجموعة من الهيئات والجمعيات الوطنية لترجمتها على أرض الواقع، ومواكبة الانجاز الفعلي بشأنها.
وأثيرت خلال السنوات القليلة الأخيرة، مجموعة ملفات لا تفتقر في العموم الى السخونة، منها ملف القرض العقاري والسياحي والفندقي، وملف صندوق الضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني للقرض الفلاحي، وشركة كوماناف للملاحة البحرية، والبنك الشعبي، وغيرها. كما طُرحت مسألة نهب الثروات الطبيعية، كمقالع الرمال، والصيد في أعالي البحار، وهي الثروات، التي يحظى بحق الاستفادة منها فئة خصوصاً من المغاربة، ممن حازوا النفوذ، والذين تغمض الدولة عينها عنهم، حسب قول الناقدين. كما أثيرت في السياق ذاته قضايا التهرب الضريبي. وقد أشار الحبيب المالكي، وزير التربية الوطنية الحالي في بعض دراساته بشأن حجم التهرب الضريبي الى أنه بلغ في المغرب ثلثي المداخيل الضريبية.

كما أخذت الأضواء تُسلط على المنح العالية للغاية، التي يتقاضاها بعض المسؤولين الحكوميين من المال العام، وكذلك الزيادات المنصوص عليها لفائدة البرلمانيين، والتي بلغت ما يفوق 6 آلاف درهم مغربي شهرياً، (حوالي 600 دولار أمريكي).في وقت يُتهم فيه هؤلاء النواب بالتقاعس عن حضور جلسات البرلمان، ما حدا ببعض ممثلي المعارضة الى وصف هذه المنحة بأنها “رشوة”، مقابل الحضور الصامت والسلبي للنواب، بل وفي وقت تُقر فيه الدولة بالحاجة الى ترشيد النفقات. ولم تكن الاشارة الى الرشوة بعيدة، على أي حال عن الواقع المغربي. اذ تُعد الرشوة احد أهم المداخل التي تؤدي الى تفويت المال العام وتضييعه، خصوصاً ان تقريراً دولياً أشار الى أن المغرب يحتل مرتبة متأخرة عالميا، في ما يخص مقاومة ظاهرة الرشوة، اذ يقبع في المرتبة 77 دولياً.

وقد أظهر أحدث تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، أن المغرب شهد تراجعاً في ترتيب مؤشر ملامسة الرشوة، اذ انتقل من الرتبة 70 في عام 2003 الى الرتبة 77 في السنة الماضية، بينما كان يحتل المرتبة 45 قبل خمس سنوات فقط.ولم تفلح الخطوات، التي أعلنت عنها الدولة رسمياً، من أجل محاربة الرشوة، و”تخليق الحياة العامة”، اذ تبين للمراقبين أن المشكلة لا تتوقف عند حدود قرار حكومي، بل تحتاج الى تعبئة عامة من ناحية، واعطاء النموذج، من خلال الضرب بقوة على “الأيادي العابثة بمقدرات البلد”، وهو ما تظهر المعطيات المتوفرة إلى الآن اخفاق مؤسسات الدولة في تحقيقه، بحسب المراقبين. ويستند هؤلاء المراقبون في تقديراتهم الى أنه حتى الآن لم تتم محاسبة أي من المسؤولين عن تفويت المال العام ونهبه، أو التساهل في تضييعه، بل ان بعض هذه الملفات ألغيت متابعتها قضائيا، في حين لا تزال ملفات أخرى، تحت نظر العدالة، ولكن سير التحقيق فيها يمشي ببطء شديد.

ومن ناحية قانونية يشير المختصون الى أن النص القانوني في المغرب لا يحمي الأشخاص الذين يُبلغون عن الرشوة، سواء في مدونة القانون الجنائي أو في قانون محكمة العدل الخاصة، بل يضع الراشي والمرتشي في كفة واحدة، أي في الوضعية ذاتها، علاوة على صعوبة الاتيان بالبراهين والحجج القاطعة في اثبات الرشوة، لأنها غالباً ما تتم في كنف السرية. ومن هذا المنطلق يتضح لدى المراقبين أن هذه المقاربة القانونية “شكلية” ولا يمكن أن تكون فعالة ضد الرشوة. وأفاد بحث أجرته مكاتب دراسات مغربية لمصلحة الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، شمل ألف رب وربة أسرة في ثلاث عشرة مدينة كبيرة، ينتمون الى شرائح متعددة، أن مشكلة الرشوة في المغرب ما زالت تراوح مكانها. فقد ذكر 64 في المائة من أرباب الأسر المغربية المشمولين بالاستطلاع، أن وضعية الرشوة بالمغرب لم تعرف أي تغير يذكر، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في حين لاحظت نسبة 10 في المائة فقط من الأسر أن ظاهرة الرشوة تراجعت. وترى هذه الأسر أن المشكلة المذكورة أكثر التصاقا برجال السياسة، بينما يعزو المغاربة أسبابها الى غياب العقاب، والرغبة في جمع الأموال بسرعة، في حين يردها بعضهم الى تدني الأجور، وهو ما يرتبط وفق تقديرهم بالرشوة الصغيرة خصوصاً.

وتُعتبر الخدمات الاجتماعية، مثل قطاع الصحة، وما يسديه من خدمات علاجية، طبقاً لبحث الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، أحد الميادين، التي تتجلى فيها الرشوة بصور خاصة. اذ تتجسد هذه المشكلة عبر هدايا وأعطيات عينية تُقدم للممرضين خاصة، على أمل القيام بدورهم على الوجه المأمول. ويبدو أن المشكلة تتوغل في قطاعات حساسة أيضاً، مثل قطاع القضاء ذاته، بقضاته ومحاميه وادارييه، رغم ما يُفترض من أن هذا القطاع معني، بصفة خاصة، بمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة. وحسب الجهات الراصدة، يأتي المحامون في مقدمة متلقي الرشوة باعتبارهم وسطاء، متبوعين بالقضاة، ثم كتاب المحاكم. ويصل متوسط مبلغ الرشوة الى 1330 درهماً مغربياً، وتتخذ غالبا شكل تحويل أموال سائلة ومنح هدايا وتقديم خدمات وغيرها.

ويُعد المقاولون في المغرب من بين المستهدفين بتقديم الرشى، بسبب ارتباطهم بالخدمات والصفقات العمومية، وهم يشيرون حسب الدراسة الى استهدافهم من قبل شرطة المرور والمقدمين والشيوخ (وظائف ادارية تابعة للمحافظة)، وموظفي وزارة النقل والجمارك، وموظفي الادارة المحلية والقضاء، ورجال السياسة، ومحصلي الضريبة على الشركات، ومحصلي ضريبة الرخصة.
غير أن المقاولين يشددون من جانبهم على أن الصفقات العمومية تنتعش فيها الرشوة أكثر، اذ ان 59 في المائة منهم يؤكدون أن تفويت الصفقات، يشهد بشكل دائم أو دوري، منح رشى تتجاوز أحياناً 10 في المائة من قيمة العقد، ما يجعل بعض المقاولين يستنكفون عن الدخول في المناقصات لبعض الصفقات لاعتبارات متصلة أساساً بغياب الشفافية وانتشار الرشوة وتعقد المعايير.

© 2005 تقرير مينا(www.menareport.com)