كثيراً ما يقال إن عملية السفر أكثر أهمية من المقصد السياحي ذاته. فمع النمو السريع للسياحة الدولية، فإن البقاع الساخنة المشهورة والجديرة بالسفر إليها تغدو «شائعة ومبتذلة» كضحية للسياحة الشاملة وعمليات الترويج السياحي. ومع ضياع المقصد السياحي، تكتسب عمليات إعادة إنعاش أولئك الذين انصرفوا عن العطلات المخططة وفق حزم البرامج التقليدية شعبية كبيرة. ومن ثم فإن السائحين يعيدون صياغة وكتابة قواعد وخبرات السفر والسياحة من خلال زيارة العالم بطرق مبتكرة ومثيرة واستثنائية.
وقد أدى السفر خلال العطلات طلباً للمتعة والمرح والهروب من واقع الحياة إلى فتح الطريق أمام خيارات أنماط حياة بديلة من أجل «الاكتشاف» والهروب من الملل والضجر الذي تسببه الراحة. وإليكم بعض الأنماط الجديدة للسياحة:
سياحة الواقع
مع تقديم مثل هذه الرحلات لخبرات وتجارب أكثر قسوة لا تعايشها سوى فئات محدودة، فنحن بصدد سياحة المصاعب. إذ يرغب السائحون اليوم في رفع درجة وعيهم بالظروف والأحوال الواقعية، من خلال المعايشة والاطلاع المباشر على كيفية إدارة السجون، وكيفية التخلص من النفايات السامة، وآثار الإفراط في استخدام المبيدات على الحقول، تماماً مثلما يودون التحدث إلى البالغين الذين يقضون عقوبات على جرائم قتل، وعمال الخياطة الذين يحيكون الملابس ليل نهار.
وتتوفر رحلات سياحة الواقع في كل من الولايات المتحدة وفيتنام وكوبا والهند.
سياحة الكوارث، التي تشمل السفر إلى مواقع الكوارث، وهي شائعة في الشواطئ التي اجتاحتها موجات تسونامي (شاطئي فوكيت وأندامانز)، والأماكن التي استهدفتها العمليات الإرهابية (منطقة برجي مركز التجارة العالمي المعروفة باسم «غراوند زيرو» في نيويورك، وجزيرة بالي)، ومواقع المعارك (كارجيل، الهند) ومعسكرات الاعتقال النازية (في بولندا).. وعلى الرغم من كون الأمر غير صائب أو حتى معيباً من الناحية السياسية، لكن مثل هذه الرحلات تخلق بالفعل وعياً عاماً وتنتج حلولاً قابلة للتنفيذ مع الجماعات الخاصة المعنية بهذه الأمور مثل الصحافيين والخبراء.
السياحة التجريبية
تكتسب تلك السياحة أيضاً شعبية هي الأخرى. وتشبه الرحلة هنا تجربة مساعد الرجل الكفيف، والتي تعني أن يقوم شريك ما بعصب عينيه بنفسه ويكتشف ويعايش تفاصيل مقصد الرحلة من خلال عيني شريك آخر.
أما في سياحة التخمين والبحث، يصل الزوجان بشكل منفصل إلى مكان غريب بالنسبة لهما، ليقوما بالبحث حتى يجد كل منهما الآخر من دون الاستعانة بأي وسيلة اتصال ومن دون حتى تحديد مكان المقابلة.
السياحة المغايرة
وهي من أحدث الصيحات في مجال السياحة، وتقوم على انتقاد أنماط السياحة التقليدية، حيث يقوم السائح بعمل عكس ما ينظر له على أنه تقليدي وعادي، مثل التقاط صور للمواقع السياحية الرئيسة بظهرك، من أجل الحصول على نتائج يمكن أن تكون مثيرة ورائعة وملهمة. وهناك كذلك ما يسمى رحلة العودة البطيئة، حيث تتم زيارة مقصد سياحي باستخدام أسرع طريقة للسفر، ثم العودة باستخدام أكثر الطرق بطئاً.
وتكتسب هذه الأشكال والنماذج الجديدة من السياحة شعبية ورواجاً عبر العالم مع ابتعاد المقاصد السياحية عن التوجهات ذات البعد الواحد، من خلال تقديم آفاق واتجاهات متنوعة لذوي الاهتمامات الخاصة وتقديم منتجات سياحية جديدة. لقد أفسحت العطلات التقليدية التي تنشد «الشمس والبحر» طريقها، وتمت ترجمة الجمال الطبيعي والتاريخ والتقاليد والإرث الحضاري للمقاصد السياحية إلى فرص من أجل قطاع سياحة بديل متعدد الآفاق ومتنامٍ بشكلٍ سريع (من العملاء المثقفين والأثرياء) من أجل الحفاظ على الأنماط والأساليب التقليدية للحياة، مما يسهم بشكل كبير وحقيقي في التنمية الاقتصادية المستدامة ويضمن المشاركة المحلية.
وفي أوروبا، ينخرط أكثر من 35 مليون سائح في قالب السياحة البديلة، مع زيادة هذا العدد بنسبة 20 بالمئة سنوياً. وتشمل بعض الأشكال والقوالب الشائعة لهذه السياحة البديلة، التي تجلت مؤخراً في:
• الزراعة
زيارة الحقول الزراعية أو الاطلاع على أي عملية تتعلق بالزراعة والبساتين من أجل الاستمتاع والتعلم والمساعدة في مهام الزراعة، مثل قطف الثمار، والعمل في حظائر الماشية وحقول الكروم، وركوب الخيل، وتذوق العسل أو حتى العيش في القرى.
• المكتبات
دعم المكتبات ومحلات بيع الكتب المستقلة التي تكافح كي تتنافس مع المكتبات الكبرى ذات السلاسل المنتشرة، وذلك من خلال الترويج لها كمقاصد سياحية. ويكون هذا عن طريق تشجيع جماعات القراءة، والترويج لحملات محو الأمية، وتنظيم مسابقات أدبية في أماكن فيها محلات مستقلة لبيع الكتب، وغير ذلك من الأنشطة ذات الصلة.
• الأفلام
زيارة المواقع التي تم فيها تصوير الأفلام المشهورة، مثل هاري بوتر (سكوتلندا) أو ملك الخواتم (نيوزيلندا).
• البيئية
رحلات مسؤولة إلى أماكن ومواقع طبيعية للحفاظ على البيئة واستدامة الأحوال الجيدة للكائنات الحية الموجودة هناك، مثل رحلات السفاري (كينيا)، والرحلات إلى الغابات المطيرة (بيلايز) والحدائق الوطنية (كروغر).
• التعليم
السفر إلى مؤسسات تعليمية أو حضور فصول الاهتمامات الشخصية، مثل الطبخ والحرف اليدوية وفن تنسيق الزهور..
• العرقية
تشمل السكان الأصليين بشكل مباشر إما باحتوائهم وتوجيههم، أو اعتبار ثقافتهم الموروثة جوهر عملية الجذب السياحي.
•التراث
القيام بزيارة المواقع التاريخية أو الصناعية، والقنوات المائية القديمة، والسكك الحديدية ذات الطراز العتيق، وساحات المعارك.
• الصحة
زيارة المنتجعات والمراكز الصحية، وينابيع المياه الساخنة ذات الخصائص والفوائد الطبية..، وذلك طلباً لتحسين الصحة.
• الهوايات
رحلة لفرد أو لمجموعة من ذوي العقليات والأفكار المتشابهة يشتركون في هوايات متشابهة (رحلات الحدائق، الاستماع إلى إذاعة «دي إكسبيديشنز» للهواة، ممارسة الرقص الجماعي).
• السياحة الشاملة
بضم ذوي القدرات المحدودة في الأداء أو ذوي الإعاقات والتوجه إلى جهات ومقاصد توظف ممارسات ملائمة ونماذج عالمية.
• الأدب
تشمل السياحة الأدبية تغطية الأماكن والأحداث والتفاصيل الزمانية والمكانية التي وردت بعض القصص، وحياة المؤلفين، ومسالك الشخصيات الروائية التي ابتدعها خيال المؤلفين (شرلوك هولمز، لندن) أو وساوس الروائيين (دبلن، منطقة البحيرات، المملكة المتحدة).
•السياحة العلاجية
من أجل الاستفادة من أنظمة الرعاية الصحية المجانية، والأنظمة الأقل تكلفةً أو المتقدمة وغير المتوفرة في بلد السائح، أو لتفادي قوائم الانتظار الطويل من أجل إجراء عملية جراحية، أو من أجل العلاجات التي لا تغطيها مظلة التأمين الصحي، أو من أجل ما هو محظور قانوناً في دولة السائح.
• المؤتمرات والمعارض
وهي الرحلات المصحوبة ببعض الأعمال، مثل حضور اجتماعات وتقديم حوافز وتنظيم مؤتمرات ومعارض (سنغافورة، بانكوك، جاكرتا).
• السياحة الدائمة
تشمل قيام أشخاص أثرياء بقضاء عطلة لأغراض ضريبية لتفادي أن يصبح مقيماً في أي دولة.
•الألعاب الرياضية
التزلج على الجليد ولعب الغولف والغوص والغطس، أو حضور مناسبات رياضية خاصة، مثل بطولة ويملبدون للتنس ودورة الألعاب الأولمبية أو سباق الجائزة الكبرى للسيارات (غراند بريكس).
• المناطق الحضرية
زيارة مدن جذابة ومهمة لمعايشة الموروث الثقافي (المتاحف والمعارض الفنية وأماكن مخصصة لإقامة فعاليات متنوعة ترسخ الطابع الثقافي للمدينة)، ودراسة فرص العمل والتجارة (الأسواق الخيرية والمعارض) ومنشآت الترفيه (السينما والمسارح ومراكز التسوق) مثل الموجودة في لندن وباريس وروما وبكين وطوكيو.
وترتبط التنمية السريعة لصناعة السياحة والرحلات بشكل كبير مع الطفرة التكنولوجية المذهلة، والتي تمكن المستهلكين المحتملين من الحصول على سلسلة واسعة من المعلومات بشأن المنتج أو المقصد السياحي من وسائل الإعلام المقروءة والإلكترونية.
تكنولوجيا المعلومات
لقد غيرت تكنولوجيا المعلومات الأوضاع بتقديمها أفضل الممارسات والتطبيقات في مجال السياحة والرحلات، وقدمت فرصاً لنمو العمل والاستثمارات في مجالات جغرافية وعملياتية.
وقد أحدثت شبكة العالمية للإنترنت ثورة في نشر وتوزيع معلومات ومبيعات السياحة، مع نظام الحجز الحاسوبي وأنظمة التوزيع العالمية، وهو ما سمح بإتاحة وتحديث ودعم عمليات الحجز والتأكيد عليه، وعمليات الشراء بالنسبة لوسائل النقل وأماكن الإقامة وكافة العمليات المتعلقة بالجولة السياحية، كل هذا بمجرد ضغطة زر من أي مكان في العالم، وهكذا يتم توسيع نطاق الاختيارات بين أفضل خيارات السفر الممكنة.
ومن ناحية أخرى، فقد بدأت المعاينة الافتراضية للمناظر الطبيعية في استحداث مجموعة من سياح الأرائك أو السياح الافتراضيين الذين لا يسافرون فعلياً، لكنهم يستكشفون العالم مستخدمين الإنترنت.
ويمكن الحصول على معلومات تتعلق بالتسوق والترفيه وغير ذلك، من خلال نص يتم بثه في عرض مصور، بينما توفر المعدات عالية التقنية جولات سياحية لا تخلو من دليل متعدد اللغات عبر المتاحف ومجمعات التسوق.
شراكات القطاعين العام والخاص: تبرز الآن كمكون آخر مهم في استراتيجية الدول لتسهيل عمليات تنمية السياحة بشكل اقتصادي مستدام بيئياً وبأسلوب متوازن مكانياً.
وعندما نتحدث عن السلطات الحكومية، فإننا نعني القائمين على تخطيط طرق ووسائل النقل، وإدارات الإعلام والمعلومات، ومؤسسات وهيئات التنمية، والمتنزهات الوطنية، والمنظمات السياحية الوطنية.
أما المشروعات والمؤسسات الخاصة فنعني بها شركات الخطوط الجوية، وسلاسل الفنادق، وشركات إدارة الرحلات السياحية.
ويعمل التعاون بين هذين القطاعين على تطوير سبل الراحة في أوقات الفراغ لتلبية احتياجات السكان المقيمين، وتطوير البنية التحتية السياحية (الطرق وخطوط السكك الحديدية والجسور والمطارات والممرات والقنوات المائية والطاقة والمياه والصرف الصحي وإدارة النفايات الصلبة ومراكز الاجتماعات والمؤتمرات..) ومنتجات سياحية ذات جودة عالية.
ولإدراج شراكات القطاعين العام والخاص في المشاريع العملاقة، غالباً ما يتم الإعلان عن إعفاءات ضريبية لا حصر لها (فيما يخص الكماليات والمبيعات ووسائل الترفيه..) لمصلحة أصحاب الأعمال الخاصة.
وفي ظل نموذج هذه الشراكة، تتم تنمية مشروعات السياحة في إطار أنماط البناء، التملك، التشغيل والنقل، أو البناء، التشغيل والنقل، أو البناء، التملك والتشغيل.
حملات الترويج للعلامة التجارية
تكتسب هذه الحملات قوة حصينة في السياحة، لما تقوم به من دور في نشر الوعي والاهتمام بشأن المقصد السياحي والحدث أو المنتج، من خلال استراتيجيات قوية للتسويق والدعاية، وحملات إعلامية ومؤتمرات صحافية وإنتاج وعرض مواد دعائية وإفادات بشأن السفر التجاري، وتنظيم جلسات مناقشة وورش عمل ورحلات للتعريف والترويج وعروض دعائية على الطرقات، واستراتيجيات إعلانية لتسويق وتجارة الرحلات من جانب المنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية وشركات السياحة.
وإلى جانب التركيز على استهداف كبار صناع القرار، يتم استهداف المستفيدين النهائيين من الخدمات التي تقدمها الشركات، وشركات تكنولوجيا المعلومات وشركات التأمين ومصانع السيارات وشركات البيع المباشر (من خلال الراديو والتليفزيون والصحف).
وثمة مثال على ذلك يتجلى في حملة إنكريديبل إنديا (الهند المذهلة) والتي يتم فيها طرح أسهم تميز الهند في الساحة الدولية بأسواق ومنتجات ذات سمة خاصة يتم تشجيعها، وتشمل السياحة العلاجية والتراث والسياحة الروحانية وسياحة المغامرة والسياحية البيئية، والسياحة الثقافية كمثال.
ويتم استهداف الهنود غير المقيمين والأشخاص ذوي الأصول الهندية بهذه الحملات تحديداً، وكذلك الأسواق الامتدادية القصيرة / المتوسطة لكل من الخليج والغرب وجنوب شرق آسيا.
كما شهدت الأوقات الراهنة مهناً جديدة في السفر والسياحة، بالإضافة إلى المهن التقليدية. أيضاً، فقد ظهرت المهرجانات والمؤتمرات والاجتماعات والاحتفالات وإدارة المناسبات كمجالات واعدة.
الكتابة عن السفر والسياحة
تبرز الكتابة عن السفر والرحلات في المجلات المتخصصة والصحف كوسيلة مهمة وشيقة، مع قيام مدوني الرحلات، عبر أسلوبهم المميز، بترجمة كل ما يرصدونه في الروايات القابلة للنشر، والمحملة بفقرات رئيسة ومقاطع وصفية ومقابلات واستشهادات وحقائق وصور.
ويجري إعداد أفلام وثائقية بشأن السياحة، ووصف مغامرات الباحثين عن الإثارة، ونصائح تتعلق بالسفر، كخيار معروض، تتناول الأشخاص والرحلات والدول.
كما يزداد الطلب على تخطيط مسار الرحلة للسائحين (الأفراد أو الجماعات من الداخل والخارج).
المجموعات الإعلامية والهيئات التجارية
كما يتزايد الإقبال على الأبحاث والاستشارات ذات التركيز المميز على المقاصد السياحية (الريفية والحضرية) وصناعة السياحة والقطاعين الحكومي والخاص.
وقد أثبتت منظمات السياحة غير الحكومية العاملة في السياحة البديلة وجودها، وهو ما نشعر به في التخطيط للمقصد السياحي وإدارة السياحة المستدامة مع المقيمين المحليين، وقد تم ذلك مع وجود أقل قدر من الآثار السلبية في البيئات الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعملت على تحسين العائدات الاقتصادية الشاملة بأكبر قدر ممكن.
التنمية المستدامة
كثيراً ما يقال إن عملية السفر أكثر أهمية من المقصد السياحي ذاته. فمع النمو السريع للسياحة الدولية، فإن البقاع الساخنة المشهورة والجديرة بالسفر إليها تغدو «شائعة ومبتذلة» كضحية للسياحة الشاملة وعمليات الترويج السياحي. ومع ضياع المقصد السياحي، تكتسب عمليات إعادة إنعاش أولئك الذين انصرفوا عن العطلات المخططة وفق حزم البرامج التقليدية شعبية كبيرة.
ومن ثم فإن السائحين يعيدون صياغة وكتابة قواعد وخبرات السفر والسياحة من خلال زيارة العالم بطرق مبتكرة ومثيرة واستثنائية.
وقد أدى السفر خلال العطلات طلباً للمتعة والمرح والهروب من واقع الحياة إلى فتح الطريق أمام خيارات أنماط حياة بديلة من أجل «الاكتشاف» والهروب من الملل والضجر الذي تسببه الراحة. وإليكم بعض الأنماط الجديدة للسياحة: