تعد المياه احد اهم الثروات التي يتمتع بها الوطن العربي عامة والخليج العربي خاصة، وتعاني هذه الدول رغم ذلك من مشاكل مائية كثيرة منها التصحر ومنها المشاكل الاقليمية على حصص المياه، جعلت الامن المائي العربي في خطر شديد. وللوطن العربي وبضمنه الخليج العربي دول مجاورة تشاركه هذه الموارد وتقض مضجعه، كيف ينظر الى قضية المياه في الخليج العربي، ماهي اولا الموارد المائية الخليجية ومصادرها، وماهي التحديات الآنية والمستقبلية التي تواجه المنطقة العربية والخليج العربي بوجه خاص؟ كيف ينظر لهذه المشكلة ـ الأزمة في اطار العولمة او الاندماج في الكيان الدولي سياسيا واقتصاديا؟ .
تحولت دول مجلس التعاون الخليجي في العقدين الماضيين إلى أهم مستهلك في العالم لمياه البحر المحلاة، حيث تستهلك هذه الدول في الوقت الحاضر نحو 672 مليار جالون سنوياً. وذكرت دراسة حديثة صدرت عن مصرف الإمارات الصناعي حول صناعة معدات تحلية المياه في دول مجلس التعاون الخليجي أن اعتماد هذه الدول آخذ في التزايد لسد الاحتياجات المتنامية للمياه والناجمة عن الزيادة السكانية المرتفعة من جهة، والنمو الاقتصادي المتسارع الذي يعتبر واحداً من أعلى معدلات النمو في العالم من جهة أخرى. وقد بلغ إجمالي ما انفقته دول المجلس لإقامة محطات لتحلية المياه المالحة 40 مليار دولار بما في ذلك التكاليف الخاصة بالتشغيل والصيانة، مما أوجد قاعدة صناعية كبيرة للمياه المحلاة وعمل على ضخ أموال اضافية لتطوير التقنيات الخاصة بتحلية المياه في المنطقة.
ويشار إلى أن عدد محطات تحلية المياه في دول المجلس وصل إلى نحو 61 محطة تنتج 672 مليار جالون سنوياً، وتشكل هذه الطاقة 50% تقريباً من إجمالي الطاقة الإنتاجية للمياه المحلاة في العالم، مما يضع دول المجلس على رأس قائمة البلدان المعتمدة بصورة شبه كاملة على هذه المياه لتلبية احتياجاتها السكانية والتنموية. وتشير التقديرات المتوافرة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تعمل على إقامة المزيد من مشاريع تحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية في السنوات العشر القادمة، أي حتى عام 2015، بحيث تتم إقامة 35 مشروعاً جديداً لتحلية المياه، منها 22 مشروعاً في المملكة العربية السعودية وحدها، في حين يتوقع أن يتم إنفاق 30 مليار دولار في البلدان العربية حتى عام 2025 لإقامة وتشغيل محطات تحلية المياه. ويتفاوت حجم وتكاليف هذه المشاريع تبعا لطاقتها الإنتاجية من جهة وتبعاً للمناطق المستهلكة للمياه المنتجة من جهة أخرى، وذلك حسبما ذكرته صحيفة الشرق القطرية.
وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية لهذه الصناعة، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي مازالت تعتمد وبصورة كبيرة في إقامة هذه المحطات وفي التزود بالمواد الخام وقطع الغيار اللازمة لتشغيل هذا العدد الكبير من محطات التحلية على التقنيات والمعدات المستوردة. ومع إقامة المزيد من محطات التحلية في السنوات القادمة، فإن استمرار قدرة دول المجلس على تلبية احتياجاتها من المواد الأولية وقطع الغيار يعتبر مسألة مكلفة وتحمل في طياتها الكثير من المخاطرة. يتزايد هذا الاعتماد على الواردات في ظل وجود إمكانيات حقيقية لتوطين تحلية المياه في دول المجلس، وبالأخص بعد أن اتخذت العديد من هذه البلدان خطوات عملية تهدف إلى تخصيص محطات الطاقة الكهربائية وإنتاج المياه المحلاة، حيث يملك القطاع الخاص الخليجي قدرات استثمارية هائلة تؤهله للاستثمار في هذه الصناعة الواعدة، وبالأخص في مجال إنتاج المواد الأولية وقطع الغيار المستخدمة على نطاق واسع. وفيما عدا بعض الشركات السعودية العاملة في إنتاج قطع الغيار، فإن إنتاج المواد الأولية وقطع الغيار اللازمة شبه معدوم في بقية دول المجلس.
أما مراكز البحوث والدراسات المتخصصة في تطوير التقنيات الخاصة بصناعة تحلية المياه، فإنها شبه معدومة بدورها، علماً أن دول المجلس اتخذت قراراً بتأسيس مركز للبحوث الخاصة بتطوير صناعة التحلية في سلطنة عُمان، إلا أن نشاط هذا المركز ظل محدودا مقارنة بمتطلبات النمو السريع لهذه الصناعة الاستراتيجية المهمة لكافة دول المجلس. وبالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فإن التوقعات تشير إلى أن معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ستواجه في السنوات القادمة نقصاً حاداً خطيراً في مصادر المياه، مما سيحتم عليها الاتجاه لتحلية مياه البحر، التي تعتبر المخرج الأساسي لتلبية الاحتياجات المتزايدة لمصادر المياه في منطقة الشرق الأوسط.
ونظرا للتكاليف الباهظة لمعدات الإنتاج والمواد الأولية وقطع الغيار الأصلية الخاصة بإنتاج المياه المحلاة، فإن إنتاج هذه المياه بكميات تجارية كبيرة، مع ما يرافقه من إنتاج للطاقة الكهربائية لن يكون متاحاً لكافة البلدان في ظل التكاليف الحالية، بل إن دول مجلس التعاون نفسها ستثقل كاهلها التكاليف المتزايدة والناجمة عن التوسع في الإنتاج في السنوات القادمة. يتطلب ذلك العمل على تشجيع الاستثمار في صناعة تحلية المياه، بما في ذلك البحوث والدراسات الرامية إلى اكتشاف تقنيات جديدة لتخفيض تكاليف الإنتاج لتصبح ملائمة لكافة بلدان المنطقة ولتخفف من الأعباء التي تتحملها الموازنات السنوية في دول المجلس، خصوصاً أن كافة هذه الدول تقدم إعانات كبيرة للمستهلكين تصل إلى 80% من التكاليف الحقيقية لإنتاج المياه. وتشير هذه الدلالات بصورة واضحة إلى أن الاستثمار في تقنيات إنتاج صناعة تحلية المياه يحمل في طياته عوامل استراتيجية ومعيشية ومالية غاية في الأهمية، مما يتطلب تنسيق الجهود بين دول المجلس لتوطين هذا القطاع الصناعي وتطويره ليتلاءم والمتطلبات الاستهلاكية والتنموية في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص ودول منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
يُشار إلى أنه طاقة تحلية المياه في العالم تبلغ 15 مليون متر مكعب في اليوم، وحصة دول الخليج العربي منها حوالى 50 في المئة (7.8 مليون متر مكعب يومياً). وتنتج هذه الكمية من المياه أكثر من 50 محطة تحلية يطل معظمها على الخليج العربي ويقع أغلبها في المملكة العربية السعودية.يتكلف المتر المكعب من مياه التحلية في دولة الإمارات العربية 6 دراهم (1.6 دولار أميركي) ولك أن تقدر تكلفة انتاج المياه المحلاة في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال عام 2000 الذي بلغ 772 مليون متر مكعب بينما بلغ إنتاج المملكة العربية السعودية خلال العام نفسه 1289 مليون متر مكعب. ( البوابة)