تتوقف قوة أي خطاب سياسي على قدرته على إحداث تواصل ناجح مع المتلقي، وهذا لا يتحقق إلا إذا حاز هذا الخطاب على قدر من الرضى الجماهيري من خلال الإقناع والمحاججة، فقد حازت كلمة الملك عبد الله الثاني التي القاها في مؤتمر دافوس على قدر كبير من الرضى العالمي والمحلي تأكيداً لمعاني التضحية في سبيل خدمة الانسانية وتحقيقاً لكل ما من شأنه بناء مستقبل زاهر للمملكة لتكون في مصاف الدول المتقدمه التي يشار إليها بالبنان في مجالات التنمية والتقدم والازدهار.
لقد وجه الملك من خلال كلمته ثلاثة رسائل دوليه هامة، كان اولها على الصعيد المحلي المتضمن عملية الاصلاح التي يقودها جلالته من خلال السعي إلى مسار إصلاحي قائم على سيادة القانون الذي يؤدي الى تعزيز التمثيل، والفصل بين السلطات، وحماية الحريات المدنية، ويهدف الى انتاج حكومات برلمانية مسؤولة امام الشعب وتعزيز ضمانات محاربة الفساد وتشريعات جديدة جاذبة للاستثمار، ضمن تأكيد ملكي على روح الوحدة والإرادة الصلبة التي يتمتع بها جلالته في الاستمرار بعملية الصلاح ومواجهة الصعاب.
اما رسالة الملك الثانية فتتعلق بالوضع في سوريا ومأساة الشعب السوري الذي يأوي الاردن ثلاثمائة الف من لاجئيه، حيث أصر جلالته على سرعة حل الملف السوري والحاجة إلى خطة انتقالية حقيقية وشاملة تضمن وحدة الشعب السوري واراضيه، وتضمن لكل السوريين دورا ليكونوا شركاء في مستقبل بلادهم، وتضمنت الرسالة الثانية تأكيد جلالته من أن أي خيارعكس ذلك في سوريا، ما هو الا دعوة للتشرذم وتنافس متطرف على السلطة والاستئثار بها، والمزيد من الصراع وعدم الاستقرار وسيكون له عواقب كارثية على المنطقة والعالم ايضاً.
رسالة الملك الثالثة هي تأكيد لرسائل سابقة لجلالته تتعلق بجوهر الصراع في المنطقة العربية المتمثلة بحقوق الفلسطينيين باقامة دولتهم على أرضهم حيث ذّكر جلالته المجتمع الدولي أن مبادرة السلام العربية التي تقوم على أساس حل الدولتين ما زالت توفر المسار الصحيح لتحقيق ذلك، للوصول الى دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة، وإسرائيل آمنة تتمتع بالسلام مع جميع جيرانها، فالرسالة الملكية بهذا الخصوص تؤكد بوضوح على الرابطة الوثيقة بين التنمية المستدامة للمنطقة وحلال قضية الفلسطينية.
كلمة الملك في دافوس التي أكد فيها على الموقع الهام الذي يتمتع به الاردن ودعى خلالها قادة العالم لإحداث الفرق وتجاوز الحدود التي تفرق بين الشعوب، وتداول الخيارات الصعبة، ومساعدة الجيل الجديد كي يعيش واقعا تسوده العدالة العالمية، والرسائل الثلاثة التي تضمنتها كلمته تؤكد أن المملكة في ظل القيادة الرشيدة التي تضع الوطن والمواطن فوق كل اعتبار سيتحقق لها قطعا ما تربو إليه وهي برهان للعالم أجمع بالرؤية الصائبة التي ينادي بها والحنكة والحكمة التي يتمتع بها الملك عبد الله الثاني على المستوى الدولي.