صحيح أن جائحة كوفيد-19 ما زالت تعترض سبيل العودة إلى الحياة الطبيعية نظراً لتداعياتها غير المسبوقة على مختلف القطاعات، لكن الأحداث التي شهدها العام الماضي ساهمت بازدهار قطاعات التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية نظراً للتوجه المتزايد بين المستهلكين نحو الإنفاق عبر الإنترنت، وهو توجه نتوقع استمراره ونموه أيضاً خلال عام 2021.
وفي ضوء التوقعات التي ترجح توجه نصف المستهلكين تقريباً للتسوق عبر الإنترنت خلال العام المقبل، توفر منطقة الشرق الأوسط التي تهيمن عليها المدفوعات النقدية فرصة مواتية للنمو، تزامناً مع اتجاه تفضيلات المستهلكين نحو المدفوعات الرقمية عوضاً عن خيار الدفع النقدي عند الاستلام.
وفي هذا السياق، كشفت دراسة أجرتها Checkout.com أن عمليات الدفع تمثل أحد أهم الاعتبارات بالنسبة للمتسوقين عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان. فقد قال 48٪ من المستهلكين في المنطقة إن توفير عملية دفع آمنة ومريحة يمثل العامل الأكثر أهمية في عملية التسوق عبر الإنترنت بعد السعر، لتتفوق بذلك على سرعة الشحن وسهولة عمليات الإرجاع. فمن شأن النسبة المتزايدة من المستهلكين الذين يتسوقون عبر الإنترنت أن تسهم بنمو التوجه نحو تفضيل المدفوعات الرقمية؛ حيث يقوم نحو 6 من كل 10 (62٪) ممن يتسوقون عبر الإنترنت مرة واحدة على الأقل شهرياً بالدفع باستخدام البطاقة أو المحافظ الرقمية، مما يؤكد على أهمية توفر منصة دفع قوية في نجاح أعمال التجارة الإلكترونية، فضلاً عن نمو الاقتصاد الرقمي.
نشهد اليوم خمسة توجهات مؤثرة من شأنها دفع نمو التجارة الإلكترونية ومنظومة المدفوعات في المنطقة:
1) الإقبال المتسارع على أسلوب الحياة الرقمي: يتمحور التوجه الأول حول الإقبال المتسارع على التجارة الإلكترونية وأسلوب الحياة الرقمي، حيث تسجل التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان أسرع معدلات النمو في العالم.
وقد شهدت منصة Checkout.com، على سبيل المثال نمواً بنسبة 86٪ في معاملات الدفع الرقمية منذ بداية الجائحة في المنطقة.
وفي العادة، كانت المنطقة أكثر بطأ في تبني التجارة الإلكترونية مقارنة بأي مكان آخر في العالم، إلا أن المجتمع بات أكثر إدراكاً لمزايا الراحة والقيمة التي يوفرها التسوق عبر الإنترنت والتجارة الرقمية، مما أحدث تحولاً واسعاً في سلوك المستهلكين.
وبما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان تضم نحو 300 مليون عميل شاب يستخدمون الهواتف المتحركة في حياتهم اليومية ويعيشون في منظومة رقمية عالمية متطورة، فهؤلاء بالتأكيد يمثلون القوة الدافعة وراء تحول المنطقة إلى التجارة الإلكترونية، كما أن الحاجة إلى التسوق عبر الإنترنت خلال فترة الإغلاق غيرت عادات المتسوقين، بما في ذلك أكثرهم تردداً في الإنفاق عبر الإنترنت.
2) تجارة التجزئة القائمة على الاشتراكات: أدت الجهود المتواصلة التي بذلتها الشركات لتعزيز الابتكار ومكاملة الخدمات وتوفير تجربة سلسلة للعملاء إلى بروز توجه ثانٍ هو "الاشتراكات" و"إنشاء المنصات" لتجارة التجزئة.
فمن خلال إطلاق منصات شاملة توفر مدفوعات سهلة وسلسة، يمكن للشركات استقطاب المزيد من العملاء الباحثين عن الراحة والراغبين بإجراء كافة عمليات التسوق بلمسة زر واحدة أو بنقرة على الشاشة. ويمثل هذا توجهاً متنامياً في العديد من القطاعات، بدءاً من توصيل الطعام والبقالة وصولاً إلى خدمات تعبئة الوقود.
3) صعود التجار المحليين: يتجسد التوجه الثالث في النضج السريع للتجار المحليين القادرين على مواجهة المنافسة العالمية. ويعني ذلك قيام العلامات المحلية بتوفير المنتجات غير المتوفرة بكثرة عبر التجارة الإلكترونية، مما يعزز قدرتها على منافسة عدد من أبرز منصات التجارية الإلكترونية في العالم.
وقد شهد هذا المجال مؤخراً قدراً ملحوظاً من الابتكار، مدفوعاً بنمو منظومة المهارات التقنية في المنطقة، خاصة مع توفر موظفين يعملون لحسابهم الخاص ويمتلكون القدرة على إنشاء وتطوير المنصات الإلكترونية.
4) تنوع مجالات التكنولوجيا المالية: يترافق التوجهان الرابع والخامس جنباً إلى جنب. ففي جميع أنحاء المنطقة، تواصل الهيئات التنظيمية والحكومات دعم الابتكار في قطاعي التكنولوجيا المالية والمدفوعات، وهناك أيضاً حرص متزايد على تعزيز اعتماد المدفوعات الرقمية، انطلاقاً من إدراك أهميتها كآلية قوية لدفع عجلة التقدم والتنوع الاقتصادي.
5) دفع عجلة الاقتصاد الرقمي: على وجه الخصوص، تمثل تنمية الاقتصاد الرقمي محور تركيز رئيسي بالنسبة للعديد من البلدان، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي. فمثلاً، تتهيأ المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لإطلاق بنى تحتية لحلول الدفع الفورية في المستقبل القريب دعماً لهذا التوجه، كما أن الجهات الحكومية تشجع على التعاون والمنافسة العادلة ضماناً لتأسيس منظومة أقوى وإتاحة فرص الازدهار لمزيد من الشركات.
وفي ضوء هذه التحولات الهائلة التي تشهدها قطاعات التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية، تتوفر أمام شركات المنطقة فرصة مثالية لدخول عالم تجارة التجزئة عبر الإنترنت. لكن تحقيق الاستفادة القصوى من الفرص المتاحة في هذا المجال الذي يشهد منافسة محتدمة، يستدعي منها العمل دائماً على طرح المنتجات والخدمات المطلوبة إلى جانب أفضل تجربة تسوق إلكترونية ممكنة، بما في ذلك عمليات الدفع الآمنة والمريحة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر وآراء موقع البوابة أو الشركات التابعة لها.