حركة الاستقالات الكبرى: ظاهرة جديدة في عالم العمل

تاريخ النشر: 24 فبراير 2022 - 11:54 GMT
حركة الاستقالات الكبرى
(Shutterstock)

لم تنتهِ جائحة كورونا بعد، لكن يبدو أن العالم يقترب من إحكام السيطرة على الفايروس بفضل المطاعيم التي خفضت من نسب الوفيات في الشهور الأخيرة. ينتظر كثيرون عودة الحياة "الطبيعية"، إلا أن العودة للعمل لا زالت محط تردد. 

في الولايات المتحدة، يشكوا أصحاب الأعمال من نسب غير مسبوقة في العزوف عن العمل بين الموظفين والشباب خلال الشهور الأخيرة. كما تتحدث الأرقام عن وفرة في الشواغر الوظيفية في سوق العمل الأمريكي، لكن العاملين الأمريكيين لا يبدون الحماسة المطلوبة للعودة إلى العمل حتى الآن. 

بحسب بيانات وزارة العمل الأمريكية، تتوفر الآن قرابة 10 ملايين فرصة وظيفية متاحة في كل أنحاء البلاد، وهو ما يؤشر إلى نقص حاد في العاملين. تأتي هذه التقارير بعد أشهر من التحذيرات التي تنبأت بحركة استقالات غير مسبوقة وسط الأمريكيين في عصر ما بعد الجائحة. 

لا تقتصر التغييرات في سوق العمل الأمريكي على عزوف الملايين عن العمل وانتشار الكثير من إعلانات التوظيف المغرية دون أن تنجح في جذب العاملين الجدد، بل بدأ العاملون في قطاعات مختلفة في تنظيم أنفسهم وتأسيس نقابات عمالية تمكنهم من المطالبة بظروف عمل أفضل ورواتب أعلى. خلال الأسابيع الماضية، قام موظفو سلسلة ستاربكس الشهيرة بتأسيس اتحاد عمالي في عدة ولايات، احتجاجاً على فصل عدد من العاملين في ولاية تينيسي.

خلال النصف الثاني من عام 2021، تقدم أكثر من مليوني أمريكي باستقالاتهم، وهو أعلى رقم سجلته بيانات الولايات المتحدة منذ بدء تسجيل بيانات سوق العمل. 

تقدم هذه البيانات حقيقة صادمة لأصحاب العمل الأمريكيين الذين كانوا يتوقعون منافسة قوية بين العاملين الراغبين في العودة إلى سوق العمل فور انتهاء الجائحة، ما أثار تساؤلات عن الأسباب التي دفعت بملايين الأمريكيين الشباب للعزوف عن التقدم بطلبات توظيف حتى الآن.

فيما لا يُستبعد أن تنتشر هذه الظاهرة في أنحاء أخرى من العالم لتتجاوز الحدود الأمريكية، نحاول البحث عن الأسباب والحلول الممكنة لظاهرة الاستقالات الكبرى.

تتركز النقاشات حالياً حول التعرف على أسباب الظاهرة واقتراح حلول مناسبة لها، خصوصاً بعد أن نفدت مدخرات الموظفين سابقاً والذين لا زالوا غير راغبين في الانضمام لسوق العمل الأمريكي، بالرغم من إقبال أصحاب العمل على تقديم رواتب أعلى مما سبق، بالإضافة إلى حوافز كثيرة أخرى مثل التأمين الصحي والعروض بتسديد رسوم دراستهم الجامعية، ورسوم انتقالهم لمدن جديدة، وغير ذلك.

بحسب بعض الأمريكيين الذين تقدموا باستقالاتهم في الشهور الأخيرة، فإن الفارق الذي لاحظوه في أسلوب حياتهم ما قبل وما بعد الجائحة يعد سبباً أساسياً دفعهم لاتخاذ هذه الخطوة، فهم لا يرغبون في العيش من أجل العمل بعد اليوم، بل أصبحوا يولون أنشطة أخرى في حياتهم أولوية أكبر، كقضاء وقت أكبر مع أسرهم وأصدقائهم وممارسة الأنشطة المحببة لديهم.

كذلك فإن لتجارب العمل من المنزل التي خاضها الملايين من الموظفين للمرة الأولى والتي منحتهم شعوراً بالاستقلالية والقدرة على التحكم في وقتهم دون أن يضطروا إلى الذهاب إلى مكاتب الشركات التي يعملون فيها دوراً في ظاهرة الاستقالات الكبرى، خصوصاً بين الموظفين الذين أُجبروا على العودة إلى المكاتب. لهذا، فقد لاحظ خبراء أن نسب الاستقالة انخفضت لدى الشركات التي منحت موظفيها خيار العمل المرن أو خيارات العمل من المنزل، مثل شركات أدوبي، أمازون، أبل، كوين بيز، فيسبوك، وغيرها. 

بالإضافة إلى خيارات المرونة من حيث الوقت والمكان، تقدم المزيد من الشركات على اختبار فاعلية العمل لمدة 4 أيام أسبوعياً بدلاً من خمسة، خصوصاً بعد أن أظهرت العديد من الدراسات أن لهذا الخيار القدرة على زيادة إنتاجية العاملين وتحسين كفاءتهم. 

يشير هذا التغير الجديد في اهتمامات الشباب في الولايات المتحدة من الموظفين إلى ظاهرة تحتاج إلى دراسة جدية قبل أن تؤثر على نتائج الاقتصاد أو تنتقل إلى أماكن أخرى حول العالم، كما أن لها القدرة على إحداث تغييرات دائمة على بيئات وشكل العمل في العالم.