يعد تغيير حاكم الإمارات العربية المتحدة أبرز أحداث الأشهر الاثنى عشر الماضية المؤثرة في مستقبل الاقتصاد الإماراتي. حيث وافت المنية الشيخ زايد، حاكم الإمارات منذ العام 1971، في شهر نوفمبر من العام 2004. ففي ظل حكمه، وبفضل الإيراد الهائل من عوائد إنتاج النفط، تحولت الدولة من حالة الركود القبلي إلى مركز مالي عالمي. حيث يعود الفضل له في تمكنه من توحيد البلاد والمحافظة على ذلك في ظل تعدد آراء حكام الإمارات الأخرى. وقد تم نقل مقاليد الحكم لأبنه الشيخ خلفيه بسلاسة بالغة. علاوة على ذلك، نظرا لعدم تدخل الشيخ زايد في إدارة مقاليد الحكم خلال السنوات القليلة الماضية لأسباب صحية، تمكن الشيخ خليفة من اكتساب خبرة كافية للتحرك بالاقتصاد قدما.
ولدى الحاكم الجديد نفس فكر والده المؤيد للغرب، كما إنه غير متحفظا في تبني نهج حماسي تجاه تسويق الدولة كجهة جاذبة للعمل والإقامة. وقد قام الشيخ خليفة في الأشهر الأولى لحكمه بإصدار قرارات تتسم بشعبيتها، حيث قام برفع رواتب المواطنين والوافدين على حد سواء. بالإضافة إلى أنه تولى الحكم في وقت يتمتع فيه الاقتصاد بأحسن حالات الازدهار. حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للإمارات بما نسبته 17.7 في المائة في العام 2004، ليصل إلى 378.8 مليار درهم إماراتي، أو ما يعادل 103.2 مليار دولار أمريكي. بينما حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا بلغت نسبته 7.4 في المائة، وصولا إلى 323.6 مليار درهم إماراتي.
يتمثل التحدي الأكبر أمام الشيخ خليفة في كيفية إدارته للعلاقات الأجنبية، خاصة فيما يتعلق بالموقف المؤيد للغرب في بعض الأمور الإستراتيجية. فحتى وقتنا الحاضر لم تتحدد وجهة واضحة لموقف الإمارات من الأحداث على الصعيد الفلسطيني. حيث قام محمد العبار رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية، ومقرها دبي، ورئيس الدائرة الاقتصادية بدبي بزيارة الأراضي الفلسطينية، فيما أذاعت وسائل الإعلام قيامه بمفاوضات مع مسئولين إسرائيليين لشراء منازل ومباني أخرى في غزة بمجرد انسحاب إسرائيل منها. وقد جذبت المفاوضات مع مسئولين إسرائيليين نقدا من مختلف الجهات. وفي حدث آخر، تحطمت طائرة تجسس أمريكية وقتل قائدها بعد مهمة استطلاعية فوق أفغانستان، وكانت الطائرة قد أقلعت من قاعدة بالإمارات. وقد أعادت تلك الحادثة إلى الأذهان الدعم الذي تقدمه الإمارات لعمليات الجيش الأميركي في المنطقة، رغم إنها لم يكن لها موقفا محددا من قبل. وتحسبا لأي هجمة إرهابية، قامت القوات المسلحة الإماراتية بالتوقيع على سلسلة من العقود الصغيرة للتزود بأنظمة مراقبة إستراتيجية، وعربات استكشاف آلية (بدون قائد). ولكونها جهة جذب للسياحة العالمية، لا تنأى الإمارات من احتمال تعرضها لمشكلات متعلقة بالإرهاب.
إلى جانب المخاطر المتعلقة بالموقف الحكومي من الشئون العالمية الرئيسية المختلفة، ظهرت على السطح بعض الاختلافات مع المملكة العربية السعودية خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بسبب الاتفاقات التجارية التي تعترض الإمارات عليها. كما أن المفاوضات الثنائية مع الولايات المتحدة لم تلاقي استحسان من قبل أكبر منتج للنفط في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فعقب البدء في الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي، ظهر على السطح عدد من الخلافات بين الهيئات الجمركية في الدول الأعضاء. حيث أدعت الإمارات قيام بعض المسئولين السعوديين بعرقلة استيراد السلع الإماراتية. إلا أنه على الرغم من هذه الاختلافات البسيطة، نجحت الدول الخليجية في الحفاظ على وحدتها، لذا فإنه من الأهمية لحكومة الإمارات أن تحافظ على تلك الوحدة بأي ثمن.
على المستوى الفردي، تعد جهود الإمارات للدخول في اتفاقات تجارية متعددة، جزءا من نهجها الانفتاحي. كما أن القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية تم التوسع في تحريرها مع امتداد المناطق الحرة. إلا أن قانون الوكالة لا يزال مطبق في الدولة والذي تملك بمقتضاه المؤسسات الإماراتية حقوق توزيع خاصة للماركات الأجنبية في معظم الإمارات. وقد تناثرت الشائعات القائلة باقتراب بطلان هذا القانون ورفع الحد الأعلى الحالي للحصص التي تمتلكها الشركات الأجنبية في الشركات المحلية والبالغ 49 في المائة. وفي حديث لمدير غرفة تجارة إمارة الشارقة مع صحيفة "Gulf News"، ذكر إمكانية رفع هذا الحد إلى ما نسبته 95 في المائة للشركات التي تعد بتقديم خدمات جليلة للاقتصاد. كما أن التغيرات التي طرأت في قانون ملكية الأجانب للعقارات في إمارات مثل أبو ظبي والشارقة، يعد إشارة لاتجاه النوايا نحو بلوغ التكامل مع العالم الخارجي. ففي الوقت الحاضر، أصبح بإمكان وافدي إمارة أبو ظبي التملك العقارات المسطحة، بدون تضمن الأرض الواقع عليها، وذلك بموجب عقد انتفاع مدته 99 عام.
هذا وتؤكد التغييرات التنظيميةَ المتوقعة على الاهتمام الكبير الذي توليه الإمارات في مرحلة تطورها كمنطقة جذب للإعمال. حيث تعد الأمارات الآن في مصاف أكثر الدول تنافسية في العالم، وملجأ للأعمال، وذلك وفقا لما ورد في تقرير التنافسية العالمية 2004-2005 حول ترتيب الدول اقتصاديا، والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. حيث احتلت الإمارات المركز الثالث من حيث الجهود المنظمة لتحسين التنافسية، والمركز الثاني عالميا، بعد البحرين، من حيث الأعباء الضريبية المفروضة على المؤسسات. وقد اعتلت دبي بصفة خاصة مرتبة أعلى تفوق العديد من الدول المتطورة في الكثير من العوامل الأساسية، وتفوقها عليهم في كثير من الأحيان. إلا أن ذلك كان متوقعا، باعتبار دبي محور لأنشطة القطاع الخاص في الإمارات، وتأتي عادة في طليعة أي إصلاحات اقتصادية. كما تصدرت الإمارات العربية المتحدة قائمة البنك الدولي الخاصة بمؤشرات الحكم الجيد في الشرق الأوسط بحصولها على نسبة 86.1 في المائة.
وقد قدمت المبادرات العديدة التي اتخذتها الدولة نحو الخصخصة دعما قويا لجهودها لتصبح محور جذب للاستثمارات. حيث تم خصخصة العديد من الشركات المملوكة للدولة، وهناك العديد في طريقها لذلك. وقد أخذت أبو ظبي زمام المبادرة فيما يتعلق بخصخصة الشركات، حيث دخلت شركات أجنبية كبرى إلى قطاع الطاقة. وقد رسمت النظم المستحدثة صور مشابهة عن طريق خصخصة عدد من الشركات المملوكة للدولة في أبو ظبي، منها شركة أغذية، الدار العقارية، وشركة آبار للاستثمار البترولي. إلى جانب هذا، أعلن الشيخ خليفة أيضا أن شركة الإنشاءات البترولية الوطنية في طريقها للخصخصة.
ويرجع الفضل لنهج الإمارات الموالي للتحرر، قوة الاقتصاد والتحسن السريع في مستوي الثروات في البلد إلى تحسن تصنيفها الائتماني. فقد رفعت وكالة موديز تصنيف الأمارات إلى A1، الأمر الذي يعد الأعلى ضمن دول المنطقة، ولا يعادله في هذا التصنيف سوى قطر. كما ساعدت عوامل مثل الأداء القوي للشركات، وعمق الأسواق المالية في تحسين صورة الاقتصاد على الصعيد العالمي.
ويعزى الفضل المباشر لعمق الأسواق المالية إلى الأداء المتميز لأسواق الأوراق المالية في الإمارات، والتي واصلت تقدمها سريع الوتيرة على مدى الإحدى عشر شهر الأولى من العام 2005. وقد بلغ إجمالي القيمة السوقية لدى سوقي أبو ظبي للأوراق المالية وسوق دبي المالي ما قيمته 217 مليار دولار أمريكي بنهاية شهر أكتوبر من العام 2005، وهي ثاني أعلى قيمة سوقية في دول الخليج بعد السوق السعودي. وقد شكلت القيمة السوقية للأسواق الإماراتية ما نسبته 20.8 في المائة من إجمالي القيمة السوقية للأسواق الخليجية. وهي نسبة أعلى بكثير من معدل العام السابق والبالغ نسبته 15 في المائة. وقد جاء هذا النمو الهائل الذي شهدته الأوراق المالية مدعوما من قبل النمو القياسي لأرباح الشركات، خاصة في الأشهر التسع الأولى من العام 2005.
ومن أهم الشواهد المثيرة للاهتمام، الارتفاع الكبير في عدد الأغنياء في الدولة. حيث يقدر عدد المليونيرين بحوالي 52,800 فردا، أي 1.2 في المائة من عدد السكان طبقا لتقرير الثروة العالمي الصادر من قبل ميريل لينش وكاب جيمني. إلا أنه في المقابل، حدث ارتفاع كبير في تكلفة المعيشة، مما كان له أثر سلبي على متوسطي الدخل. وبصرف النظر عن سيناريو التكلفة، يبدو أنه لا يوجد ثمة عوائق أمام عجلات التغيير في الدولة، مما تمثل في العدد الهائل لناطحات السحاب التي تجذب الأموال والناس من كافة أرجاء العالم.
© 2005 تقرير مينا(www.menareport.com)