بيت الاستثمار العالمي "جلوبل"- الكويت- الاقتصاد السعودي– كان أداء الاقتصاد السعودي قويا جدا خلال الأعوام الماضية، حيث استفادت المملكة من الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط خلال تلك الفترة، وتتوقع أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 1.7 تريليون ريال سعودي (467.5 مليار ريال سعودي). أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي الفعلي (الذي تجاوز 3.1 في المائة خلال العامين الماضيين)، فمن المتوقع أن يبلغ 4.2 في المائة كما أن من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 22.0 في المائة في العام 2008. لا تزال المملكة ذات الثروة النفطية الهائلة ملتزمة بتنويع اقتصادها في وقت تبدو فيه فرص النمو قوية بوجود برنامج استثمار في القطاعات العامة والنفطية تزيد قيمته عن 400 مليار دولار على مدى السنوات الخمس القادمة. تملك المملكة ما يزيد عن 20 في المائة من الاحتياطي العالمي من النفط وما يزيد عن 10 في المائة من الاحتياطي العالمي من الغاز، وهي القوة الاقتصادية الكبرى في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي سوف يعزز مكانتها في مرحلة ما بعد تحقيق الاتحاد الاقتصادي الكامل بين دول المجلس التعاون الخليجي.
العام 2008 كان تاريخيا، تغيرت خلاله بيئة الاقتصاد العالمي بشكل كبير من بدايته إلى نهايته، ولذلك فقد كان له أثر بالغ على التوقعات بشأن الاقتصاد العالمي ككل. في تقرير لمؤسسة التمويل الدولي والبنك الدولي للعام 2009 حول سهولة ممارسة الأعمال، حلّت المملكة العربية السعودية في المرتبة 16 بين 181 دولة التي شملها التقرير، وجاءت في المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتشير تقديرات أولية إلى أن وضع الميزانية العامة الدولة متين، حيث من المتوقع أن تنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 18.7 في المائة في العام 2007 إلى 13.5 في المائة في العام 2008، وأن يبلغ مجموع الدين العام (وهو دين محلي بالكامل) 237 مليار ريال سعودي (63.2 مليار ريال سعودي) في نهاية العام 2008. بلغ مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي وردت إلى المملكة 24.3 مليار ريال سعودي في العام 2007، بزيادة بنسبة 33 في المائة، وبلغت نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الناتج المحلي الإجمالي 6.4 في المائة. وقد سجل القطاع غير النفطي نموا بلغ 4.5 في المائة مقارنة بنسبة 8.0 في المائة للقطاع النفطي في العام 2007. ومن المتوقع أن يؤدي كلا من ارتفاع إنتاج النفط مع التنويع الاقتصادي، في ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. من ضمن إطار سيناريو تراجع أسعار النفط، وفي حين أنه من المتوقع أن يكون متوسط نقطة تعادل الإيرادات والنفقات في دول مجلس التعاون الخليجي عند سعر 55 دولار لبرميل النفط، سوف تحقق المملكة العربية السعودية ميزانية متوازنة للعام 2008/2009 عند مستوى 50 دولار للبرميل.
سجل الحساب الجاري فائضا بلغ 564.8 مليار ريال سعودي وميزان التجارة فائضا بلغ 820.2 مليار ريال سعودي في العام 2008، بالزيادة عن العام السابق، وارتفعت نسبة الفائض إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 32.2 في المائة و 46.8 في المائة على التوالي. ويعزى هذا التحسن في العام 2008 إلى ارتفاع أسعار النفط ومبادرات التنويع التي أطلقت خلال العام. ومن المتوقع أن يكون مجموع صادرات السلع والخدمات قد ارتفع بنسبة 31.2 في المائة ليصل إلى 1.226 مليار ريال سعودي في العام 2008 مقابل ارتفاع بنسبة 12 في المائة لواردات السلع والخدمات التي بلغت 610.0 مليار ريال سعودي خلال العام.
تجاوب العرض النقدي إيجابيا مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال العام. وعلى خلفية ارتفاع معدلات التضخم، تم رفع متطلبات الاحتياط على مجموع الودائع تحت الطلب من 7 في المائة في نوفمبر 2007 إلى 13 في المائة في مايو 2008، ومع أنه تم تخفيض هذه النسبة لاحقا خلال العام 2008، لقد حققت هذه الخطوة النتائج المنشودة. هذا و تراجع معدل نمو العرض النقدي بمفهومه الأوسع M3 من 21.8 في المائة في أغسطس 2008 إلى 19.4 في المائة في سبتمبر 2008. وعلى أساس شهري، انخفض معدل نمو العرض النقدي بمفهومه الواسع M2 من 2.8 في المائة في يوليو إلى 0.2 في المائة أكتوبر 2008، بينما تراجع معدل ارتفاع العرض النقدي بمفهومة الأوسع M3 بنسبة 0.9 في المائة في يوليو 2008 إلى 0.4 في المائة في أكتوبر 2008. وضمن إطار الأداء الاقتصادي القوي للمملكة في فترة ارتفاع أسعار النفط، ارتفع معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة بلغت 11.1 في المائة في يوليو 2008. وساهم ارتفاع بند الإيجارات بشكل كبير في ارتفاع معدل التضخم في العام 2008، إلا أن هيئة النقد العربية السعودية (ساما)، التي تحرص على مراقبة التوجهات التضخمية، بادرت لاتخاذ مبادرات عدة ساعدت، بالإضافة إلى أثر تراجع أسعار السلع، في تحقيق إدارة أفضل للضغوط التضخمية. وعلى هذه الخلفية، يقدر أن يبلغ معدل التضخم 9.2 في المائة للعام 2008.
على الرغم من انخفاض أسعار النفط خلال الأشهر القليلة الماضية، علما بأن الإيرادات النفطية تشكل أكثر من 85 في المائة من الإيرادات الحكومية، أبرزت الميزانية العامة للملكة استمرار التزام الحكومة بالتركيز على تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وحرصها على إعطاء الأولوية للمشاريع التي تضمن التطوير الدائم والمتوازن وخلق فرص عمل جديدة. ومع أن الميزانية تتوقع تحقيق إيرادات بقيمة 410 مليار ريال سعودي في العام 2009، وهو رقم يقلّ بنسبة 8.9 في المائة عما كان عليه في ميزانية العام 2008 والبالغ 450 مليار ريال سعودي ، يلاحظ أن الميزانية تتوقع ارتفاعا بنسبة 15.9 في المائة في الإيرادات من 410 مليار ريال سعودي في العام 2008 إلى 475 مليار ريال سعودي في العام 2009، وهذا يعني عجزا بنسبة 65 مليار ريال سعودي للعام 2009 مقارنة بفائض بنسبة 40 مليار ريال سعودي في العام 2008. تعكس تقديرات الميزانية انعكاسات تباطؤ الاقتصاد العالمي على اقتصاد المملكة، وهي أكبر مصدّر للنفط في العالم وأكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن ما صدر عن المسؤولين السعوديين من تصريحات بالتوجه نحو زيادة الإنفاق، وافتراض أن تكون السعودية قد عززت احتياطياتها المالية بشكل كبير نتيجة لارتفاع أسعار النفط في الفترة الأخيرة، يعززان الثقة بقدرة الاقتصاد السعودي على ما قد تتعرض له من ضغوط سلبية ناشئة عن تباطؤ الاقتصاد العالمي.
والجدير بالملاحظة أن المملكة العربية السعودية، شأنها في ذلك شأن الدول النفطية العربية الأخرى، قد عمدت تقليديا على انتهاج سياسة متحفظة وبناء ميزانياتها العامة على أساس أسعار أدنى للنفط. ومع أن التباطؤ الاقتصادي في جميع دول العالم لا يرسم صورة مستقبلية مشرقة لأسعار النفط، إلا أننا نعتقد بأن من المرجح أن النتيجة للعام 2009 لن تكون عجزا حسب التوقعات الأولية، بل أن من المحتمل أيضا أن تكون النتيجة النهائية فائضا في الميزانية.
على أساس المعطيات الاقتصادية الأساسية المتينة للمملكة وتوقعاتنا الاقتصادية للعام 2009، وعلى الرغم من اعتقادنا بأن السنة القادمة ستشهد تراجعا لقوة دفع الاقتصاد السعودي، في رأينا أن الميزانية العامة للسعودية سوف تسجل فائضا. فبالإضافة إلى الجهود المتواصلة التي تبذلها الحكومة والتزامها بالاستمرار في تطبيق السياسات التي انتهجتها على مدى الأعوام القليلة الماضية، إن هناك عوامل عدة، ومنها تباطؤ الضغوط التضخمية وانخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ووجود نظام مصرفي متين وطلب استهلاكي محلي قوي، تسهّل استمرار تطبيق خطط التنمية الاقتصادية للمملكة. وبالنسبة للمستقبل، قمنا برسم ثلاثة سيناريوهات مختلفة للتمويل الحكومي للعام المالي 2009.
وبالتالي، وعلى أساس توقعاتنا ، يمكن أن تسجل ميزانية المملكة عجزا بقيمة 2.3 مليار ريال سعودي في السيناريو الأسوأ، وقد تحقق فائضا يتراوح ما بين 79.5 مليار ريال سعودي و218.7 مليار ريال سعودي في السيناريو الأفضل. ومن هذه النتائج، وعلى الرغم من ثقتنا في قدرة المملكة العربية السعودية على تحقيق أهداف النمو الاقتصادي للعام 2009، من المؤكد أن الاقتصاد السعودي سوف يتباطأ ويتراجع عن المستويات التي شهدها في العام الماضي.
© 2009 تقرير مينا(www.menareport.com)