تحليل قرار بنك الكويت المركزي برفع سعر الخصم

تاريخ النشر: 09 أغسطس 2004 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

تحليل مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية  

لقرار بنك الكويت المركزي برفع سعر الخصم بمقدار 0.5 % 

 

قام بنك الكويت المركزي برفع سعر الخصم على الدينار الكويتي بمقدار 0.5 % في 04/08/2004 ليصل إلى 4 % ، وقد أثار ذلك الإعلان ردود فعل متباينة خاصة أنه لم يمض أكثر من 5 أسابيع على اتخاذ البنك نفس الإجراء في الأول من يوليو الماضي عندما رفع سعر الخصم بمقدار 0.25 % تبعا ً لرفع السعر على الدولار الأمريكي . 

 

تبريرات وتفسيرات 

وقد برر البنك المركزي خطوته الأخيرة بارتفاع القروض الى مستوى مقلق حسب وجهة نظره بلغ 9.5 مليار د.ك نهاية يوليو الماضي بالمقارنة مع 8.5 مليار د.ك نهاية العام الماضي في مقابل انخفاض ودائع القطاع الخاص إلى 10.5 مليار د.ك نهاية يوليو الماضي من أعلى مستوياتها نهاية مايو الماضي عندما بلغت 10.8 مليار د.ك . 

 

ويمكن تبرير موقف البنك المركزي المرتبط بزيادة معدلات الاقتراض إلى حد ما إذا كانت المعلومات المتوفرة لديه بأن الزيادة في عمليات الاقتراض متوجه فقط أو معظمها إلى قطاعات غير إنتاجية مثل العقار والأوراق المالية ولكننا نختلف إذا كان النمو في القروض لتمويل مشروعات إنتاجية وحيوية مثل العقود الحكومية ومشاريع البناء والتشغيل والتسليم ( B.O.T ) والتي يتوقع لها أن تنمو بشكل لم يسبق له مثيل خلال العقد الحالي . 

 

ويمكن تفسير قرار البنك المركزي الأخير برفع سعر الخصم إلى عدم التزام بعض البنوك بشكل جدي مع نسبة القروض إلى الودائع فجاء العقاب جماعيا ً وهذا الأمر يعتبر تعاملا ً مستغربا ً إن صح ، حيث يمكن التشدد مع البنوك غير المتعاونة وليس بإتخاذ إجراء عام ، أما بما يتعلق بوجهة نظر البنك المركزي اتجاه انخفاض الودائع فإن ذلك لا يدعو إلى القلق من وجهة نظرنا حيث أن الانخفاض جاء بالمقارنة مع أقصى ارتفاع للودائع المالية كما أن الانخفاض يعتبر طفيفا ً للغاية حيث يبلغ 300 مليون د.ك تقريبا ً الذي يمثل فقط 2.8 % من رصيد الودائع البالغ 10.8 مليار د.ك والذي يعتبر قياسيا ً ، أما بما يتعلق بالقول بأن رفع سعر الخصم سيؤدي إلى توطين الدينار الكويتي فإن ذلك صحيح لكن من الناحية النظرية فقط حيث أن المغريات في العملات والأسواق العالمية ضعيفة للغاية أصلا ً فأسعار الفوائد منخفضة كما أن أسواق المال الأجنبية التقليدية المتمثلة في أوروبا وأمريكا قد حققت خسائر حتى الآن والمتوقع استمرارها حتى نهاية العام الجاري . 

 

التداعيات 

من جهة أخرى فإن قرار رفع سعر الخصم سيوسع الهامش ما بين الدينار الكويتي والدولار بشكل كبير حيث يبلغ 2.75 % (الفرق بين 4 % و 1.25 % ) الذي سيرتب بعض التبعات السلبية منها اتجاه المستثمرين إلى الاقتراض بالدولار الأمريكي عوضا ً عن الدينار خاصة في ظل التواجد القريب جدا ًللبنوك الأجنبية، من جهة أخرى فأن رفع سعر الخصم يؤدي إلى زيادة العبء على خزينة الدولة حيث سترتفع الفوائد على أدوات الدين العام البالغة 2.4 مليار د.ك في نهاية الشهر الماضي بمقدار 12 مليون د.ك سنويا ً بينما يكون أثر رفع سعر الخصم طفيفا ً للغاية على أرصدة البنوك المودعة لدى البنك المركزي نظرا ً لكونها في أقل مستوياتها حيث تبلغ 173 مليون د.ك فقط ، وقد كان ذلك الرصيد مرتفعا ً جدا ً نهاية العام 2002 حيث بلغ ما يقارب الملياري د.ك على خلفية الركود النسبي وقتها وتكدس تدفقات التعويضات التي بلغت ذروتها في ذلك الحين . 

 

ومن التداعيات السلبية لرفع سعر الخصم تباين ذلك مع معدلات الخصم لعملات دول مجلس التعاون الخليجي الذي يتنافى مع التوجه نحو العملة الخليجية الموحدة في العام 2010 كما هو معلن والذي كان من الأسباب الرئيسية لربط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي بداية العام الماضي 2003 ، فوضع الدينار الكويتي حاليا ً يعتبر محيرا ً فهو مرتبط مع الدولار الأمريكي من جوانب ومنفلت من جوانب أخرى الذي ينعكس سلبا ً على وضع الخطط الإستراتيجية للدولة ورؤية المستثمرين طويلة الأجل . 

 

البورصة والعقار 

وترددت بعض المعلومات بأن قرار البنك المركزي الأخير يهدف بالدرجة الأولى لكبح جماح سوق الكويت للأوراق المالية والنشاط العقاري ، أما بالنسبة لسوق العقار فلسنا من المتخصصين في هذا المجال حتى نبدي وجهة نظر مهنية بالرغم من المؤشرات المقلقة التي يتحدث عنها بعض المهتمين بهذا الشأن والتي قد تتطلب تدخلا ً موضعيا ً من قبل البنك المركزي للحد من التداعيات السلبية لتضخم أسعار ذلك القطاع ، أما بما يتعلق بسوق الكويت للأوراق المالية فإن المؤشر السعري قد أرتفع بمعدل 19 % منذ بداية العام حتى اليوم الذي سبق إعلان البنك المركزي وربما يشير ذلك إلى شيء من التضخم لكنه من المعروف بأن ذلك المؤشر غير صحيح ومضلل ولا يعكس حقيقة الوضع وذلك بإجماع المختصين ، وقد طالبنا نحن بإلغائه في عدة مناسبات ونعتقد أن خلل المؤشر السعري لا يخفى على القائمين على البنك المركزي حيث يعتمد المتخصصون المهنيون على المؤشرات الموزونة والتي منها مؤشر غلوبل الذي ارتفع بمعدل 3.6 % فقط منذ بداية العام ، وقد كان أداءه سالبا ً حتى نهاية النصف الأول والذي يؤكد على عدم وجود تضخم في أسعار الأسهم ، ولعل النتائج النصف سنوية تبرهن على ذلك حيث ارتفعت كما ً بمعدل 20 % وفقا ً للإعلانات التي تمت حتى الآن والتي تمثل 77 % من الشركات المدرجة والأهم من ذلك التحسن النوعي للنتائج بشكل ملحوظ نظرا ًَ لانحسار تأثير أداء البورصة على الأرباح المعلنة . 

 

وإن كان هناك مبررا ً لتفعيل سعر الخصم كأداة لترشيد أداء أسواق الأسهم لكان من الأجدى استخدامها في النصف الثاني من العام الماضي حين شهدت أسعار الاسهم ارتفاعا ً غير مبررا ً بشكل عام نظرا ًُ للإفراط الكبير بالتفاؤل من الوضع في العراق في أعقاب سقوط النظام السابق والذي أدى الى التخفيض من جودة الأرباح المعلنة للعام 2003 مما تطلب تصحيحا ً مناسبا ً والذي تم تلقائيا خلال النصف الأول من العام الجاري . 

 

الانعكاس على سوق الأوراق المالية  

وبالرغم من قرار البنك المركزي الذي كان مفاجأ ً في التوقيت والحجم إلا أننا نعتقد بأن أثره سيكون هامشيا ً على أداء سوق الأسهم حتى نهاية العام الجاري والذي نتوقع أن يكون إيجابيا ً وذلك بالطبع إن لم يقم البنك المركزي مرة أخرى برفع سعر الخصم وذلك نظراً للنتائج المشجعة التي تم إعلانها حتى الآن بالإضافة الى المتغيرات العامة مثل الارتفاع القياسي لأسعار النفط وإفساح الحكومة المجال للقطاع الخاص لتنفيذ مشاريع كبرى بطريقة بي أو تي ( B.O.T ) واستخدام فوائض الميزانية في تطوير البنية التحتية والإنفاق على قطاعي الإسكان والنفط . 

 

وينحصر الأثر السلبي لرفع سعر الخصم على سوق الكويت للأوراق المالية في جانبين الأول مرتبط بالتسهيلات المصرفية المقدمة لهذا القطاع والتي تم تقليصها قبل قرار زيادة سعر الخصم كما نتوقع أن يظل عائد الاستثمار في الأوراق المالية منافسا ً لعوائد الودائع وهي البديل التقليدي والمتاح كخيار أول أمام المستثمرين بالأسهم بالرغم من ضيق الهامش واختلاف نسبة المخاطرة ما بين البديلين ، أما الجانب الثاني فهو متعلق بالمصروفات الإضافية التي ستتكبدها الشركات المدرجة على التسهيلات القائمة والمقدرة مبدئيا ً 2.3 مليار د.ك في نهاية العام الماضي والتي ستكون أعباؤها الإضافية ما يقارب 11 مليون د.ك سنويا ً الذي تشكل أقل من 1 % من الأرباح المعلنة لجميع الشركات المدرجة الذي يعتبر مبلغا ً غير ذا أهمية على الإطلاق. 

 

مرونة غير مستبعدة 

وبالرغم من الأثر الطفيف لرفع سعر الخصم على أرباح الشركات إلا انه لا يستبعد أن يحد ذلك من نموها بالشكل المتوقع سلفا ً خاصة في ظل استنفاذ عدة بنوك طاقتها التمويلية وفقا ً لتعليمات البنك المركزي الخاصة بنسبة القروض إلى الودائع المحددة بمعدل 80 % ، وقد تردد بأن البنك المركزي سيبدي مرونة لتجاوز تلك النسبة وذلك في حالات خاصة مرتبطة بالمشروعات الحيوية وها الأمر غير مستبعد لكون البنك المركزي يعتبر من المؤسسات الوطنية التي يجب أن تساهم في تنشيط العجلة الاقتصادية ومشاريع التنمية وتعويض ما فات من تراجع وركود بعد زوال النظام العراقي السابق وتحقيق موازنة الدولة فوائض ضخمة بعد عقدين من الخراب الأمني والاقتصادي كانت الكويت ضحيتهما الأولى . 

 

وبالرغم من انتقادنا لقرار البنك المركزي برفع سعر الخصم مؤخرا ً إلا أننا لا نريد أن نُحمّل هذا الموضوع أكثر مما يحتمل كما نتمنى أن لا يتم تسييس هذه القضية وإشغال المجتمع بأكمله في تداعياتها ، ولعل للقائمين على البنك المركزي أرقام ومؤشرات موضوعية دعتهم لاتخاذ قرارهم الأخير الذي قد يتطلب عقد مؤتمر صحفي يكون مقتصرا ًَ على المتخصصين لإيضاح مبررات القرار بشيء من التفصيل والإجابة على الاستفسارات والتساؤلات المتعددة حول ذلك الموضوع المهم بشفافية كاملة . (البوابة) 

 

E-mail: [email protected]