في العمل... التشبيك مع الآخرين غالباً مضيعة لوقتك

تاريخ النشر: 11 يناير 2016 - 09:52 GMT
لا يهمّني الانطباع الأوّل، بل أفضّل أن أترك انطباعاً أولاً سيئاً، وأن أدع الناس يكتشفونني مع مرور الوقت، على أن أترك لديهم انطباعاً إيجابياً فورياً
لا يهمّني الانطباع الأوّل، بل أفضّل أن أترك انطباعاً أولاً سيئاً، وأن أدع الناس يكتشفونني مع مرور الوقت، على أن أترك لديهم انطباعاً إيجابياً فورياً

تُعتبرُ عملية بناء العلاقات الصحيحة مع الناس، والتي تُعرفُ أيضاً باسم عملية “التشبيك”، أمراً أساسياً في قطاع الأعمال. وقد يكون ضرباً من المبالغة القول بأنّ العلاقات هي كلّ شيء، لكنّها ليست مبالغة كبيرة. فالناس الذين نقضي وقتنا معهم هم من يقرّرون، وإلى حدٍّ كبير، الفرص المتاحة لنا.

وكما قال لي رائد الأعمال والرأسمالي المغامر ريتشارد سترومباك خلال سلسلة من المقابلات التي أجريتها معه، فإنّ “الفرص لا تكون عائمة مثل الغيوم السابحة في السماء. بل هي مرتبطة بالناس”.

وإذا ما وصفنا سترومباك بأنّه شخص بارع جدّاً وعظيم في التشبيك مع الآخرين، فإنّنا لا نفي الرجل حقّه بهذا التوصيف. وتعرّفت عليه سابقاً وجرى تقديمه لي بوصفه “السيد دافوس”، نسبةً إلى المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يقام سنوياً في مدينة دافوس السويسرية، وهناك أسباب وجيهة لإطلاق هذا اللقب عليه، إذ قضى الأعوام العشرة الماضية في حضور هذا المنتدى الذي يُعتبرُ بمثابة القبلة التي يؤمها الناس للتشبيك.

ووصفته صحيفة “نيويورك تايمز” على أنّه “الخبير غير الرسمي بأروقة دافوس ومناسباته”. فخلال كلّ عام، يعلم سترومباك أين ستُقام المناسبات الهامّة، لأنّه على صلة بالكثير من الناس الذين يزوّدونه بالمعلومات، بحيث يضمن أن يظلّ حاضراً في قلب مسرح الأحداث. ومع مرور الزمن، تحوّل ذلك الأمر إلى مجموعة من العلاقات السريالية.

فعندما طُلِبَ من أحد أمراء الشرق الأوسط الاجتماع مع بعض الرؤساء التنفيذيين لشركات موجودة على قائمة فورتشن 500 “Fortune 500″، تواصل مع سترومباك طالباً منه حضور الاجتماع ولعب دور الميسّر فيه، وعندما كان الـ”فاتيكان” يفاوض على إحدى معاهدات السلام، استعان بجهود سترومباك.

وهناك سبب آخر يدفع الناس إلى اللجوء إليه، لأنهم يشعرون بأنّهم لا يحصلون على ما يكفي من القيمة في “دافوس”. يقول سترومباك: “هؤلاء الناس يسعون وراء الكثير لكنهم لا يحصلون إلا على القليل”، وهو يجد هذا المفهوم أمراً لا يُصدّق. فعلى حدّ رأيه: “المنتدى الاقتصادي العالمي هو أكبر التجمعات نفوذاً في العالم. فهو منتدى يجمع “الأمم المتحدة”، وقمّة مجموعة العشرين، وقائمة “فورتشن 500″، وقائمة “فوربس”، وأصحاب الابتكارات المُزعزعة، والقادة الفكريون، في مكان واحد”.

يختلف معظم ما تعلّمه سترومباك خلال العقد الذي قضاه في دافوس اختلافاً جذرياً مع النصائح المتعارف عليها عموماً بخصوص التشبيك. وفي ما يلي متقطفات من أحاديثي مع سترومباك بخصوص نصائحه التي تبدو مخالفة للحدس، وبوسعكم استعمالها في “دافوس” أو في أي مناسبة أخرى للتشبيك:

لا تهتمّ كثيراً بالانطباع الأوّل الذي تتركه لدى الناس.

“الجميع يخطئون في فهم هذه الناحية. فهم يحاولون أن يظهروا بالمظهر الصحيح وأن يقولوا الأشياء التي تبدو صحيحة، لكن ينتهي بهم المطاف وقد ضاعوا في غياهب النسيان تماماً. أمّا أنا فأحاول أن أكون على سجيتي وعلى طبيعتي. فأنا لا أرتدي البدلات أو أي شيء من هذا القبيل.

ولا يهمّني الانطباع الأوّل، بل أفضّل أن أترك انطباعاً أولاً سيئاً، وأن أدع الناس يكتشفونني مع مرور الوقت، على أن أترك لديهم انطباعاً إيجابياً فورياً. والمثير للفضول في الأمر هو أنّ الأبحاث التي كنت قد قرأتها قبل بضع سنوات تشير إلى أنّك تبني مع مرور الوقت علاقة أمتن مع الشخص الذي لا يُعجبُ بك فوراً، مقارنة مع الشخص الذي تثير إعجابه من المرّة الأولى”.

99% من مناسبات التشبيك التي تحضرها هي مضيعة لوقتك.

“إن 99% من لقاء “دافوس” عبارة عن معلومات أو تجارب يمكنك الحصول عليها من أمكنة أخرى، وفي الوقت الذي تشاء وبطريقة مريحة أكثر. وعندما كنتُ أضع في عنقي البطاقة التعريفية البيضاء الرسمية التي تخوّلني الدخول إلى مركز المؤتمرات، وهو أمر لم أعد أفعله أصلاً، كان أصدقائي يسخرون منّي، لأنني لم أحضر أي جلسة من جلسات المنتدى قط. فالقيمة العظمى من هذا الحدث لا تتأتّى من حضور الجلسات.

لكنّ القدرة على مقابلة هذا العدد الكبير من الناس وجهاً لوجه وإقامة علاقات هامة جديدة معهم، أو تعزيز علاقاتك السابقة بهم، هو شيء لا تستطيع الحصول عليه خارج أروقة دافوس”.

يجب أن تنام يومياً بين الرابعة والثامنة مساءً.

“أنا آخذ فترة قيلولة يومياً بين الرابعة والثامنة مساءً. فهذا هو الوقت الأنسب لتعويض ما فاتني من نوم، لكي أكون بكامل لياقتي عندما تحين الفرصة المناسبة. فاللحظات المناسبة قد تأتي وأنت ترقص في ليلة حافلة، أو أثناء وجودك في حفل عشاء يُقام في مزرعة خاصّة، ولا تُدعى إليه سوى مجموعة منتقاة بعناية من الناس. والحديث هناك قد يستمرّ حتى ساعات الصباح الأولى”.

السر الحقيقي للتشبيك هو التوقف عن التشبيك.

“لا أحد يحبّ أن يجري محادثة بهدف التشبيك، وخاصّة من يشغلون مناصب مرموقة في عالمي الأعمال والسياسة. بل هم يتعطّشون إلى المحادثات الحقيقية والعلاقات الحقيقية.

والحديث يجب أن يكون صادقاً، وأصيلاً، وخالياً من الرياء. وأنا لا أنظر إلى البطاقات التعريفية التي يعلقها الناس على صدورهم لكي أقرّر ما إذا كانوا جديرين بوقتي أم لا.

ففي دافوس هناك 3000 آلاف شخص نافذ، ويجب أن يكون المرء انتقائياً، ولكن حقيقياً في الوقت ذاته، شريطة أن يركّز انتباهه، وأن يكون مستعدّاً لكلّ الاحتمالات. ففي نهاية المطاف، أنا أذهب إلى المنطقة التي أعلم بأنني سأجد فيها ضالتّي ومن ثمّ أنساق مع التيّار وأقضي الوقت مع الناس الذين استمتع بصحبتهم”.

ليس مطلوباً منك الذهاب إلى الحفلات التي تضمّ الأسماء الكبيرة.

“أمتلك شبكة عالمية واسعة وعميقة من العلاقات مع مجموعة كبيرة من الرؤساء التنفيذيين، رغم أنّني لا أتناول معهم طعام العشاء وجهاً لوجه خلال 90% من الوقت. لكنّك يجب أن تعرف أي سيكون الناس. فعلى سبيل المثال، في إحدى السنوات قلت لأحد الأشخاص: “لا تذهب إلى حفل بيل غيتس هذا العام.” وعندما سألني عن السبب، قلت له: “لن يكون هناك أحد”. ولمّا ذهب إلى الحفل، ذهل عندما اكتشف بأنّ توقعي كان في محله. ولكن كلّ ما في الأمر هو أنني كنت أعلم بأنّ الحفل يُقام في الزمان والمكان الخاطئين. وكلّ ما في المسألة أيضاً هو أن تفهم أين يجب أن تكون ومتى”.

عش في ديترويت (أو أي مكان آخر تحبّه) بقيّة العام.

“معظم الناس الذين يركّزون على بناء العلاقات على أرفع المستويات يعيشون في مدن مثل لندن، ونيويورك، والعاصمة واشنطن. وهم منغمسون في صميم الأحداث على مدار الساعة وعلى مدار أيّام الأسبوع. أمّا أنّا فأفضّل أن أنأى بنفسي عن هذا المشهد في 90% من الوقت. فأنا أعيش في مرتفعات بلومفيلد، في منطقة ديترويت، ولا أقوم بأيّ نشاط اجتماعي هناك.

وأنا أحبّ ديترويت لأن أحداً لا يزورها، وليس هناك الكثير من الأشياء التي تشتّت الانتباه فيها. وهذا الأمر يمنحني ملاذاً بحيث أقضى هذا الوقت الهام مع أفراد عائلتي. كما أن ابتعادي في 90% من الوقت عن تلك الحمّى يقلل الكثير من الدراما في حياتي”.

ووفقاً لسترومباك الذي يركّز على الجوهر بحسب رأيه، فإنّ “99% من منتدى دافوس هو عبارة عن أشياء وتفاصيل تشتّت انتباه المرء؛ ويجب عليك معرفة الأشياء التي ينبغي تجنبها”. وعندما سألته عن رأيه بالفكرة القائلة بأنّ معظم الناس لا يحبّون التشبيك لأنّه يحتاج إلى وقت كبير وهو يشتت انتباههم عن “العمل الحقيقي” قال: “الإجابة تكمن في أن يحاول الإنسان أن يكون كفوءاً وأن يركّز على الأشياء الجوهرية فعلاً.

” وهذه الفكرة تنسجم مع وجهة نظري الشخصية بالعالم: فكلّ شيء في الحياة تقريباً هو عبارة عن ضجيج عديم القيمة، وليس هناك سوى قلّة صغيرة فقط من الأشياء التي تتمتّع بقيمة استثنائية. وهذا الأمر يصحّ على التشبيك بقدر ما يصحّ على كل مجال آخر تقريباً في الحياة.

اقرأ أيضاً: 

كيف تطمئن في عملك دون الخوف من خسارته‎؟

عامل موظفيك وكأنهم مالكون للشركة!

احذر... رسائلك الالكترونية الليلية تؤذي فريقك