وسط قلق من قواعد الاستيراد الجديدة المشددة في مصر، قاطع موردو القمح بشكل جماعي مناقصة طرحتها الحكومة لشراء القمح أمس الأول، وهو ما يدفع أكبر بلد مشتر للقمح في العالم صوب أزمة قد تهدد احتياطياته الاستراتيجية من الحبوب.
وسط هذا القلق خففت وزارة الزراعة المصرية من اشتراطاتها أمس، مؤكدة للتجار أنها ستسمح باستيراد القمح الذي يحتوي على نسبة تصل إلى 0.05 في المائة من طفيل الإرجوت، متراجعة بذلك عن سياسة عدم السماح بأي نسبة من الإصابة بالطفيل التي أثارت قلق التجار في الأسابيع الأخيرة.
وبحسب "رويترز"، فإن إمدادات القمح الضرورية لتوفير الخبز المدعم لعشرات الملايين تعتبر خطا أحمر في مصر، أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، فحينما انتفض المصريون في 2011 رفعوا شعار "عيش "خبز".. حرية.. عدالة اجتماعية".
وأكدت الهيئة العامة للسلع التموينية المصرية أنها لم تتلقَ أي عروض في المناقصة التي طرحتها، وقالت "إنها تبحث الآن استيراد ثلاثة ملايين طن من القمح بالأمر المباشر"، وهو ما وصفه بعض التجار بأنه غير واقعي.
وقال ممدوح عبد الفتاح نائب رئيس الهيئة دون إسهاب "إن المباحثات جارية لاستيراد ثلاثة ملايين طن خارج نظام المناقصات"، وأحجم التجار عن المشاركة في المناقصة مع تنامي القلق من رفض شحناتهم في الموانئ المصرية بسبب معايير الاستيراد الجديدة المشددة.
وأفاد تاجر في أوروبا بأنه لا يتذكر قط مناقصة للهيئة ألغيت لعدم تقديم عروض وبالتأكيد ليس في السنوات الأخيرة، ويأتي إلغاء المناقصة بعد أن رفضت الهيئة هذا الأسبوع شحنة تزن 63 ألف طن لاحتوائها على طفيل الإرجوت، الذي ينتشر في الحبوب رغم عدم تجاوزه النسبة التي تسمح بها مواصفات الهيئة البالغة 0.05 في المائة.
واعتبر التجار الشحنة التي وردتها بونجي اختبارا مهما لمدى تمسك مصر بالقواعد الجديدة التي تشترط خلو الشحنات تماما من طفيل الإرجوت، التي قالوا "إنها ترفع تكلفة التوريد للبلاد"، وبحسب التاجر الأوروبي فإن الموردين توقعوا قبول شحنة بونجي، وأثار رفضها قلقا كبيرا.
وأدت التصرفات المتباينة للسلطات إلى تصاعد حدة القلق، فقد أكدت وزارة التموين المصرية التي تتبعها هيئة السلع التموينية أنها ستسمح بشحنات القمح المستورد التي تحتوي على نسبة تصل إلى 0.05 في المائة من الإرجوت، لكن إدارة الحجر الزراعي التابعة لوزارة الزراعة قالت "إنه لن يتم السماح بأي نسبة من الطفيل".
ويقول تجار "إن من المستحيل ضمان خلو القمح تماما من الإرجوت"، ورأى تاجر آخر أن التقدم بعروض في مناقصات هيئة السلع التموينية في مصر ينطوي الآن على مجازفة كبيرة، فلا يمكن ضمان أن تكون الشحنات الواردة من أي منشأ خالية تماما من الإرجوت، كما أن احتمال رفض الشحنات كبير جدا بحيث لا يمكن معه إضافة علاوة مخاطرة.
وأشار متحدث باسم وزارة الزراعة إلى أن مصر رفضت حتى الآن ثلاث شحنات من القمح المستورد لاحتوائها على هذا الطفيل، وأكد التاجر الأوروبي أنه إذا لم تغير مصر قواعدها فقد تواجه مشكلات في الاستيراد.
وتستورد مصر نحو عشرة ملايين طن من القمح سنويا يذهب معظمها لتوفير الخبز المدعم لسكانها البالغ عددهم نحو 90 مليون نسمة، ولدى البلاد إمدادات استراتيجية من القمح تكفي حتى 11 أيار (مايو)، لكن تلك الإمدادات تتضمن شحنات لم تتسلمها بعد بما فيها الشحنة التي رفضتها البالغ وزنها 63 ألف طن.
وأكد تجار أن جزءا كبيرا من الاحتياطيات التي حسبتها مصر لا يزال خارج البلاد في شحنات قد يتم رفضها وهو ما يزيد احتمالات وصول تلك الاحتياطيات إلى مستويات حرجة في وقت أقرب من المتوقع.
وأشار تاجر من القاهرة إلى أن ذلك السجال الدائر بين الوزارتين يشكل خطرا على إمدادات سلعة استراتيجية مثل القمح، مضيفاً أن "عليهم أن يفكروا في احتياطياتهم، وإذا حسبوا الشحنات المنطوية على مشكلات ضمن الاحتياطيات فسيكون الرقم مضللا".
وأطلق تاجر آخر من القاهرة تحذيرا أشد قائلا "هذه مسألة أمن قومي لمصر.. لا يمكن ترك البلاد بدون القمح اللازم لصناعة الخبز".
وقال عيد حواش المتحدث باسم الوزارة "إن بلاده ملتزمة بالمعايير والمواصفات المصرية، ومن ثم فإن هذا يعني أننا نقبل ما يصل إلى 0.05 في المائة"، في إشارة إلى نسبة الإصابة بطفيل الإرجوت.
وأحدثت وزارة التموين حالة من الارتباك بين التجار في الأسابيع الأخيرة، إذ أكدت لهم أنه سيتم السماح بشحنات القمح التي تصل نسبة الإصابة بطفيل الإرجوت فيها إلى 0.05 في المائة وهو معيار دولي شائع، غير أن وزارة الزراعة رفضت جميع الشحنات التي تحتوي على أي نسبة من الطفيل.
وذكر حواش أن وزارتي التموين والزراعة التقتا واتفقتا على تطبيق المواصفات التي تسمح بنسبة إصابة تصل إلى 0.05 في المائة، وإلى أن يتم تغيير اللوائح سنقبل 0.05 في المائة.
اقرأ أيضاً:
مصر ستغير نظام دعم القمح مطلع الموسم المقبل
صادرات القمح الفرنسي ترتفع بدعم المبيعات لمصر
تطوير تخزين القمح في مصر سيوفر 200 مليون دولار سنوياً