بعد عشرة أشهر من الخسائر المتواصلة، سجل المؤشر العام لأسواق الأسهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مكاسب قدرها 7.5% خلال مارس. وقد استعادت الأسواق الإقليمية شيئا من توازنها بعد فترة اثني عشر شهرا مريعة، فيما أدت مجموعة من العوامل العالمية والإقليمية إلى بعض التفاؤل بأن أسوأ مراحل الأزمة المالية العالمية قد مرت، وأن الفترة المقبلة هي فترة تعاف، وإن كان بطيئا. وفي المرحلة المقبلة سيولى اهتمام كبير للإعلان عن أرباح الربع الأول من العام 2009 بعد أن كانت حصيلة النتائج الضعيفة للربع الرابع عام 2008 خسائر مجموعها 5.7 مليار دولار أميركي في الشركات المدرجة في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، مقارنة مع أرباح بلغت 13 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام 2007.
وقد أتبعت الأسواق الإماراتية مكاسبها في شهر فبراير بالمزيد من المكاسب التي قاربت 7% في مارس، ما جعلها على الجانب الإيجابي لهذا العام بنسبة طفيفة. وانصب اهتمام المستثمرين بشكل كبير على أسواق الائتمان والتعاملات بين البنوك فيما أعلنت الهيئات الرسمية في كل من أبوظبي ودبي عن مبادرات مهمة لمواجهة شح السيولة الذي يؤثر على الاقتصاد وعلى ثقة المستثمرين. وقد شهدت أسهم قطاعات العقارات والإنشاءات مكاسب جيدة، بينما شهد قطاع البنوك أداء متباينا، حيث أنهى كل من المصرفين الضخمين بنك أبوظبي الوطني وبنك الإمارات دبي الوطني الشهر على انخفاض طفيف، بينما سجل بنك الخليج الأول وبنك دبي الإسلامي مكاسب جيدة. وكانت هناك بعض الإشارات مؤخرا على عودة المستثمرين المحليين إلى السوق، وذلك سيكون مهما جدا لإنعاش الأسواق في الوقت الذي سيتركز فيه اهتمام المستثمرين الأجانب على أسواقهم وعلى الأسواق الناشئة الأكثر رسوخا.
كما حققت السعودية، كبرى أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مكاسب بلغت 7.28% خلال شهر مارس، ما قلل الخسائر السنوية حتى تاريخه إلى حوالي 2%. وقد بدأت السوق الشهر بأداء ضعيف جدا دفع بالسوق إلى الإغلاق قرب مستوى 4,000 نقطة، قبل أن تشهد ارتفاعا كبيرا في النصف الثاني من الشهر ضمن لها نهاية إيجابية لشهر مارس. وارتفع أرباح قطاع البنوك للشهرين الأوليين من العام 2009 إلى 6 مليارات ريال سعودي (حوالي 1.6 مليار دولار أميركي) مقارنة بـ 5.2 مليار ريال (1.39 مليار دولار) في الفترة ذاتها من العام 2008.
أما في الكويت، فعلى الرغم من استمرار العوائق التشريعية فقد تمكنت سوق الأسهم من تحقيق مكاسب قاربت 5% في شهر مارس، ما قلل خسائر العام 2009 حتى الآن إلى حوالي 13%. وما تزال أخبار أرباح الشركات في العام 2008 سيئة، وفي ظل قواعد الإفصاح الأكثر صرامة فسيتم منع 39 شركة من التداول كونها لم تعلن نتائجها للعام 2008 بعد. وقاد النمو في قطاع المصارف الأسهم الرائدة لبنك الكويت الوطني وبيت التمويل الكويتي، وكذلك ساهم سهم زين للاتصالات في دعم السوق، حيث تراوحت مكاسبها بين 10% و 15%. ويبقى تركيز المستثمرين منصبا على القطاع الاستثماري وعلى التقدم في الخطط الحكومية لتجنب احتمالات تقصير الشركات في دفع المستحقات المترتبة عليها أو الإفلاس، مما سيكون له أثر كبير على قطاع البنوك وعلى الاقتصاد بشكل عام.
تحسن أداء الأسهم القطرية أيضا من حالة ضعيفة جدا بداية العام لتحقق مكاسب قدرها 10% في مارس. لكن ما تزال السوق على انخفاض سنوي قدره حوالي 30%، ما يجعلها السوق الأسوأ أداء في المنطقة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2009. وقد تعززت المعنويات بفضل ارتفاع أسعار النفط واستمرار الإجراءات الحكومية الهادفة إلى إنعاش قطاع البنوك بزيادة رؤوس أموالها وشراء محافظها الاستثمارية.
وفي عُمان، اتسمت أصغر أسواق مجلس التعاون الخليجي بالضعف خلال الشهر وأخفقت في الاستفادة من تحسن المعنويات إقليميا وعالميا. وقد سجلت السوق خسائر بلغت 5% خلال مارس ليصبح إجمالي الخسائر للعام 2009 حتى تاريخه حوالي 15% وتكون السوق العمانية ثاني أسوأ أسواق الأسهم أداء في المنطقة للعام 2009. وتسود السوق حالة من شح السيولة وقلة اهتمام المستثمرين، وقد عجز "صندوق استقرار السوق العمانية" الذي تدعمه الحكومة في تحقيق تحسن ملحوظ في مشاعر المستثمرين حتى الآن. وتتماشى التقييمات في السوق العمانية مع الأسواق الإقليمية، لكن مستويات السيولة المنخفضة وانعدام الاهتمام المستمر بالشراء على الرغم من التدخل الحكومي عبر "صندوق استقرار السوق العمانية"، يؤدي إلى تأخير التعافي. وتوجد حاجة إلى مزيد من التحفيز، قد تأتي على شكل مفاجآت إيجابية في الأرباح، أو تدفق الاستثمارات الإقليمية والأجنبية، لإحداث الانتعاش في السوق.
وأخيرا نتوجه إلى مصر، حيث تمتعت أكبر أسواق المنطقة خارج دول مجلس التعاون الخليجي بأداء قوي جدا خلال الشهر وكانت أفضل الأسواق الإقليمية أداء، فحققت مكاسب تقارب 17% لتقلل خسائرها للعام 2009 إلى ما دون 9%. وكان الدافع خلف ذلك الانتعاش في السوق المصرية التحسن الكبير في مشاعر المستثمرين في الأسواق العالمية بشكل عام وفي الأسواق الناشئة بشكل خاص، في الوقت الذي انضم فيه المستثمرون المحليون إلى المستثمرين الأجانب في شراء الأسهم التي بلغت تقييمات جذابة جدا بعد الخسائر الضخمة التي منيت بها على مدى الاثني عشر شهرا الماضية. وبالأهمية ذاتها، فقد أدى تخفيض أسعار الفائدة مجددا من قبل البنك المركزي المصري لإنعاش الإنفاق الاستثماري والاستهلاك، ما أسهم في زيادة تشجيع المستثمرين. وعلى المدى القصير، فستعتمد حظوظ السوق المصرية إلى حد كبير على نجاح البنك المركزي في تخفيض أسعار الفائدة إلى مستويات تشجع المستثمرين والمستهلكين، مع ضبط العجز المالي المتزايد.
© 2009 تقرير مينا(www.menareport.com)