السوق السوداء للعملة في مصر في خطر

تاريخ النشر: 05 يونيو 2014 - 10:08 GMT
البوابة
البوابة

أصبحت السوق السوداء للعملة في مصر مهددة من اتجاهين. فمن ناحية تبشر مساعدات متوقعة من دول الخليج غنية بالتخفيف من حدة نقص العملة الصعبة، ومن ناحية أخرى يعمد البنك المركزي الذي تتزايد ثقته بالاقتصاد إلى تخفيض قيمة الجنيه تدريجيا.

ومنذ أحداث عام 2011 وما تلاها من اضطرابات سياسية واقتصادية ظهرت فجوة كبيرة بين السعر الرسمي للجنيه المصري وسعره في السوق السوداء، حيث تباع العملة سرا في متاجر وأزقة بعيدا عن أعين السلطات وفقا لـ«رويترز».

وترمز هذه الفجوة إلى الضعف الاقتصادي الذي تعانيه مصر وهي تكافح لجذب العملة الصعبة من الخارج. لكن الجنيه المصري بدأ يرتفع مقابل الدولار في السوق السوداء وسط توقعات بين المتعاملين بتدفق مليارات الدولارات من الخليج.

من ناحية أخرى عمد البنك المركزي إلى توجيه الجنيه للانخفاض في السوق الرسمية، مقدراً فيما يبدو أن الاقتصاد قد استقر بدرجة تكفي لاتخاذ هذه الخطوة دون التسبب في إقبال خارج عن السيطرة على بيع العملة.

والنتيجة كما يقول متعاملون في السوق السوداء واقتصاديون في المصارف هي أن الفجوة بين السعرين قد تختفي قريباً ربما بنهاية العام بما تنتفي معه الحاجة للسوق السوداء.

وبلغ الهامش 2.7 في المائة أمس انخفاضاً من 4.7 في المائة في الأسبوع الماضي ومقارنة بأكثر من 10 في المائة في مطلع العام الماضي.

وقال تاجر حقائب في منطقة العتبة المزدحمة في القاهرة، حيث يدير نشاطه السري في العملة "لو في فلوس تاني جاية من الخليج مش هيبقى في حاجة اسمها السوق السوداء". وقال سايمون وليامز كبير اقتصاديي الشرق الأوسط في بنك إتش.إس.بي.سي في دبي "إنه يظن أن السلطات المصرية تعتقد أن البلاد يمكنها الآن أن تدع الجنيه يتراجع في السوق الرسمية إلى مستويات تجتذب إمدادات جديدة من الدولار".

وأضاف "هذه علامة ثقة. فهم يعتقدون أن بوسعهم تخفيف قبضتهم الآن والعودة إلى النظام العادي".

السوق السوداء

يبلغ السعر الرسمي للجنيه فيما بين البنوك 7.15 مقابل الدولار أي منخفضاً نحو 15 في المائة عما كان عليه قرب نهاية عام 2012 عندما بدأ البنك المركزي تطبيق نظام مزادات لطرح الدولار بهدف تقنين استخدام العملة الصعبة وحماية الاحتياطيات.

ويتعين على المصارف التعامل في الدولار في إطار نطاقات حول السعر المعلن في مزادات البنك المركزي للمعاملات بين المصارف والتعاملات التجارية وللأفراد، بما يتيح للسلطات السيطرة الفعلية على سعر الصرف الرسمي.

لكن اقتصاديين يقدرون أن الطلب الشهري على الدولار في مصر أكثر بنحو نصف مليار دولار عن المبلغ الذي يطرح في السوق الرسمية. وظهرت السوق السوداء لتلبية هذا الطلب.

والآن ظهرت توقعات بأن المساعدات والاستثمارات التي ستقدمها دول الخليج قد تؤدي إلى تحول كبير في التوازن بين العرض والطلب في السوق السوداء، خاصة بعد أن دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الثلاثاء إلى عقد مؤتمر للدول المانحة لدعم مصر.

ولم يتضح حجم المبالغ التي قد تحصل عليها مصر أو توقيتاتها. لكن البيان كان بمثابة مؤشر جديد على أن ثلاثة من أغنى دول العالم هي السعودية والإمارات والكويت ترى أهمية سياسية كبرى في تحقيق الاستقرار في مصر.

وكانت الحكومات الثلاث قد تعهدت بالفعل بتقديم مساعدات لا تقل عن 12 مليار دولار، وقدمت بالفعل أغلبها منذ عزل الجيش المصري في تموز (يوليو) الماضي الرئيس محمد مرسي.

ومن المحتمل أن تتدفق على مصر مبالغ مماثلة أو أكبر في الأشهر أو السنوات المقبلة. كما تعمل دول الخليج على تشجيع شركاتها الحكومية على القيام باستثمارات كبيرة في مصر في مجالات مختلفة من الإسكان إلى الطاقة.

وقال تاجر عملة آخر في السوق السوداء في القاهرة - طلب عدم الكشف عن اسمه خشية جذب اهتمام السلطات إليه -، "التوقعات هي أن السيسي سيضبط البلاد ويجلب استثمارات".

وقال هو وآخرون "إن سعر الدولار في السوق السوداء الآن يبلغ نحو 7.35 مقابل الجنيه بالمقارنة مع أكثر من 7.50 الأسبوع الماضي، وما يقرب من ثمانية جنيهات للدولار خلال حكم مرسي.

السوق الرسمية

وما دام الضعف يلازم صناعة السياحة والاقتصاد المصري عموماً، فمن المستبعد فيما يبدو أن تكفي أموال الخليج وحدها لتوفير الدولارات اللازمة لإغلاق السوق السوداء نهائياً.

فقد سجلت مصر عجزاً تجارياً كبيراً بلغ 15.4 مليار دولار في الفترة من تموز (يوليو) إلى كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، كما تأثرت إيرادات السياحة بالمخاوف الأمنية وكاد فائض الخدمات أن يختفي. وأدت المساعدات الخليجية حتى الآن إلى توقف هبوط حاد في احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، لكنها لم ترفعها بدرجة كبيرة.

وهنا يأتي دور سياسة البنك المركزي. فمنذ نهاية آذار (مارس) عندما كان سعر الصرف الرسمي 6.97 جنيه للدولار اختار البنك المركزي أسعار العروض المقدمة في مزادات الدولار التي تعمل على دفع الجنيه للتراجع ببطء شديد.

ويبدو أن هذا كان تحولاً رئيسياً في السياسة، رغم أن المسؤولين لم يؤكدوه، لأن تحقيق استقرار العملة كان يمثل أولوية بل وإنجازا كبيرا للسلطات بعد هبوط الجنيه بوتيرة سريعة في عهد مرسي. وكان ذلك الهبوط أثار انزعاج المستثمرين ودفعهم إلى تحويل مئات الملايين من الدولارات إلى خارج البلاد.

وأجرت "رويترز" استطلاعاً غير رسمي لآراء عشرة متعاملين ومديري صناديق واقتصاديين في مصر والخارج، تنبأ فيه ثمانية بأن السعر الرسمي للجنيه سيواصل انخفاضه ليصل بنهاية العام إلى 7.35 مقابل الدولار وهذا سيعني انخفاض قيمة العملة المصرية بنسبة 5.4 في المائة خلال 2014.

ومن الممكن كذلك أن تشهد العملة انخفاضاً متوسطا في العام المقبل. وحتى الآن لم يعلق مسؤولو البنك المركزي علناً على أسباب التحول في سياسة البنك ولم يتسن الاتصال بمسؤولين مطلعين على السياسة الخاصة بالعملة للتعقيب.

لكن كثيراً من الاقتصاديين من القطاع الخاص يعتقدون أن السلطات تضع هدفين نصب أعينها. الأول هو تعزيز النمو الاقتصادي، وهو يمثل أولوية للسيسي للحفاظ على التأييد الشعبي، وذلك من خلال تنشيط الصادرات. وقد قال وزير التجارة منير فخري "إن مصر تريد زيادة الصادرات غير النفطية بنسبة 15 في المائة هذا العام بعد ارتفاعها 11 في المائة عام 2013".

ومن المستبعد أن تكون التجارة الدافع الأساسي وراء تغيير السياسة، إذ إن قطاع التصدير المصري يمثل ما يزيد قليلا فقط على عشرة في المائة من الاقتصاد، وإذا أدى انخفاض العملة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية فقد يتأثر التأييد الذي تحظى به الحكومة.

ويبدو أن السبب الرئيسي هو رغبة في خفض الجنيه إلى المستوى الذي تعتقد أسواق المال أنه يمثل قيمة معقولة ومن ثم قابل للاستمرار في المدى الطويل. وهذا قد يقنع مستثمري المحافظ والشركات من مختلف أنحاء العالم وليس دول الخليج فحسب بأن تستأنف ضخ الأموال في مصر.

وفي العام الماضي بلغ الاقتصاد المصري من الضعف حدا كان من الممكن أن يؤدي فيه بدء عملية خفض قيمة العملة إلى ذعر لا يمكن السيطرة عليه في السوق. أما الآن فالثقة أكبر لدى البنك المركزي والسوق - بدعم من المساعدات الخليجية - في أن من الممكن التحكم في هذه العملية.

وقال الن سانديب رئيس قسم الأبحاث لدى "نعيم" للوساطة المالية في القاهرة "إن السلطات تدير عملية لخفض قيمة العملة لتشجيع الناس على دخول السوق وجلب استثمارات مباشرة من الخارج".

وأضاف أن "المستوى الذي سيستقر عنده الجنيه في نهاية الأمر يتوقف على مدى سرعة عودة إيرادات السياحة إلى طبيعتها". وإذا اختفت السوق السوداء وأصبح البنك المركزي قادراً على إنهاء نظام مزادات الدولار ليرجع إلى سوق حرة نسبياً يتوازن فيها العرض والطلب فسيكون ذلك إشارة ايجابية جداً للمستثمرين.

وقال وليامز كبير اقتصاديي الشرق الأوسط لدى إتش.إس.بي.سي، "ضعف العملة سيفيد الصادرات، لكن عودة نظام الصرف الأجنبي لطبيعته أكثر أهمية من ذلك، فهي تظهر أن الجنيه قابل للتحويل مرة أخرى، وأن الأزمة انتهت، وأن من الممكن الاستثمار في مصر مرة أخرى".