حطّ تنفيذيون من مختلف أنحاء العالم رحالهم في الرياض الأسبوع الماضي، قبل أيام من تحولهم إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي يعد الحدث العالمي الرئيس في كانون الثاني (يناير). وأصبح منتدى التنافسية الدولي الذي تنظمه المملكة العربية السعودية سنويا، محطة توقف ضرورية لأولئك الذين يأملون في الاستفادة من اقتصاد غني بعوائد النفط في وقت يسود فيه الاضطراب المالي في الغرب.
المنتدى الذي افتُتح هذا العام بخطاب من جورج بلكي، رئيس المجموعة الصناعية الأمريكية 3M، أعطى المملكة العربية السعودية فرصة لتقديم نفسها للآخرين، في وقت يعيش فيه معظم العالم حالة من الجيشان. لكن على الرغم من حاجة المملكة العربية السعودية لأن تصبح أكثر تكاملاً مع الاقتصاد العالمي، فهي أيضا غالبا ما تركز أنظارها على الداخل في الوقت الحالي.
في واحدة من أبرز لحظات المنتدى، حذّر الأمير تركي الفيصل، أحد الأعضاء البارزين في العائلة المالكة، سفير المملكة السابق لدى واشنطن، من أن المملكة العربية السعودية وغيرها من الاقتصادات الناشئة لن تساعد الغرب خلال الأزمة المالية، إلا إذا مُنحت نفوذاً أوسع في إدارة الاقتصاد العالمي، بما في ذلك مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي.
وفي تعليق تردد صداه في الأوساط المالية وفي أوساط قطاع الأعمال في الرياض، شدد على أن لدى المملكة تحدياتها الخاصة بها، وأنها ستزيد تركيز تخصيص مواردها للتنمية المحلية وداخل المنطقة. وقال للحضور: "سنستمر في دعم جيراننا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، بما في ذلك الدعم المالي، لكننا نواجه في الوقت الراهن متطلبات ضرورية خاصة بنا".
والواقع أن التوجه الاقتصادي للمملكة في أيامنا هذه أساسي للغاية، فهو يستهدف توفير الوظائف وبناء مساكن يمكن تحمل تكاليفها لسكان يغلب عليهم الشباب.
وخلال العام الماضي أطلقت المملكة صفقة إنفاق اجتماعي بقيمة 130 مليار دولار. وتلقى الموظفون العامون علاوة خاصة بما مقداره راتب شهرين، وتم استيعاب أعداد أكثر من الشباب في القطاع العام. وجرى كذلك إطلاق برنامج ضخم لبناء مساكن بقيمة 250 مليار ريال سعودي (66.3 مليار دولار)، وتم إنشاء وزارة جديدة للإسكان يتوقع أن تنفذ تعهد الملك عبد الله بن عبد العزيز ببناء 500 ألف مسكن. ويقول تقرير حديث صادر عن «جدوى» في الرياض، إن الإنشاءات المدفوعة باحتياجات الإسكان ستكون أسرع قطاعات الاقتصاد نمواً. وفي إشارته إلى المجالات التي يتدافع المستثمرون الأجانب للاستفادة منها، يورد التقرير أن شركات الإنشاءات ومنتجي السلع المرتبطة بهذا القطاع والمواد الخام والخدمات سيكونون الرابحين الرئيسيين من المستوى المرتفع للإنفاق الحكومي.
وتزايدت الصعوبات أمام الشباب في سبيل شراء منازل، بحيث ينتهي الأمر بكثيرين وهم يعيشون مع والديهم لفترات طويلة بعد زواجهم. وبات الإسكان مصدرا لنقاش عام مفتوح ومتزايد. ويشكل الارتفاع الشديد في أسعار الأراضي جزءا من المشكلة. ويقول أحد تنفيذيي الأراضي إن الأسعار في بعض مناطق الرياض تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية.
والتمويل يمثل عائقاً كذلك قانون الرهن العقاري في طور الإعداد منذ سنوات ـ الأمر الذي لا يشجع مطوري الإنشاءات الخاصين على بناء مساكن للسعوديين من أصحاب الدخل المنخفض.
وتسعى شركات العقارات إلى فرض ضريبة بنسبة 2.5 في المائة على الأراضي غير المطورة من أجل منع الاحتفاظ بالأراضي الفارغة، لكن من غير الواضح تماماً ما إذا كانت ستنجح في ذلك، أو أن تكون تلك الضريبة كافية لجعل مزيد من المساحات متاحة للتطوير.
لذلك، السخاء الحكومي يسد ثغرة فورية، لكن عليه أن يسير يداً بيد مع إصلاحات جدية تضمن وجود سوق أكثر فاعلية في المستقبل. وتلاحظ دراسة تم إعدادها لوزارة الإسكان أن نحو 40 في المائة من السعوديين دون سن 15 عاما، سيكون معظمهم في حاجة إلى مساكن خلال السنوات الـ 20 المقبلة.