أمريكا تتحرك لتجفيف مصادر الدخل النقدي للنفط الإيراني

تاريخ النشر: 22 يناير 2013 - 08:25 GMT
اعتبارا من السادس من شباط سيظل بمقدور إيران الحصول على ثمن النفط الذي يتم تسليمه إلى الأسواق الآسيوية، من بومباي إلى شنجهاي، لكن الدفع لن يكون نقدا
اعتبارا من السادس من شباط سيظل بمقدور إيران الحصول على ثمن النفط الذي يتم تسليمه إلى الأسواق الآسيوية، من بومباي إلى شنجهاي، لكن الدفع لن يكون نقدا

قال مسؤولون أمريكيون: إنه خلال أسبوعين فقط من الآن ستبدأ إدارة الرئيس أوباما في فرض قانون لم ينتبه إليه أحد، ويمكن له أن يجفف واحدا من أكبر مصادر الدخل النفطي المتبقية أمام إيران. واعتبارا من السادس من شباط (فبراير) سيظل بمقدور إيران الحصول على ثمن النفط الذي يتم تسليمه إلى الأسواق الآسيوية، من بومباي إلى شنجهاي، لكن الدفع لن يكون نقدا.

وقالت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير نشرته في عددها الصادر أمس، لمواصلة الحديث عن بداية شعور حكومة طهران بالمزيد من الضغط على دخلها النفطي: إنه منذ أن أغلقت الموانئ الأوروبية بواباتها في وجه ناقلات النفط الإيراني في الصيف الماضي، وتتوجه إيران بأنظارها إلى الشرق للإبقاء على اقتصادها حيا يرزق.

وتعرض بعض البلدان، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية -وبعضها ينتقد العقوبات الغربية على إيران- حبل نجاة من الأسواق الموثوقة والدولارات التي هي في أمَسِّ الحاجة إليها، لكن من المرجح ألا تدوم هذه الحال طويلا. إذا طبق قرار الإدارة الأمريكية في السادس من شباط (فبراير) المقبل. وأوضحت الصحيفة الأمريكية واسعة الانتشار في تحليل محللها جوبي ووريك لشؤون الشرق الأوسط أن هذا القانون، الذي يشكل جزءا من برنامج عقوبات فُرِض في السنة الماضية، يفرض على الحكومات الأجنبية الاحتفاظ بأية دفعات خاصة بالنفط الإيراني وإبقاءها حبيسة ضمن حسابات بنكية داخل أراضيها. ولن يكون بمقدور إيران استخدام تلك الأموال، إلا من أجل شراء سلع ومواد من الاقتصاد المحلي لتلك البلد، مثل القمح أو الأدوية أو السلع الاستهلاكية. لكنها لا تستطيع تحصيل العملة الصعبة التي يمكن لها أن تعزز الاقتصاد المعتل داخل إيران، كما يقول مسؤولون ومحللون أمريكيون. وكان المسؤولون في الإدارة الأمريكية يترقبون بهدوء الأثر المترتب على الأحكام الجديدة، الذي يمكن أن يكون أقوى الآثار المترتبة على العقوبات منذ الإجراءات التي فرضت في الصيف الماضي والتي تستهدف صناعة النفط والمصارف في إيران. ويشير المسؤولون إلى أن من المنافع الجانبية لذلك هو الأثر المحتمل على شركاء إيران التجاريين، الذين سيكون لهم خلال فترة قريبة مصلحة اقتصادية قوية في مساندة العقوبات الصارمة ضد إيران.

ومن جانبه، قال ديفيد كوهين، مساعد وكيل وزارة المالية الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في تصريح للصحيفة ذاتها: "هذه هي الضربة القوية التالية. فمعظم هذه البلدان لديها اختلالات كبيرة في ميزانها التجاري مع إيران، وسيتعين على إيران الآن أن تعثر على سبل لإنفاق جميع أرباحها على الاقتصاد المحلي في تلك البلدان". يذكر أن سريان مفعول هذه السياسة الجديدة يبدأ في الوقت الذي تعاني فيه إدارة أوباما، من أجل المحافظة على تحالف يزداد صعوبة باستمرار من البلدان التي تساند السياسات الغربية الصارمة ضد إيران. يشار إلى أن هذه العقوبات، التي تهدف إلى الضغط على زعماء إيران للقبول بالقيود على برنامجها النووي، ساهمت منذ فترة في إحداث هبوط حاد في قيمة الريال الإيراني، الذي خسر أكثر من نصف قيمته خلال 12 شهرا. لكن هذه السياسات أثارت احتجاجات من قبل عدد من البلدان إلى جانب الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان. وتعود "واشنطن بوست" في تقريرها التحليلي لتقول: إن بعض منتقدي العقوبات تؤذي المواطن الإيراني العادي بالدرجة الأولى وتخفق في الوقت نفسه في تغيير سلوك رجال الدين الذين يحكمون إيران. وقد اعترضت جهات أخرى مناهضة للعقوبات، خصوصا البلدان التي تعتمد على النفط الإيراني، على العقوبات، بسبب الأذى المحتمل الذي يمكن أن يصيب اقتصادها هي بالذات. وحتى الجهات التي تساند العقوبات من حيث الظاهر أخذت في التراجع عن مواقفها. ذلك أنه وفقا لتقارير تجارية واستنادا إلى آراء عدد من المحللين فإن كوريا الجنوبية، التي وافقت على تقليص اعتمادها على النفط الإيراني، زادت من وارداتها من الخام الإيراني في أواخر السنة الماضية. كما أن تركيا، المجاورة لإيران التي تعتبر من أكبر شركائها التجاريين، التفّت بصورة جزئية على العقوبات من خلال تسديد ثمن النفط الإيراني بالذهب بدلا من استخدام العملة، ما دفع الكونجرس الأمريكي إلى سن قانون جديد في الشهر الماضي يحظر هذا النوع من التعاملات. ويكشف محللون أمريكيون أن الأحكام الجديدة التي تفرض شراء المنتجات المحلية ستعوض مبالغ أكبر من الخسائر في الإيرادات التي تكبدتها البلدان ذات الشراكة التجارية مع إيران، وذلك من خلال إكراه إيران على إنفاق مليارات الدولارات على سلع ومواد يتم إنتاجها في تلك البلدان.

وفي الوقت نفسه، كما يقول المختصون: فإنه يمكن لهذه السياسة أن تساعد على تقويض المزاعم الإيرانية التي تقول: إن العقوبات تسبب الأذى والمكابدة للشعب الإيراني على نطاق واسع. وفي حين يقر مسؤولو الإدارة الأمريكية وعدد من المحللين المستقلين بأن العقوبات يمكن أن تكون قد أدت إلى إيذاء البعض في إيران، إلا أنَّ مِنْ رأيهم أن طهران تبالغ في الروايات التي تصدر عنها والتي تتحدث عن أن فقراء إيران لا يجدون الطعام أو الدواء بسبب العقوبات. وهم يلاحظون في هذا الصدد أن إيران تنتج معظم أدويتها وموادها الصيدلانية، وعلى أية حال فإن الأحكام الجديدة تزيد من حوافز طهران في سبيل الحصول على المواد الغذائية والطبية الضرورية عن طريق التبادل التجاري مع زبائنها النفطيين. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، الذي أصر على عدم ذكر اسمه ونقل حديثه صحيفة "واشنطن بوست" في تقريرها: إنه أثناء الحديث عن أحكام القانون التي تتسم بالحساسية الدبلوماسية: "نحن لا نستهدف الأدوية أو الأجهزة الطبية. ولكن المشكلة الكبيرة التي تعاني منها إيران إنما هي نتيجة لسوء الإدارة من الحكومة نفسها." وبسبب مشاعر التوتر بخصوص الآثار الجانبية الناتجة عن العقوبات، فإن هذا دفع إدارة أوباما إلى منح إعفاءات أو إدخال تعديلات صغيرة على القانون من أجل ضمان ألا تؤدي العقوبات إلى أذى في غير محله على البلدان النامية التي تعاني من اقتصاد هش. في حين اقترح الكونجرس في السنة الماضية فرض عقوبات جديدة تستهدف صناعة الغاز الطبيعي في إيران، اشتكى مسؤولون أتراك بمنتهى القوة، قائلين: إن المستهلكين الأتراك سيعانون من المشاق في حالة اضطرار تركيا إلى قطع المَوْرد الذي يزودها بنسبة 20 في المائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. وقد دفعت التقارير الواردة حول أحكام القانون بوزير الطاقة التركي تانر يِلدِز إلى التحذير من أن بلاده يمكن أن تتجاهل العقوبات الجديدة. وعلق دبلوماسي من الشرق الأوسط تعمل بلاده بصورة وثيقة على تَتَبُّع التداعيات الاقتصادية للعقوبات على إيران قائلا: "حين تفرض حظرا على الغاز الطبيعي، فإنك بذلك تفرض عقوبات على تركيا". وقد طلب هذا المسؤول عدم ذكر اسمه، لأنه لم يكن مخولا بمناقشة الموضوع. وأضاف: "سيكون التأثير في إيران ضئيلا، لكن زبائن إيران سيتحملون العبء الأكبر".

وقال مارك دوبووِتز، مختص في العقوبات الدولية: إن إدارة أوباما في النهاية أقنعت الكونجرس بتعديل القانون بهدف إعفاء تركيا وبلدان أخرى تعتمد على وارداتها من الغاز الطبيعي الإيراني. وأضاف دوبووِتز، الذي يتولى إدارة "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، وهو مركز أبحاث مقره العاصمة واشنطن: "كان هناك ضغط هائل على الكونجرس من أجل الضغط على إيران في مجال صادرات الغاز الطبيعي". وقال: إنه كان من المفهوم ضمنا عند إعفاء تركيا أن إسطنبول ستحسن من سبل فرض أحكام أخرى في العقوبات، مثل مقايضة الذهب مقابل النفط مع إيران. وقد أثير هذا الموضوع من بين مواضيع أخرى أثناء زيارة إلى واشنطن في الأسبوع الماضي قام بها فريد الدين سِنِريل أوغلو، أمين عام وزارة الخارجية التركية. وبعد الاجتماع أكدت فكتوريا نولاند، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية على وجود مجالات كثيرة من التعاون الوثيق بخصوص السياسة الخارجية. وقالت: إن من بين هذه المجالات، هناك "أهمية التضامن الدولي بخصوص إيران".

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن