تقف الأزمة اليونانية في مفترق طرق، بين احتمال تفعيل خطة المركزي الأوروبي نحو شراء الديون السيادية بلا حدود، كما أعلن المحافظ ماريو دراغي، وبين احتمال فشل كل مقترحات إنقاذها، ومن ثم إنقاذ منطقة اليورو. لقد أصبح هناك خيطٌ رفيعٌ بين الخيارين، وحال تحقيق الخيار الأول فإن انتعاشاً كبيراً ينتظر أسواق المال والنفط وفي القلب منها الأسواق الخليجية التي تستفيد من السيولة من الإيرادات النفطية، وحال فشل خطة الإنقاذ، لاسيما بعد أن ارتفع عجز الموازنة اليونانية من 12 إلى 20 مليار يورو مما أعاد خطة دراغي إلى المربع صفر إثر اقتراح المركزي الألماني عرض تفاصيل الخطة على محكمة العدل الأوروبية لمعرفة قانونية شراء الديون، ولم يكن أمام دراغي سوى الانضمام إلى «الاستشارة القانونية».
لقد عبرت ألمانيا- أكبر اقتصاد أوروبي- وعبر أكثر من وسيلة على الاعتراض، إلى حد أن أحزاباً تشارك في الحكم طالبت بطرد اليونان- برمتها- من الاتحاد الأوروبي، واللجوء إلى المحكمة في ظل تدهور الأوضاع في اليونان، وتهديد أحزاب وجماعات يونانية بالتظاهر اعتراضاً على مزيد من التقشف، سيعني دخول المنطقة الرمادية بين خياري «الإنقاذ» أو «التخلي»، وهو ما يدخل الاقتصاد العالمي في دوامة.
إقليمياً، ومن دون سند أو منطق قال غير مسؤول إن أزمة اليورو لن تطال الدول الخليجية أو دولاً شرق أوسطية، بيد أن أرقام الميزان التجاري بين الخليج وأوروبا- على سبيل المثال- تكذب تلك التطمينات، كما أن استهلاك أوروبا من النفط يؤكد أن أسواقنا ستكون في قلب الأزمة، ودخول أوروبا إلى حافة الركود يعني تراجعاً حاداً في أسعار النفط. لقد صعدت أسواق المال في العالم بعد نجاح دراغي في الحصول على موافقة محافظي البنوك المركزية في الاتحاد الأوروبي بشراء الديون السيادية دون حدود، ومن ثم ضخ سيولة تنعش الاقتصادات المتأزمة مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا، ثم انتعشت ثانية مع خطة برنانكي محافظ الفيدرالي الأميركي والتي ستضخ 40 مليار دولار شهرياً لشراء الأصول.
ومع دخول المنطقة الرمادية، مع ازدياد حدة الأزمة في اليونان، خسرت أسواق المال ما جنته عقب قراري المركزي الأوروبي والفيدرالي الأميركي، ومازالت تشهد يومياً نزيفاً من الخسائر، وغير صادق من يقول إن أسواق الخليج بعيدة عن هذه التطورات، لأنها هي الأخرى فقدت ما جنته أثناء صعود أسواق المال العالمية، وها هو السوق السعودي- على سبيل المثال- والذي سبق وتجاوز مؤشره العام 7150 نقطة يعود إلى مستوى الـ6000 وكذا سوق دبي وسوق الدوحة، فيما تظل التداولات الهامشية عنواناً لكل الأسواق سواء التي حققت أكبر خسارة أو خسائر محدودة. أزمة اليورو تتسبب يومياً في تكبد اقتصاد دول المنطقة خسائر تزيد على مليار دولار، خصوصاً في القيم السوقية لعقارات بالمليارات، أو أسهم في شركات أوروبية خصوصاً المصارف، أو من خلال حجم صادراتها إلى أوروبا، أو في تراجع أسعار النفط.
وإن كان المليار دولار خسائر- على صعيد الخليج- فقط هو الحد الأدنى اليومي، فإن الخسائر قابلة للارتفاع، لاسيما في ظل استمرار غياب خطط التحفيز التي أصبحت أملاً بعيد المنال، وفي ظل مؤشرات عالمية أخرى نتجاهلها أحياناً رغم أنها معنية برسم وباستشراف المستقبل. وإن كان هناك مَن يقول على الخليج أن يتجه إلى آسيا، فإن استمرار تراجع المؤشر الصناعي في الصين والذي يعده شهرياً مركز الأبحاث في «HSBC» لعدة أشهر متتالية، لا يجعل آسيا منطقة واعدة، لأن تراجع المؤشر الصناعي الصيني تسبب في خسائر مليارية فادحة سواء في أوروبا أو أميركا، أما في الخليج فقد تراجعت وبشكل شبه يومي أسعار النفط، وبدأ الحديث عن أزمة جديدة إذا ما استمر تراجع المؤشر خلال الشهور المقبلة.
في ظل تلك التقاطعات والتي مازالت في منطقتها الرمادية، يجب التعامل معها بخطط منها إعادة النظر في خريطة الاستثمارات وخصوصاً من قبل الصناديق السيادية التي أصبحت أمام فرصة واعدة لشراء أصول تراجعت قيمتها بشكل كبير، وإعادة النظر لا يجب أن تقف عند حدود اقتناص الفرص، خصوصاً العقارية، بل تمتد لاستثمارات واعدة خصوصاً في مجال استخراج الغاز، والنفط الآزوروي، وشراء حصص في شركات العمالقة في مجالي التجزئة والتقنيات، وبجانب كل ما سبق فإن البناء الداخلي سيكون هو الأهم وهو نقطة الفصل لتجنب الجانب الأكبر من تداعيات منطقة «اليورو» والتي تكبد دول الخليج يومياً خسائر تفوق المليار دولار يومياً والبناء الداخلي يعني بنية تحتية وبيئة استثمارية والدخول في قطاع التصنيع بقوة حـــــسب المتاح من المواد الخام.