تزايدت حدة أزمة نقص العملة الأجنبية في مصر واتسع الفارق بين سعر صرف الجنيه المصري في السوقين الرسمية والموازية ويقول خبراء اقتصاديون إن إجراء خفض جديد في قيمة الجنيه أصبح أمرا حتميا في السنة المالية الحالية.
وبحسب "رويترز"، فقد تضررت تدفقات النقد الأجنبي بشدة إلى مصر التي تعتمد على الاستيراد بعد أحداث يناير 2011 التي أدت إلى نزوح السياح والمستثمرين الأجانب وهما مصدران رئيسيان للعملة الصعبة.
وسبب شح الدولارات أضرارا لأنشطة الشركات، كما أضر الثقة بالاقتصاد المصري، وخفضت مصر قيمة الجنيه 13 في المائة في آذار (مارس) لتضييق الفجوة بين سعري الصرف في السوق الرسمية والموازية لكن تلك الخطوة أخفقت في تعزيز السيولة الدولارية وفي تضييق الفجوة أيضا.
وهبطت احتياطيات النقد الأجنبي من 36 مليار دولار قبل 2011 إلى نحو 17.5 مليار دولار في أيار (مايو) هذا العام وشهدت مزيدا من التراجع هذا الشهر مع إعادة مصر وديعة بمليار دولار إلى قطر.
وقال هاني فرحات الخبير الاقتصادي لدى "سي.آي كابيتال"، إن خفض قيمة العملة لا بد أن يحدث، وأعتقد أن هذا أمر لا مفر منه للحفاظ على موارد البلاد من النقد الأجنبي، التي تتآكل حاليا كما نرى في صافي الأصول الأجنبية.
وأشار طارق عامر محافظ البنك المركزي إلى أن الاحتياطيات ستصل إلى 25 مليار دولار بنهاية العام، ورغم ارتفاع الاحتياطيات قليلا منذ تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي يقول مصرفيون إن الحصول على دولارات من النظام المصرفي أصبح أكثر صعوبة.
وفي تعليقات نشرتها وسائل إعلام محلية أمس، قال عامر إنه يركز منذ أن تولى مهام منصبه في نوفمبر تشرين الثاني على مواجهة الركود وتحفيز الاقتصاد مع استهداف سعر صرف مرن للعملة يعكس العرض والطلب.
وذكر عامر أن البنك المركزي كان إما أن يحافظ على استقرار الجنيه أو يشغل المصانع، مضيفا أنه لن يكون سعيدا إذا كان سعر الصرف مستقرا لكن المصانع متوقفة.
وأضاف عامر أن أسعار الصرف غير الحقيقية تعني تقديم دعم بشكل غير مباشر لكل إنسان يعيش في مصر بمن فيهم الأغنياء، وأن البنك المركزي حصل على 22.5 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، حيث ضاع أغلبها على استهداف سعر الصرف، وكان يجب استخدامها في إصلاح السياسة النقدية ومنظومة النقد الأجنبي.
وقال عامر إنه مثلما لانخفاض سعر الصرف إيجابياته فإن لارتفاعه إيجابيات على الاقتصاد أيضا، حيث ترفع تنافسية المنتج المصري وتزيد قدرته للنفاذ للأسواق الخارجية، وبالتالي زيادة الصادرات وتقليل الاستيراد.
وقد يدعم خفض محكوم في قيمة الجنيه الصادرات ويجتذب مزيدا من الاستثمارات، لكنه سيزيد أيضا فاتورة واردات الوقود والغذاء المتضخمة بالفعل وربما يرفع التضخم في بلد يعتمد على الواردات ويعيش فيه الملايين على حد الكفاف، وصرح محافظ المركزي أن البنك لا يستهدف سعرا معينا للعملة ولا يخضع لإملاءات الخارج. ويقوم البنك المركزي بترشيد احتياطياته الدولارية من خلال مبيعات أسبوعية منتظمة مبقيا الجنيه قويا بشكل مصطنع عند 8.78 جنيه مقابل الدولار لكن تجارا في السوق الموازية قالوا إنهم باعوا دولارات في نطاق 11 جنيها-11.04 جنيه مقابل الدولار اليوم الأحد، ولم يذكروا أحجاما للتعاملات.
ويعتقد خبراء اقتصاديون أن خفضا آخر في قيمة الجنيه ربما يطلق قفزة في التضخم إذا تم في أوائل السنة المالية وهو مبعث قلق رئيسي في بلد يعيش فيه 90 مليونا من بينهم ملايين الفقراء.
وأشارت إيمان نجم الخبيرة الاقتصادية لدى "برايم" القابضة إلى أن هناك مصادر أخرى للضغوط التضخمية، ولذا فإنهم سينتظرون حتى نهاية الربع الأول أو أوائل الربع الثاني لإجراء الخفض لإتاحة المجال أمام احتواء الضغوط التضخمية.
وتبدأ السنة المالية في مصر في تموز (يوليو)، وقفز التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية للشهر الثاني في أيار (مايو) إلى 12.3 في المائة من 10.3 في المائة في نيسان (أبريل) وهو ما دفع البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة 100 نقطة أساس في اجتماع لجنته للسياسة النقدية الشهر الماضي.
ومن المتوقع أن تتزايد الضغوط التضخمية مع خطة لخفض دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة في السنة المالية الحالية، وأوضح خبير اقتصادي طلب عدم الكشف عن هويته أن هناك دائما تكلفة لأي إصلاح، ولا نستطيع إصلاح جميع الأمور في نفس الوقت، ونحن بحاجة إما لإصلاح هيكلي في الاقتصاد أو مجرد الإبقاء على كل شيء في حالة جمود خشية ضغوط تضخمية مرتفعة جدا.
وتعاني مصر أزمة عملة صعبة يعزوها الاقتصاديون لتقويم الجنيه بأعلى من قيمته الحقيقية، وكان البنك المركزي خفض سعر العملة إلى 8.85 جنيه مقابل الدولار من 7.73 جنيه في آذار (مارس) وأعلن أنه سينتهج سياسة سعر صرف أكثر مرونة.
وفي وقت لاحق من آذار (مارس) رفع قيمة العملة إلى 8.78 جنيه مقابل الدولار، لكن اقتصاديين يقولون إن السعر الجديد ما زال أعلى من القيمة الفعلية للجنيه.
ويباع الدولار في البنوك مقابل 8.88 جنيه وفي السوق الموازية بأكثر من 11 جنيها وفقا لمتعاملين، وأشار عامر إلى أنه لن يفرح باستقرار سعر الصرف والمصانع متوقفة، وسيأخذ القرارات الصحيحة من وجهة نظره ويتحمل نتائجها، واستهداف سعر العملة بغرض الحفاظ عليه كان خطأ فادحا وكلف الدولة مليارات الدولارات في السنوات الخمس الماضية.
اقرأ أيضاً:
انخفاض الجنيه المصري إلى 10.10 للدولار في السوق السوداء
المصريون يسخرون من أزمة الجنية المصري بهاشتاغ "الدولار يصبح عالجنيه"