التطورات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية

تاريخ النشر: 31 يوليو 2007 - 08:01 GMT

استعرض بنك الكويت الوطني في موجزه الاقتصادي الأخير حول أحدث التطورات التي شهدها الاقتصاد السعودي المشاريع المتوقعة والبرامج الاستثمارية لزيادة الطاقة الانتاجية في قطاع النفط والغاز ولتنويع مصادر الدخل القومي من خلال تنمية الأنشطة غير النفطية. فإلى جانب رصد مبالغ ضخمة للمشاريع الحكومية، تركز الدولة جهودها على الاصلاحات الاقتصادية والتشريعية من أجل خلق صناعات محلية جاذبة للاستثمار. إلا أن مدى نجاح هذه الجهود قد لا يتجلى بشكل واضح على المدى القريب حيث أدى ارتفاع أسعار النفط منذ عام 2002 بأكثر من الضعف، إلى جانب النمو المتواصل في إنتاجه، إلى زيادة مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد.
ومع ارتفاع أسعار النفط ازداد هامش الربح في الصناعات النفطية، ما دفع المملكة إلى طرح برنامجاً استثمارياً لتنمية هذا القطاع بتكلفة تصل إلى 70 مليار دولار. ويهدف هذا البرنامج إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط الخام إلى 12.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2009، وإضافة نحو 0.5 مليون برميل يومياً إلى طاقة التكرير في المملكة، ورفع الطاقة الإنتاجية لأحد مصافي التكرير، إلى جانب زيادة إنتاج الغاز بمقدار 2 مليار قدم مكعب يومياً.
كما شهد حجم الاستثمار في الصناعات اللاحقة للنفط قفزة حادة أيضاً. إذ تعتزم الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) إنفاق حوالي 10 مليار دولار لرفع طاقتها الإنتاجية إلى 64 مليون طن بحلول عام 2008، ناهيك عن الاستثمارات الجديدة لمستثمرين آخرين من القطاع الخاص والمقدرة بنحو 10 مليار دولار أيضاً.
إلا أن اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط  بالدرجة الأولى يعني  بقاءه عرضة لتذبذبات أسعار النفط، ولهذا تسعى المملكة وبشكل متواصل إلى استكشاف بدائل جديدة للإيرادات المتأتية من تصدير النفط. فالسعودية تصنف الرابعة عالمياً من حيث احتياطيات الغاز والتي تقدر بنحو  243.6  تريليون قدم مكعب، علماً بأن عمليات الاستكشاف لم تتجاوز 15% من المساحة الكلية، مما يؤهل السعودية لتصبح منتجاً رئيسياً للغاز على المستوى العالمي. وبهدف تطوير هذا القطاع، تكثف السعودية عمليات استكشاف مصادر جديدة للغاز وزيادة حجم إنتاجها من الغاز الطبيعي بما يتجاوز 130% بحلول عام 2009. وقد أعلنت شركة ارامكو السعودية المملوكة للدولة عن أربعة اكتشافات جديدة للغاز، وتقوم حاليا بتنفيذ مشروع للغاز بتكلفة 1.2 مليار دولار، فيما يقدر أن تبلغ قيمة المشاريع المستقبلية لتطوير هذا القطاع بنحو 9 مليار دولار. كما تأمل المملكة أن تستقطب حوالي 40 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة لمضاعفة إنتاج الكهرباء مع حلول عام 2020. وتمهيدا لذلك تم إعادة هيكلة وتخصيص جزء كبير من قطاع الطاقة إضافة إلى وضع أطر تشريعية ورقابية جديدة.
ويشير الوطني إلى أن الحكومة السعودية تولي أهمية للدور الذي يمكن للخصخصة والاستثمار الأجنبي المباشر أن تلعبه في تطوير القطاع غير النفطي، ما دفعها لاتخاذ العديد من الخطوات في هذا المجال. فقد شهد عام 2003 أول عملية خصخصة مهمة عندما قامت الحكومة ببيع 20% من حصتها في شركة الاتصالات السعودية إلى المواطنين، تلاها بيع 50% من شركة التعاونية للتأمين في ديسمبر من عام 2004. إضافة إلى ذلك، يتولى القطاع الخاص حالياً مسؤولية إدارة الموانئ السعودية بتوفير كافة خدمات المساندة والعمليات والصيانة.
وهنالك حاليا نحو 20 قطاعاً خدمياً رئيسياً في مراحل مختلفة ضمن برنامج الخصخصة القائم، منها مشاريع في قطاعات النقل والمياه، والاتصالات، والخدمات التعليمية، والاستثمارات الحكومية المشتركة، وشركة التعدين العربية السعودية، ومساهمات في محطات تكرير محلية. ورغم أن الحكومة لم تحدد جدولاً زمنياً لعمليات الخصخصة في كل قطاع، إلا أنها قد اتخذت خطوات جوهرية في جميع القطاعات. فقد شهد هذا العام ترخيص أول شركة طيران تابعة للقطاع الخاص، مما أنهى احتكار الخطوط الجوية العربية السعودية، هذا إلى جانب توقيع العقود لأول مشروع مستقل في مجال الطاقة والمياه.
وإلى جانب بيع جزء من أسهمها في المؤسسات المملوكة للدولة، فقد صادقت الحكومة على عدد من القوانين والتشريعات الهادفة إلى توسعة المجالات المتاحة أمام القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. فقد أتاح قانون الاستثمار الأجنبي لعام 2000 للأجانب حرية التملك الكامل (100%) في قطاعات محددة، بعد أن كان الحد الأقصى للتملك الأجنبي لا يتجاوز 49%، كما أقر إنشاء الهيئة العامة للاستثمار. وقد أصبح لهذاالجهاز الحكومي مكاتب تمثيل في العديد من السفارات السعودية تتولى توفير كافة المعلومات اللازمة لقطاع المستثمرين.
وسلط تقرير الوطني الضوء على الاصلاحات والمبادرات التي تبنتها الدولة بهدف تحويل السعودية إلى أحد المحطات العشر الرئيسية في تنافسية الاستثمار بحلول عام . فقد تم إقرار قانون جديد لسوق المال في منتصف عام 2003 لتعزيز فاعلية عمليات وإدارة سوق الأسهم ، فيما خفض قانون الضرائب لعام 2004 ضريبة الدخل المفروضة على الشركات الأجنبية من 45% إلى 20%، باستثناء قطاع الهيدروكربون حيث ما زالت نسب الضريبة عليه تتراوح ما بين 30% و85%. وفي عام 2005، ألغت الحكومة متطلب الحد الأدنى لرأس المال المستثمر المفروض على المستثمرين الأجانب ما عدا في قطاعات تجارة الجملة وخدمات التجزئة. كما تمت المصادقة أيضاً على قانون المشتريات الحكومية والذي أتاح المجال أمام الشركات المملوكة بالكامل للأجانب من التنافس مع الشركات المحلية على العقود الحكومية. وفي تطور هام، فإن المتطلبات العامة للحصول على تأشيرة الدخول قد تم تحديثها وتبسيطها، وخاصة لرجال الأعمال من بعض الجنسيات. كما تتجه النية في المستقبل القريب إلى إصدار تأشيرات دخول لغايات السياحة أو للعمل لفترة قصيرة وذلك بهدف تعزيز سياحة قطاع الأعمال والسياحة الدينية. كذلك الحال، فقد أعلنت الحكومة انطلاقة ستة مدن صناعية جديدة في الأقاليم الأقل تطوراً، والتي تقوم على منح المستثمرين معاملة تفضيلية ضريبية ومضاعفة فترة السماح المتاحة لتسديد القروض الممنوحة من صندوق التنمية الصناعية السعودي.  
 ومحصلة للجهود المبذولة، فقد نجحت السعودية في زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وفي قطاعات رئيسية كالغاز والتأمين والمصارف والهاتف المحمول والكهرباء وتحلية المياه والبتروكيماويات والسكك الحديدية والتعليم العالي. ففي تقريرها لعام 2006، أشارت الهيئة العامة للاستثمار إلى أنها ومنذ تاريخ إنشاءها قد منحت الترخيص لأكثر من 4000 مشروع جديد وبقيمة تجاوزت 100 مليار دولار، بلغت حصة رأس المال الأجنبي منها نحو 46%. كما أفادت الهيئة بتنامي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال السنوات الخمس الماضية مما متوسطه 600 مليون دولار خلال الفترة 2001-2003 إلى 2 مليار دولار في عام 2004، و12.1 مليار دولار في عام 2005، ولتصل إلى أعلى مستوياتها في عام 2006 وبحدود 18.3 مليار دولار. وبذلك، فقد وصل رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة إلى 46 مليار دولار أو ما يعادل 13% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى من حيث حجم استثماراتها في السعودية، تلتها اليابان والإمارات العربية المتحدة. ومن الجدير ذكره أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد عززت من استثمارات القطاع الخاص التي حافظت على نموها عند مستوى 5.6% بالمتوسط بين عامي 2003 و2005 ولتصل إلى 30.6 مليار دولار. وبهدف تخفيض التكلفة المتزايدة للمشاريع، فإن السلطات السعودية قد تتوجه نحو تطبيق المشاريع على فترة زمنية أطول، وفقاً لما ورد في تقرير الوطني.    
ومن الواضح أن السياسة الاقتصادية للمملكة لم ينحصر تركيزها على القضايا الداخلية فقط، وإنما امتدت نحو زيادة تكاملها إقليميا وعالمياً. وجاءت أولى الخطوات الساعية وراء تعزيز العلاقات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف بتشكيل الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2003 والذي خفض التعرفة الجمركية على معظم السلع إلى 5%. وقامت المملكة بعد ذلك بمنح مواطني دول المجلس حقوقاً مماثلة لتلك الممنوحة لمواطنيها في عدة مجالات كالاستثمار في السوق المالي، وتأسيس الشركات، والعمالة في القطاع الخاص، ومنافع الضمان الاجتماعي، والمشتريات الحكومية، والشحن، وتجارة التجزئة بما فيها العقار.
وفي إطار أوسع، جاء انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية مع نهاية عام 2005 لينهي 12 عاماً من المفاوضات. وقد ترتب على هذه العضوية التزام المملكة بتخفيض التعريفة الجمركية والمعوقات الأخرى، إلى جانب تسريع وتيرة التحرير في بعض القطاعات الرئيسية كالاتصالات والمصارف والتأمين. كما قامت المملكة بالتوقيع على 39 اتفاقية ثنائية، وأبرزها مع أكبر شركائها التجاريين كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين.
 وأشار الوطني إلى أن مشروع الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون الخليجي والذي من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في عام 2010 قد يكون أحد أبرز الخطوات التي تعكس الجهود السعودية لتعميق التكامل الاقتصادي في المنطقة. ومع أن هذا المشروع يمثل مبادرة مشتركة لدول المجلس، إلا أن السعودية تعتبر اللاعب الرئيسي في جعل هذا المشروع حقيقة كون اقتصادها يمثل حوالي نصف اقتصادات دول المجلس استناداً إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي. إلا أن درجة التقدم المحرز في التحضير لطرح العملة الموحدة قد أعاقها قرار عمان بالانسحاب من المشروع بدعوى أن اقتصادها قد لا يكون جاهزاً لمثل هذه الخطوة بحلول عام 2010، إلى جانب قرار الكويت بالتخلي عن ربط عملتها بالدولار والعودة إلى سياسة ربط سعر صرف الدينار بسلة من العملات يكون الدولار عنصر رئيسي فيها. وهذه التطورات قد ولدت الكثير من التكهنات باحتمالية تأجيل تنفيذ هذا المشروع. ومع ذلك، فما زال الموقف الرسمي السعودي داعماً لهذا المشروع من جهة، وداحضاً للإشاعات والتكهنات التي تشير إلى احتمالية رفع سعر صرف الريال السعودي أو إجراء تعديل على سياسة سعر الصرف في أعقاب التراجع الملحوظ في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية الأخرى.
وفي الخلاصة يرى الوطني إن السعودية لديها من المقومات ما يؤهلها لمواصلة النمو الاقتصادي القوي، وخاصة عند الأخذ بعين الاعتبار تنامي الطلب العالمي على الطاقة، والزيادة الملحوظة في حجم الاستثمار بشقيه العام والخاص، والتحسن في بيئة الأعمال الناجم عن عمليات الانفتاح ومبادرات الخصخصة، هذا إلى جانب النمو الملحوظ في المصروفات الاستهلاكية الخاصة بدفع من التزايد السكاني وارتفاع القوة الشرائية للفرد.

© 2007 تقرير مينا(www.menareport.com)