يمكن للمملكة المتحدة الآن أن تدعي التميز المريب، المتمثل في أنها عانت أعلى معدلات الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في أوروبا - وأيضا واحدة من أعمق فترات الركود.
الانخفاض بنسبة 20.4 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، الذي أظهرته البيانات الرسمية الأربعاء الماضي كان أكبر انخفاض في الناتج في أي اقتصاد أوروبي رئيس خلال هذه الفترة.
على الرغم من أن الانتعاش من أدنى نقطة في نيسان (أبريل) اكتسب سرعة في حزيران (يونيو)، إلا أن الإنتاج لا يزال أقل 22.1 في المائة عن مستواه في نهاية 2019.
هذا يجعله أشد ركودا في مجموعة السبع، والثاني بعد إسبانيا بين أقرانه الأوروبيين خلال النصف الأول من العام - وهي فترة تعطي صورة عن عمليات الإغلاق الوطنية التي بدأت في وقت سابق في بعض الدول.
يقول اقتصاديون إن طول فترة إغلاق المملكة المتحدة - التي طال أمدها، وإن كانت أقل تشددا مما كانت عليه في بعض الدول - هي أحد أسباب عمق الركود الاقتصادي.
قال صامويل تومبس، من شركة بانثون ماكرو ـ إيكونومكس: "المدة الطويلة للإغلاق، بسبب استجابة الحكومة البطيئة لكوفيد ـ 19 في آذار (مارس) متبوعة بفشلها في وقف انتشار الفيروس من المستشفيات، كانت مصدر الضعف في أداء الاقتصاد".
استغل حزب العمال الأرقام دليلا على أن تعامل رئيس الوزراء مع الأزمة لم يسهم فقط في ارتفاع عدد الوفيات في البلاد، لكن أيضا في البؤس الاقتصادي الذي خلفه الفيروس.
قالت أنيليز دودز، وزيرة المالية في حكومة الظل: "لدينا حتى الآن أسوأ زيادة في معدل الوفيات في أوروبا - والآن نحن في طريقنا نحو أسوأ ركود اقتصادي أيضا. هذه مأساة للشعب البريطاني حدثت في عهد بوريس جونسون".
لكن هناك تفسيرات أخرى لضعف أداء المملكة المتحدة. أحدهما هيكلي - فأجزاء من قطاع الخدمات، مثل الضيافة والسفر، لها وزن أكبر في اقتصاد المملكة المتحدة مقارنة ببعض أقرانها، خصوصا ألمانيا. يوجد في المملكة المتحدة أيضا نسبة أعلى من الآباء والأمهات العاملين، يضطر بعضهم إلى أخذ إجازة من العمل أثناء إغلاق المدارس.
هناك أيضا عوامل عدم يقين أكبر من المعتاد حول تقديرات مكتب الإحصاءات الوطنية ONS، خاصة عندما يتعلق الأمر بمخرجات القطاع العام. أظهرت البيانات انخفاضا بنسبة 34 في المائة في ناتج التعليم في الربع الثاني، وانخفاضا بنسبة 27 في المائة في الخدمات الصحية والاجتماعية. أشار جوناثان بورتس، الأستاذ في كلية كينجز في لندن، إلى عدم وضوح ما إذا كان مكتب الإحصاءات قد اتخذ النهج نفسه الذي اتبعته الدول الأخرى في حساب آثار إغلاق المدارس، أو بناء مستشفيات جديدة، أو إلغاء بعض العلاجات.
من الواضح أن المملكة المتحدة أمامها مسافة طويلة لإعادة الاقتصاد إلى مستويات ما قبل الوباء: حتى بعد شهرين من النمو، لم يكن الناتج المحلي الإجمالي أعلى مما كان عليه في 2010، في أعقاب الركود الأخير.
قال جيمس سميث، مدير الأبحاث في مؤسسة ريزوليوشن، وهي مؤسسة فكرية: "يوجد هنا وضع أصعب مقارنة بمعظم الدول الغنية الأخرى نظرا لتعرضنا لضربة اقتصادية أكبر".
أصدر بنك إنجلترا توقعات متفائلة نسبيا الأسبوع الماضي، قائلا إن الانتعاش في الإنفاق الاستهلاكي سيدفع الانتعاش في نمو الربع الثالث - على الرغم من أن الانتعاش من المرجح أن يتباطأ في وقت لاحق من العام.
تؤكد البيانات الأخيرة أن الانتعاش تسارع في الأسابيع الأخيرة، مع تعديل نمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس شهري بنسبة 2.4 في المائة لشهر أيار (مايو)، وأقوى من المتوقع عند 8.7 في المائة في حزيران (يونيو).
فيكتوريا كلارك، الخبيرة الاقتصادية في شركة إنفيستك، قالت إن قطاع الخدمات - الذي لا يزال يمثل نقطة الضعف في البيانات - ينبغي أن يتعزز أكثر في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) مع قدرة مزيد من الشركات على إعادة الفتح وبيانات الحجوزات التي تشير إلى أن الخطة الحكومية "تناول الطعام في الخارج للمساعدة"، وهي برنامج يقدم وجبات الطعام بنصف السعر لتشجيع الناس على زيارة المطاعم، قد عززت وضع المطاعم.
لكن اقتصاديين آخرين يجادلون بأن كثيرا من الانتعاش في الإنفاق الاستهلاكي - بما في ذلك قفزة في مبيعات السيارات - يعكس الطلب المكبوت وقد لا يستمر، حيث من المقرر أن تتخلف المملكة المتحدة عن الاقتصادات الأخرى.
قال فابريس مونتاني، اقتصادي في باركليز: "مزيج من قطاع الضيافة والسفر الأكبر، وضبط النفس الفردي في مواجهة الحالات المتجددة، وبريكست، قد يفسر سبب انخفاض النشاط أكثر ولماذا نتوقع أن يكون الانتعاش أقل وضوحا من الدول الأخرى".
تشير مؤشرات الوقت الفعلي إلى أن الناس في المملكة المتحدة يظلون أكثر حذرا بشأن المخاطرة بالخروج من الناس في الولايات المتحدة أو معظم الدول الأوروبية. تظهر بيانات التنقل في جوجل أن الرحلات إلى العمل في الأسبوع الماضي كانت تعادل نصف مستواها تقريبا في كانون الثاني (يناير)، بينما كانت الزيارات إلى المطاعم وأماكن الترفيه لا تزال منخفضة 25 في المائة في بداية الشهر.
لفت مكتب الإحصاءات الوطنية الانتباه إلى دراسة استقصائية أظهرت أن من بين الشركات التي يتم تداولها الآن، 16 في المائة منها كانت تعمل بخسارة.
وتظهر بيانات الربع الثاني أيضا أن الوباء أدى إلى تفاقم نقاط الضعف الحالية في اقتصاد المملكة المتحدة.
الاستثمار التجاري - الذي عانى بالفعل ركودا طويلا بسبب عدم اليقين بشأن بريكست - انخفض 31.4 في المائة على أساس ربع سنوي، وهو انخفاض أكبر ثلاث مرات عما كان عليه في أسوأ نقطة في أزمة 2008. الإنتاجية التي تقاس على أساس الناتج لكل ساعة عمل، كانت أقل 3 في المائة عما كانت عليه في الفترة نفسها من 2019، بينما انخفض الناتج لكل عامل بحدود الخمس، بسبب العدد الكبير من الموظفين الذين تم وضعهم في إجازة.
لكن الخطر الأكبر هو أن البطالة يمكن أن ترتفع بشكل حاد في الخريف، مع تخلص الحكومة التدريجي من دعم الأجور وأشكال الدعم الأخرى.
ريشي سوناك، وزير المالية، قال الأربعاء: "فقد مئات الآلاف من الأشخاص وظائفهم بالفعل، وللأسف سيفقد كثيرون وظائفهم في الأشهر المقبلة"، لكنه أضاف: "في حين أن هناك خيارات صعبة يتعين اتخاذها في المستقبل، إلا أننا سنتجاوز هذا".